لا تزال لدينا ورقة فى سوق السينما تقاوم وتتنفس من أجل البقاء حتى لو وقف بعيدًا عن المقدمة، الورقة التى يضعونها على مائدة شركات الإنتاج اسمها محمد سعد، هذا هو الانطباع الأول على فيلم «حياتى مبهدلة»، تأليف محمد سر الختم وإخراج شادى على فى أول تجاربه كمخرج. الفيلم به غلظة فى الأداء الصوتى والحركى تعوّد عليها محمد سعد وتم صُنعه طبقًا للمواصفات التى يفضلها، إذ إن هناك دائمًا امرأة جميلة يقع فى حبها، ولا بأس من أن تبادله بلا أى سبب منطقى الغرام، هذه المرّة كانت نيكول سابا، ولدينا كالعادة فرح شعبى ومطرب وراقصة، على الفور ترتفع أسهم صوفينار تميمة نجاح الأفلام، وهناك استعانة بعنصر القطط، إذ تفتح الباب لاستخدام الجرافيك. وكانت هذه هى فقط المحاولة البصرية الجيدة التى حاول المخرج الشاب أن يقدمها، ولكن ما دون ذلك هو مجرد مساحات يلعب فيها سعد بحرية بكل مفرداته المعروفة، فهو المسيطر الأول على كل مفردات الفيلم. ويحاولون كالعادة الاستعانة بالمخضرم حسن حسنى فى دور المشعوذ الذى يحاول طرد الروح الشريرة التى تلبست محمد سعد، لم يكن العم حسن فى أحسن حالاته. يعيش محمد سعد حاليا بقوة الدفع التى حققها فى مشواره السينمائى، إذ إنه لا يفعل شيئًا سوى أن يستثمر بقدر المستطاع أى ضحكة حققها من قبل، يفتش فى الشخصية الدرامية «اللمبى» بتنويعاتها التى اقتربت من الناس فى لحظات، من أجل أن يقتنص قفشة ما سبق له وأن استعادها. إنه يشبه محل عصير القصب الذى يُدخل فى الماكينة عود القصب مرة فيحصل على شوب عصير معتبر، ويدخله ثانية فى الماكينة فلا يتجاوز المحصول بضع قطرات، وبعد أن استنفد العود أغراضه ينحيه جانبًا ليضع عودا جديدا، بينما سعد «على قديمُه»، وهكذا قرر أن يحاول هذه المرة مع الزعزوعة. كان «اللمبى» هو عود القصب الطازج الغنى الذى قدم فى المرة الأولى كوب «اللمبى» الشهى اللذيذ، فلم يتبقَّ منه فى المحاولة الثانية سوى بقايا أسفرت عن قطرات قليلة أنتجت «تتح»، فكان لا بد بعدها فى الجزء الثانى من «تتح» الذى يحمل عنوان «حياتى مبهدلة» من اللجوء إلى الزعزوعة. فى نفس هذا التوقيت قبل 13 عاما كان السؤال الذى يؤرق بال موزعى السينما وشركات الإنتاج هو: متى يعرض محمد سعد فيلمه الجديد؟ الكل كان يحرص على أن يضع فيلمه فى منطقة آمنة تبتعد بقدر المستطاع عدة أسابيع قبل أو بعد عن توابع زلزال فيلم محمد سعد الذى كان وقتها وكالعادة يحطم إيرادات السينما تحطيما، بينما الآن تجد موزعى فيلم سعد ينظرون إلى كل الاتجاهات بتوجس قبل أن يدفعوا بفيلمه إلى دور العرض، هم لا يراهنون على المركز الأول، فقط ينتظرون نجاحًا على «الحُركرُك» يضمن لهم البقاء عاما آخر على الرقعة. كان سعد هو رهان السينمائيين منذ أن طرق باب النجومية، منذ فيلم «الناظر» لشريف عرفة 2000 الذى ولدت من خلاله شخصية «اللمبى»، وأصبح بعدها بعامين هو الفنان الذى تراقب من خلاله الترمومتر الرقمى لنجوم الشاشة، وهى اللغة الوحيدة التى تُنصت إليها السوق السينمائية ويضربون تعظيم سلام لمن يصل إلى أعلى السلم، وهم عادة يترقبون المؤشر، بل إن الخصومة الشديدة والحرب التى عاش تحت ضربات سهامها أكبر شركتَى توزيع كان وقودها هو الصراع على من يملك سعد، الفرخة التى تبيض ذهبا للمنتج، وكان سعد يجيد اللعب مع شركات الإنتاج، فهو يزيد من أجره عدة قفزات مليونية تتوافق مع زيادة معدلات الإقبال الجماهيرى. كان قد سبق سعد ببضع سنوات قليلة لم تتجاوز الخمس محمد هنيدى، إلا أنه فى اللحظة التى كانت فيها أسهم سعد تصعد بضراوة فى «اللمبى» كانت على الجانب الآخر أسهم هنيدى تهبط بضراوة فى «صاحب صاحبه». سعد ظل محافظا على صعوده الرقمى أو فى الحد الأدنى استقراره «اللى بالى بالك» و«عوكل» و«بوحة»، ثم بدأت رحلته مع الهبوط التدريجى فى «كتكوت» 2006، ويبدو أن حرف الكاف فأل سيئ عليه، وهكذا انتقل إلى «كر كر» ثم «بوشكاش»، وظل الانزلاق هو مصيره حتى بعد أن تخلص من حرف الكاف وانتقل إلى التاء «تك تك بوم» و«تتح». الفنان الذى يمنحه الله موهبة عليه أن يحميها بالذكاء حتى تتجدد بداخله ويظل على الموجة مع الناس، أما من يعتقد أنه سيمتلك الجمهور إلى الأبد فسوف يكتشف بعد فوات الأوان أنه يمسك الهواء بيديه. المنتجون بعد أن ينتهوا من عصير الزعزوعة سوف يبحثون عن عود قصب آخر، الزعزوعة لا يمكن أن تُعصَر مرّتين!!