نبأ فضيحة الإعلان الذى نشرته وزارة القوى العاملة (المتمتعة حاليا بوزير إخوانى) فى إحدى مطبوعاتها باسم النقابة العامة لعمال البترول، وضمنته تهنئة لفضيلة الشيخ الرئيس محمد مرسى بمناسبة حلول ذكرى حرب أكتوبر، باعتباره «قائدها» وصانع «النصر العظيم» الذى تحقق فيها.. هذا النبأ الطريف (أو المسخرة إن شىءت الدقة) قرأته ولم أضحك ذلك الضحك الأمرّ من البكاء، وإنما أطرقت كئيبا مكلوما وطويت القلب على وجع الحسرة واليأس، وأخذت أردد ذلك المقطع الشعرى الذى قاله ذات يوم شاعر العروبة العبقرى الرائع مظفر النواب، بينما هو يتلو وينشد بحرقة قصيدته الخالدة «وتريات ليلية» إذ هتف حزينا ملتاعا: يا بلدى.. والكل إذا ركب الكرسى يُكشر فى الناس كعنترة فتعالى.. تعالى نبكى الأموات ونبكى الأحياء واضح ومفهوم طبعا، أن نبكى الآن أمواتنا وقوافل شهدائنا الذين ضحوا بالروح لكى نتغير وننهض من كبوتنا الطويلة، ونتقدم ونتحرر ونحيا حياة كريمة نظيفة من فيض أوساخ وأسباب التأخر والتخلف والاندحار، ومنها إدمان الكذب الفاحش على النفس وعلى الله تعالى، والنفاق الإجرامى الفاجر لكل من يصعد فوق قلوبنا ويركب كرسى الحكم، على ذلك النحو الذى يجسده هذا الإعلان الغارق فى أوحال المسخرة والانحطاط لدرجة أن لا شىء يفوق سخافته وصياغته المقرفة إلا دلالاته المحبطة وإشارته المرعبة.. فأما الدلالات والإشارات فهى التى تجعلنا نبكى الأحياء ربما قبل الأموات وبحرقة أكبر، فالذى غادر دنيانا واستشهد ارتاحت روحه فى نعيم الجنة الأبدية، أما أمثالنا الذين يكابدون مُر العيش فى وطن منكوب (دولة ومجتمعا) خرج للتو من حفرة نظام فاسد مُفسد ومستبد وقمعى كان يستخرج من نفوس الناس أسوأ ما فيها، فإذا به يسقط بسرعة مرة أخرى فى مستنقع نظام ربما أشد وطأة وأقوى شبقا وأكثر جوعا للتسلط والهيمنة وسحق كبرياء البشر واستثارة عقدهم القديمة وإنعاش ثقافة واطية تفشت وتراكمت عبر حقب وسنين القهر الطويلة، تلك الثقافة التى تستسهل المسايرة والمداهنة، وتسوغ بألف حجة سلوك المراوغة والالتواء، ومحاولة التحايل على الغلب والعيشة السوداء، ومواجهة ظلم الظالمين وعسفهم وفجورهم بأسلحة الكذب والرياء والنفاق والخنوع، ومد حبال الصبر إلى أبعد مسافة ممكنة. ومع ذلك، لا يبدو أن هناك بُدًّا أو مفرًا من الاعتراف بحقيقة أن صياغة «الإعلان الفضيحة» لا تخلو من آيات حذق ومهارة تلامس حدود عبقرية، فبينما هى تجسد وتترجم كل المعانى السلبية وكل الأدران والأوساخ والأمراض المشار إليها فى الفقرة السابقة، فإنها فى الوقت نفسه لم تخترع أو تختلق شيئا من الفراغ الشامل والعدم التام، بل لعلك لاحظت عزيزى القارئ أن المنافقين الغلابة (أنا متأكد أنهم أغلب من الغلب) الذين كتبوا هذا الإعلان الشائن استندوا إلى ادعاء وزعم مضحكين وعجيبين جدا لم تخجل الأبواق الدعائية الرسمية من ترديدهما وتكرارهما بفخر وحماس، فمن دون أن يهتز رمش فى عيونهم الكحيلة قالوا: إن فضيلة الشيخ الدكتور الرئيس محمد مرسى لا يشرف فقط وإنما «يقود بنفسه العمليات العسكرية (ضد الإرهابيين التكفيريين) فى سيناء»!! طيب، ما دام الرجل الذى لم نكن نعرف اسمه أصلا قبل أن يركب كرسى الحكم من شهور قليلة أصبح بسرعة البرق مؤهلا لقيادة «عمليات عسكرية»، فما المانع التقنى والأخلاقى من تطوير هذه الكذبة وتحويرها ونقلها من الحاضر القريب إلى الماضى البعيد، بحيث يصير جناب الرئيس هو القائد المنتصر فى حرب اشتعلت وانتهت من 39 عاما؟!!