اللواء منصور العيسوى ليس وحده. إنه الرجل الطيب الذى تحول فجأة إلى وحش أمام الميكروفونات. وحش يهدد ويوعد وينذر بالضرب فى المليان. تضرب من يا سيادة الوزير الطيب؟ يقول وكأنه فى مهمة وطنية مقدسة: أى شخص يقترب من قسم شرطة الوزير منفعل.. ومنفعل جدا. ماذا حدث؟ يحكون عنه حكايات غريبة فى ليلة 9 سبتمبر، منها أنه خبط بيديه على طاولة اجتماعات مجلس الوزراء ووجه خطابات تحذيرية للجميع كما لو قال لهم: إللى مايفهمش فى الأمن يخرس. ماذا حدث يا سيادة اللواء الطيب؟ أين نبرتك الودود؟ أين حنانك الغريب عن علاقة الشرطة بالشعب طوال 30 سنة من الذل والمهانة واستعراضات الذكورة المريضة..؟ وعد اللواء العيسوى بأن ما كان يحدث أيام المقيم فى القفص حبيب العادلى «أيام.. وولّت». هل ستعود أيام العادلى؟ هل العادلى بالنسبة إلى العيسوى هو الحل؟ أسئلة متلاحقة تحاول أن ترى كيف استعاد الوزير قيم ومفاهيم اهتزت الثقة فى أنها فعالة بعد 28 يناير..؟ منظومة الأمن كما وصلت على يد العادلى هُزمت، وتكرارها الآن انتحار سريع.. هذا ما سيكتشفه أصغر ملازم قرر أن يُعمل عقله وتفكيره بدلا من تشغيل ماكينة الانتقام. العادلى الآن انتحار. نعم.. أهمس فى أذن الوزير وكل من تصور أن الدولة الأمنية يمكنها أن تحمى أحدا، أو تعيد مفاهيم انقرضت مع الجيوش الانكشارية وحكم المماليك.. وعادت مع نظام مبارك. صديقى ناصر أمين حكى لى عن حوار بينه وبين مجموعة من ضباط الشرطة يحاضرهم فى أكاديمية الشرطة عن مفاهيم حقوق الإنسان. ناصر قال لهم: عندما يمسك ضابط شرطة شخصا متهما ويضع فى يده الكلابشات.. وأصبح تحت تصرفه.. لماذا يصفعه ويكيل له الشتائم؟! الإجابة الوحيدة كانت: لكى يشعروا بقوتنا. هذه مفاهيم تدخل عقل ووعى الضابط من لحظة دخوله كلية الشرطة. يتعلم أنه سيد الشعب. وأنه لكى يؤدى مهمته لا بد أن يفرض هيبته. المصيبة أن الشعب صدق فعلا أنه لا بد أن تكون للشرطة هيبة. ماذا تعنى هيبة الشرطة التى أرهقت مذيعة شهيرة نفسها عدة حلقات لكى تطالب باستعادتها؟ هيبة الشرطة كارثة على مصر أسقطت نظاما سياسيا، وقتلت شهداء من الثوار والشرطة معا، وأفسدت العلاقة بين المجتمع ومؤسسة مدنية، مهمتها حماية أمنه. وأعتقد أن مزاج الخوف من الانفلات الأمنى هو ما أثار ذعر المذيعة.. والوزير العيسوى معا. الوزير تصور أن البلد تفلت من يده مرة أخرى بعد أحداث 9 سبتمبر.. والمذيعة خائفة من جحافل البلطجية. والحل: استعادة هيبة الشرطة! هذا الوهم الخادع للجميع. الهيبة مفروض أن تكون للقانون.. وليس لمن ينفذه. وهيبة ضابط الشرطة من أنه ينفذ القانون، لا من استخدامه ضمن حزمة قوة لإثبات سطوته. الشرطة -إذن- تصورت أنها ستستعيد قدرتها على قهر وإذلال الفرد العادى.. وتعيد قصة استغلال القانون ضد الضعفاء، ومن يراد إهانتهم فقط، فإنها تسير إلى هاوية جديدة. والمجتمع الذى يطالب بأمنه مقابل حريته وكرامته فإنه قرر أن يفجر نفسه من الداخل.. لا أمن دون كرامة.. درس تعلمته الشعوب التى قهرت سنوات، واكتشفت أن الكرامة والحرية ليستا رفاهية أو كماليات.. إنهما أساس بناء مجتمعات تبحث عن القوة والحياة السعيدة. ومصلحة الجميع: سلطة وشعب.. مجتمع ودولة.. شرطة وناس أن تعود هيبة القانون، لا هيبة ضابط يتصور أنه سيد على الشعب. الشعب يشترى بأمواله الرُّتب التى يستعرض بها الضابط.. والضابط يخدعه من يقول له إنه يمكن أن يؤدى مهمته إذا داس على الكرامة. هل سيطر تنظيم العادلى على لاظوغلى من جديد؟