زمان حكى لى أستاذى العظيم نجيب محفوظ عن دهشته حين قرأ فى الأخبار تصريحات هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكية الأشهر، عن أن انتصار أمريكا فى حربها الطويلة ضد الاتحاد السوفييتى والشيوعية، يعنى أن الخطر القادم بالنسبة إلى أمريكا هو «الإسلام»! وبالتالى فالمعارك القادمة التى ستخوضها الولاياتالمتحدةالأمريكية ستكون ضد «الإسلام»، أو بتعبير آخر ضد «الإرهاب الإسلامى»! وترجع دهشة مبدعنا الأكبر إلى حال المسلمين فى هذا العصر، والذى لا يتناسب مع تصور سياسى مخضرم، ومفكر كبير مثل كيسنجر أن المسلمين «الغلابة»، يمكن أن يمثلوا خطرا على أقوى إمبراطورية فى العالم! ثم بدأت فعلا حروب أمريكا ضد عدد من الدول الإسلامية سواء فى العراق لتحرير الكويت، أو فى أفغانستان، ثم احتلال العراق وتدميرها، وقبل ذلك حدث توتر فى علاقات أمريكا مع إيران، وصدرت تصريحات أمريكية تُهدد بضرب إيران، بعد نجاح الثورة الإيرانية فى التخلص من نظام الشاه، وكلمات كيسنجر المدهشة هذه، كانت قبل هجمات 11سبتمبر 2011، بسنوات طويلة! وبغض النظر عن عدم تفرقة كيسنجر بين الإرهاب والإسلام، إلا إنه كان يتحدث كخبير عن مستقبل الاستراتيجية الخارجية الأمريكية، وها هو ذا -حتى الآن- ما زال يتحدث فى السياسة الخارجية للعالم كله! فقد توقع وزير الخارجية الأمريكى الأسبق أن يصل الصراع السياسى الحالى فى مصر إلى مواجهة حتمية، وتصفية حسابات بين الجيش وجماعة الإخوان، إذ قال خلال المؤتمر السنوى لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكى فى نيويورك، إن الجيش والإخوان هما المستفيدان الوحيدان من ثورة يناير! وأكد أن هذه المواجهة بينهما قادمة لا محالة. وأضاف أنه كان على الولاياتالمتحدة أن تعامل مبارك باحترام أكثر مما فعلت، فلم تكن هناك ضرورة أن توجه الإدارة الأمريكية دعوات علنية إلى مبارك بالرحيل من خلال شاشات التليفزيون. وأوضح أن هناك نوعين من الثورات، ثورات ديمقراطية، وأخرى تاريخية، وثورة مصر من النوع الثانى، التى لا تترك فى أعقابها إلا الدمار، ولم يستفِد منها إلا العسكريون والإسلاميون، فالشباب الذين دعوا إلى الثورة باستخدام مواقع التواصل الاجتماعى لم يكن لديهم خطة واضحة لما بعد الثورة، ومن ثم سيندلع صراع بين الجيش والإخوان. وأضاف: ربما تستطيع حكومة الإخوان البقاء، لكن هل يمكن للإدارة الأمريكية أن تفرض شروطا لدعمهم لها، إن مشكلة إدارة أوباما على مستوى الخارجية أنها ماهرة فى التعامل مع الجوانب الفنية، لكنها عاجزة عن وضع استراتيجية مستقبلية ذات أهداف محددة. ولعل الخطأ الأكبر فى تحليل كيسنجر، هو أنه يحكم على ثورتنا العظيمة قبل أن تكتمل حلقاتها، فثورتنا -إن شاء الله- ستأتى لمصر بالديمقراطية، كما أنه أغفل أهم عنصر فى المعادلة السياسية المصرية بعد ثورتنا المجيدة، وهو الشعب، فما حدث مثلا فى عام 1954 لا يمكن أن يتكرر، لأننا أسقطنا الفرعون الأخير، ولن يحكم مصر أبدا فرعون مرة أخرى