بعد مفاوضات مضنية مع الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن وألمانيا، نجحت إيران فى إبرام اتفاق تلتزم بموجبه بالإبقاء على معدلات تخصيب اليورانيوم ضمن حدود لا تتيح لها تصنيع سلاح نووى، ولمدة تتراوح ما بين 10 و15 سنة على الأقل، مع فتح منشآتها النووية للتفتيش الدولى للتأكد من وفائها بما وقعت عليه من التزامات، فى مقابل اعتراف المجتمع الدولى بسلمية برنامجها النووى، وما يستتبع ذلك من ضرورة الرفع الفورى للعقوبات المفروضة عليها. إبرام هذا الاتفاق، الذى يطلق عليه رسميا The Joint Comprehensive Plan of Action، أى «خطة العمل المشترك الشاملة»، هو مجرد خطوة أولى كبيرة على طريق طويل ما زال شاقا. إذ سيتعين على كل من الرئيسين الأمريكى والإيرانى خوض معركة داخلية بالغة الصعوبة، لضمان التصديق على الاتفاق المبرم من جانب المؤسسات المعنية، كما سيتعين عليهما فى الوقت نفسه خوض معركة خارجية لن تقل صعوبة، لأن كل طرف سيسعى إلى تفسير بنود الاتفاق وفقا لمصالحه الخاصة بانتهاج سياسة خارجية يحاول من خلالها إثبات أنه حصل من وراء هذا الاتفاق على معظم إن لم يكن كل ما أراد. يستحق الاتفاق أن يوصف بحق بأنه «تاريخى»، لأن تأثيراته على تطور الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط ستكون بالغة الأهمية والخطورة. وبينما يرى البعض أنها ستكون سلبية، يرى آخرون أنها ستكون على العكس إيجابية. وفى جميع الأحوال فلن تقل هذه التأثيرات، من حيث الأهمية والخطورة، عن تلك التى ترتبت على «اتفاق كامب ديفيد»، الذى أبرم عام 1978 بين مصر وإسرائيل بوساطة أمريكية. فكما اختلفت أوضاع منطقة الشرق الأوسط تماما بعد «اتفاق كامب ديفيد»، مقارنة بما كانت عليه قبله، فمن المتوقع أن تختلف أوضاعها كلية مرة أخرى بعد الاتفاق حول «برنامج إيران النووى»، مقارنة بما كانت عليه قبله، وسواء نجح الاتفاق ودخل حيز التنفيذ أو تعثر وانهار فى النهاية. من أهم ما يثيره هذا الاتفاق من مفارقات، وهو ما يستدعى الكثير من التأمل، أنه يدفع بالسعودية وإسرائيل نحو خندق أو معسكر واحد، رغم اختلاف الدوافع والأهداف، وهو وضع ستسعى إسرائيل جاهدة لاستثماره إلى أقصى حد ممكن. فالسعودية تعتقد أنه سيمنح إيران ضوءا أخضر لمد نفوذها فى المنطقة إلى أبعد مما هو عليه الآن، وبالتالى سيعرضها إلى مخاطر مباشرة. فإذا كان بمقدور إيران فى زمن العقوبات أن تهيمن بالكامل على العراق، وأن تمد نفوذها إلى سوريا ولبنان ومؤخرا إلى فنائها الخلفى فى اليمن، فما بالك حين تُرفع العقوبات ويصبح بمقدور إيران أن تحصل على عدة مئات إضافية من مليارات الدولارات، وتفتح أمامها من جديد أسواق العالم متاحة لتنهل منها ما تريد من وسائل العلم والتكنولوجيا؟ أما إسرائيل، التى تصر على أن تظل الدولة الوحيدة المحتكرة لصنع السلاح النووى فى المنطقة، فترى أن الاتفاق مع إيران يؤجل امتلاكها السلاح النووى، لكنه لا يحول دونه فى المستقبل، وهو ما تعتقد أنه يشكل تهديدا مباشرا ليس لأمنها فقط وإنما لوجودها ذاته. لذا فمن المتوقع أن تبذل إسرائيل كل ما فى وسعها، بما فى ذلك استخدام نفوذها فى الكونجرس الأمريكى نفسه، لإسقاطه، وهنا يبدو أن المصالح السعودية والإسرائيلية تلتقيان إلى حد التطابق. إبرام الاتفاق حول برنامج إيران النووى وضع السعودية فى مرمى الشباك الإسرائيلية. فهل هذه مجرد مصادفة؟ والسؤال: كيف ستتصرف مصر؟ وإلى متى ستظل دولة تابعة تدور فى الفلك الإسرائيلى تارة، وفى الفلك السعودى تارة أخرى؟ أظن أن الوقت قد حان لتطبيع العلاقة بين مصر وإيران.