هذه هى نهاية الاختطاف الحزبى لنقابة الصحفيين، ميليشيات ترتدى ثياب الصحافة تارة وترتدى ثياب الصداقة للصحفيين تارة أخرى، لتتمكن من ممارسة بلطجتها التى تربت عليها ولا تستطيع العيش دونها، وتصل بها البجاحة إلى الاعتداء على نقيب الصحفيين ومطاردته فى الشوارع، وسط حفاوة من الباشوات الكبار الذين رتبوا ودبروا، وجلسوا على مقاعدهم يتفرجون على الجريمة وهم يقهقهون، ويتمتمون "يستاهل". لا أدرى ماذا كان يمكن أن يصبح مصير النقيب ممدوح الولى لو أنه قرر الترشح مجددا لهذا المنصب؟! أظن أنه كان سيلقى حتفه (هو وكل من يتشدد له) على يد هذه الميليشيات التى أدخلها إلى النقابة أشاوس حزبيون يحملون عضوية المجلس أو حتى عضوية الكافتيريا!! الحمد لله أن الرجل رفض الترشح رغم إلحاح أصدقائه وأنصاره ومحبيه، والذين كانوا يرغبون فى الحفاظ على ما تحقق من إنجازات فى عهده، خاصة زيادة البدل والمعاشات، حيث حصل الولى خلال الأيام الماضية على تعهد جديد من وزير المالية بإتاحة مبلغ 35 مليون جنيه إضافية لزيادة البدل والمعاشات، وهى مهددة الآن بالضياع بسبب الخلاف النقابى، ولفت أنظار أعضاء مجلس النواب القادم إلى إمكانية حذف هذا البند من الموازنة العامة للدولة وتحويله إلى أى بند آخر أكثر احتياجا، وقد حرص الولى على الحصول على هذا التعهد، على الرغم من أنه كان قد قرر بالفعل عدم الترشح، وأراد بذلك أن يقدم نموذجا جديدا فى العطاء دون مقابل، لكن الميليشيات التى نمت وترعرعت فى النقابة على مدار الشهور الستة عشر الماضية لا تقبل أى نجاح لمن تعتبره خصما سياسيا حتى لو خرج من المنافسة الانتخابية. الاعتداء على نقيب الصحفيين نفذه للأسف صحفيون أعضاء نقابة وبلطجية من خارج النقابة؛ بدعوى أن الولى لم يقم بدوره دعما لقضية الزميل الشهيد الحسينى أبو ضيف، متجاهلين أن الولى هو من زار الحسينى فى مشفاه قبل وفاته، وهو من طلب نقله إلى مستشفى أفضل لكن أطباءه رفضوا ذلك، وهو من حصل على معاش شهيد بصورة استثنائية لفقيد الصحافة، وهو ما لم يحدث مع أقرانه من الشهداء العشرة الآخرين الذين استشهدوا على أسوار قصر الاتحادية فى الليلة ذاتها، وهو من قدم بلاغا للنيابة طالبا سرعة التحقيق وكشف الجناة وتقديمهم للعدالة، وهو بعد ذلك لا يملك التأثير على مجرى التحقيق، ولا يمكنه معرفة أسماء الجناة الذين قتلوا الحسينى ورفاقه أمام الاتحادية. ليس من المروءة ولا من النبل التستر بعباءة الحسينى أبو ضيف لتصفية حسابات حزبية ضيقة، وتحويل النقابة إلى مجرد واجهة لحزب أو تيار سياسى، واستخدامها أداة لتصفية الخصوم من الزملاء الصحفيين، فما حدث مع النقيب ممدوح الولى لم يكن التصرف الأول من نوعه، بل سبقته وقائع أخرى مع النقيب ذاته، حين تمت إحالته للتحقيق من قبل المجلس، وهو إجراء غير قانونى، إذ لا يملك المجلس بحكم قانون النقابة إحالة النقيب إلى لجان تحقيق، وسبقته أيضا إحالة الزميل محمد خراجة -رئيس تحرير الأهرام المسائى- للتحقيق فى موضوع مر عليه عامان، وكان مجاله الحقيقى -فى حال صحة الاتهامات- هو النيابة العامة فى حينه، كما أحال هذه المجلس الحزبى الزميل أحمد سبيع، وهو عضو نقابة الصحفيين للتحقيق بزعم اشتراكه فى قتل الحسينى أبو ضيف –ويا لها من فرية- بناء على بلاغات كيدية قدمت ضده، وتلقفتها النقابة بفارغ الصبر لذبح الزميل الصحفى؛ فقط لأنه ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من أن هذا الزميل كان ضيفا على إحدى القنوات الفضائية لحظة اغتيال الحسينى وبقية الشهداء أمام الاتحادية، ولم تكلف النقابة خاطرها الاستفسار أولا من الزميل عن حقيقة هذه التهمة قبل أن تحيله إلى مجلس تحقيق، أو تقدم فيه بلاغا للنائب العام. لقد أحسن صحفيو الإخوان صنعا بقرارهم الجرىء بعدم الترشح لانتخابات نقابة الصحفيين فى هذه الدورة، حرصا منهم على تجنيب النقابة مزيدا من الاستقطاب السياسى والحزبى، وربما كان من الممكن أن تشهد النقابة بحورا من الدم على يد هذه الميلشيات لو كان صحفيو الإخوان قرروا الترشح. من المهم الآن كشف حقيقة هذه الميليشيات ومن يقف وراءها؛ حتى نحافظ على نقابتنا بيتا للحرية والوحدة والتنوع والتسامح والاختلاف الحضارى. عاشت نقابة الصحفيين حرة قوية مستقلة.