لا تقتربوا من الصحافة أو من الصحفيين ونقابتهم». رسالة واضحة، قوية، ساطعة، حاسمة، وربما غاضبة أيضًا، أرسلها الصحفيون إلى أهل الحكم فى مصر، من خلال جمعيتهم العمومية التى عُقدت يوم الجمعة الماضى، وعبْر انتخابات يحرص الصحفيون دومًا على نزاهتها وشفافيتها، جاءت بنقيب جديد وستة من أعضاء مجلس النقابة، حمَّلهم زملاءهم شرف وأمانة الدفاع عن المهنة واستقلالها، وعبء مواجهة الهجمة الشرسة والمنظمة التى تتعرض لها الصحافة والصحفيون خصوصًا، والإعلام والإعلاميون على وجه العموم، والتى تقودها قيادات بارزة فى جماعة «الإخوان» وحزبها السياسى، بل ومسؤولون رسميون فى الحكومة ومؤسسة الرئاسة، خاضوا حملة تحريض واستعداء معلنة ضد كل وسائل الإعلام التى لا تطبّل أو تزمّر ل«إنجازات الرئيس» الوهمية، ولم تبرز ما حققه مشروع النهضة إياه (فاكرينه؟) على أرض الواقع. رسالة الصحفيين برزت فى إصرارهم على انتخاب زملاء لهم من النشطاء النقابيين الحقيقيين، الذين يوقن الصحفيون أنهم سيشكّلون «حائط صد» صلبًا، ضد تلك الحملة والهجمة الشرسة. ولم يلتفت الصحفيون إلى ادعاءات البعض ب«تسييس» النقابة، تلك الادعاءات «العبيطة» التى يرددها مَن ينتمون إلى تيار سياسى معين، أو من المتمسحين به والمتمتعين بعطاياه والحالمين بمِنحه. هؤلاء نسوا، أو يتناسون عن عمد وقصد وغرض ومرض، أن جماعة «الإخوان» هى أول من أدخلت السياسة بكل شرورها إلى النقابات المهنية، وركز أعضاؤها نشاطهم النقابى لخدمة أهداف وخطط «الجماعة»، تمامًا كما يفعلون الآن فى الوطن كله.
لكن الرسالة، على ما يبدو، لم تعجب من يعنيهم الأمر، فبعد انتهاء الانتخابات بساعات قليلة، كانت «موقعة المقطم» التى اعتدت فيها ميليشيات جماعة «الإخوان» على عدد من الصحفيين كانوا يؤدون عملهم فى تغطية تظاهرة سلمية، نظمها شباب ونشطاء أمام مقر الجماعة فى «المقطم»، ومارس أفراد «الميليشيا الإخوانية» هوايتهم فى تحطيم عظام الزملاء، قبل أن يمارسوا عادتهم «العلنية» فى تهشيم كاميرات ومعدات المصورين الصحفيين ومراسلى قنوات تليفزيونية، فى إصرار غريب على وأد الحقيقة، وعدم توثيق جرائم الاعتداء على النشطاء السلميين.
ما حدث هو أول تحدٍّ حقيقى لنقيب الصحفيين الجديد ومجلس النقابة، يتطلب ردًّا واضحًا وحاسمًا وصلبًا لمنع تكرار تلك الاعتداءات، والإصرار على محاكمة مرتكبيها، خصوصًا أن وجوههم معروفة وكشفت عنها الصور بوضوح للعالم كله، فلا حجة هذه المرة لجناب النائب العام «الخصوصى» لتسجيل القضية ضد مجهول، وحفظها فى الأدراج كما حدث مع عشرات القضايا المتهم فيها أعضاء وكوادر «الإخوان»، وأولاها قضية الشهيد الصحفى الحسينى أبو ضيف، وبقية رفقائه الشهداء أمام قصر «الاتحادية»، ضحايا نفس الميليشيات وذات المجرمين.
ربما يحاول البعض جرّ الصحفيين ونقابتهم، ونقيبهم ومجلسه نصف المجدَّد، إلى معارك تصْرفهم عن التحديات المهنية والنقابية الأخرى الملقاة على عاتقهم، وأبرزها محاولات بيع المؤسسات الصحفية القومية، بعد أن باتت عصيّة على «الأخونة»، وتحدى الإصرار على تأسيس مجلس وطنى للصحافة، مستقل بشكل حقيقى عن كل حزب أو تيار سياسى أو سلطة حاكمة، سواء الآن أو فى المستقبل. إضافة إلى التحدى الأهم، وهو ضمان حد أدنى من العيش الكريم للصحفيين، الذين تدنت أجورهم بشكل حاد فى الأعوام الأخيرة، وشغلهم الدفاع عن مطالب كل فئات المجتمع عن الإصرار، بل والقتال فى معركة حياة أو موت، لتعديل أجورهم وضمان مستقبل أبنائهم.
الزملاء الصحفيون: رسالتكم وصلت إلى كل من يعنيه الأمر، بقى أن تتوحدوا خلف مطالبكم المشروعة، وتتناسوا ما قد يكون خلفته الانتخابات من رواسب فى بعض النفوس، فالقادم أهم، والتحدى أخطر، والمواجهة حتمية.
الزملاء الصحفيون: القادم أهم والتحدى أخطر والمواجهة حتمية.