كاتب أمريكى: حكومة مرسى أقرب إلى تل أبيب من تركيا.. ولا يمكن مواجهة الأوضاع فى القاهرة إلا بإرادة سياسية حذار من انزلاق مصر إلى الهاوية. هذا التحذير والتنبيه يتردد وبكثرة هذه الأيام فى واشنطن. خصوصا أن ليس هناك خلاف بأن الأوضاع فى مصر لا يمكن مواجهة تدهورها وانهيارها إلا بإرادة سياسية تؤمن بمشاركة كل المصريين بلا استثناء، ولا تكفى فقط «مساعدات مالية» تضخ من هنا أو هناك لاحتواء الأزمة لبعض الوقت. كيرى عاد إلى واشنطن بعد جولة أوروبية وشرق أوسطية استمرت 11 يوما وزيارة لمصر أثارت العديد من القضايا حول رهان واشنطن على مرسى، وعجز الذين فى أيديهم السلطة أن يديروا البلاد. ثم حول المعارضة «المشتتة» و«المشوشة» و«الشاكية دائما وأبدا» والأهم عجزها أن تكون البديل!! هل فى هذا التوصيف مبالغة أو افتراء؟ وزير الخارجية الأمريكى فى حديث مع شبكة «إن بى آر» كان حريصا على التأكيد أن ما يقوله هو «السياسة الخارجية للرئيس أوباما» وقال كيرى «إننا والرئيس نتفق 100 فى المئة على أن مصر حيوية بالنسبة للمنطقة وبالنسبة لمصالحنا»، ثم أضاف «وأنا أريد أن أؤكد أن سياسة الرئيس ليست الذهاب إلى هناك ومساندة الرئيس مرسى. وليست الذهاب إلى هناك ومساندة حزب معين. إنها الذهاب إلى هناك ومساندة فرص الشعب فى مصر ودعم البلد نفسه. وهذا أمر مهم للمصالح الأمريكية». وقبل أن يعود كيرى إلى العاصمة الأمريكية جاء إليها وفد رئاسى برئاسة د.باكينام الشرقاوى مساعد رئيس الجمهورية للشؤون السياسية، ويضم أيضا سكرتير الرئيس للشؤون الخارجية المهندس خالد القزاز (وهذه هى زيارته الثانية لواشنطن فى أقل من ستة أشهر). وبرنامج الوفد الذى ينهى زيارته لواشنطن اليوم شمل لقاءات عديدة مع مسؤولين وصناع قرار وباحثين فى الشؤون المصرية. وبالتأكيد وجود مقربين من الرئاسة المصرية وتحاورهم مع أهل واشنطن قد يعطى الفرصة لفهم أفضل لما يجرى فى مصر. ولا شك أن وجود الوفد الرئاسى فى هذا التوقيت تحديدا يثير تساؤلات حول دوره ومهمته. وكما تساءلت بمناسبة كل زيارة مماثلة: ترى هل سنعرف من المسؤول المصرى ماذا حدث بالضبط؟ أم سنلجأ دائما للمسؤول الأمريكى؟ لا شك.. من حق المواطن المصرى أن يسأل وأن يعرف ماذا قال المسؤول المصرى أو قيل له فى أروقة صناعة القرار بواشنطن؟ وهل ما يصرح به المسؤول المصرى ب«الإنجليزى المنمق» للآخرين له ما يرادفه ب«المصرى الفصيح» للمواطنين؟ وبما أن واشنطن تعيش حالة ترقب وقلق ومخاوف تجاه الأوضاع المتردية فى مصر يحذر الكاتب السياسى الشهير ديفيد أجناشيوس واشنطن من اضطرابات أكثر فى مصر وينبه بأنه يجب على واشنطن أن تعى ذلك. وفى مقال نشر ب«واشنطن بوست» أمس يشير إلى أن ما يحدث فى مصر يعد انزلاقا نحو الهاوية المالية والخراب. أجناشيوس المقرب من صناع القرار فى واشنطن والمطلع والمتعمق فى شؤون المنطقة ومصر يبدأ مقاله بوصف تفاصيل الأزمة الاقتصادية بالأرقام التى تكررت كثيرا فى الفترة الأخيرة، ومنها الوضع الحالى للاحتياطى من العملة الأجنبية الذى يقدر ب13.7 مليار دولار، وهو ما يكفى لشراء واستيراد احتياجات البلاد لنحو ثلاثة أشهر. ويتساءل أجناشيوس ما خيارات أمريكا الخاصة بالسياسات، بينما تقترب مصر من الحافة؟ ويقول: «البعض من منتقدى مرسى يجادلون بأن الولاياتالمتحدة يجب أن تتركه يفشل. وهذا بالتأكيد وجهة نظر المعارضة العلمانية بمصر والتى تتماشى مع وجهة نظر الأنظمة المحافظة فى الخليج. وهؤلاء يأملون فى أن المصريين سوف يرفضون مرسى وحزبه فى الانتخابات البرلمانية التى ستبدأ فى نهاية أبريل إلا أنها قد تؤجل بسبب مشكلات قانونية». ولا يتردد أجناشيوس فى القول «إن سياسة أمريكا تتمثل فى مساندة أكثر (لمرسى أو الرئيس المنتخب) من مفهوم «اغرق أو عوم». وأن البيت الأبيض ساعد مرسى وصندوق النقد على أن يصلا إلى صفقة قبل فوات الأوان وقبل أن يصبح التدهور الاقتصادى أكثر سوءا. والخطوة الحسنة فى هذا المجال هى صندوق الاستثمار الأمريكى للمشروعات المصرية الصغيرة ومتوسطة الحجم. وأول دفعة من المساهمات وتقدر ب60 مليون دولار، سيتم توزيعها هذا الشهر». ثم يضيف موضحا ما حدث مع زيارة كيرى: «وعندما قابل جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى الرئيس مرسى منفردا فى القاهرة نهاية الأسبوع الماضى. يقال بأنه حذر من أن على مصر أن تقوم بخيارات قريبا، وأنه لا يجب أن تتوقع أى عملية إنقاذ فى اللحظة الأخيرة من واشنطن. إلا أنه من الواضح أن واشنطن تريد أن ينجح مرسى، خوفا من أن البديل قد يكون الفوضى أو انقلاب عسكرى». ويستكمل الكاتب الأمريكى مقاله: «إن العسكرية المصرية بالتأكيد تنتظر على أهبة الاستعداد وأن بعض الجنرالات لديهم الإلحاح فى التدخل. والولاياتالمتحدة تعارض بحكمة أى تدخل عسكرى من هذا النوع. وبمساندتها مرسى تقف الولاياتالمتحدة ضد السعوديين المحافظين والنشطاء الليبراليين بمصر على السواء. وأن مرسى تمكن من تفادى قرارات صعبة جزئيا بسبب المساعدة الطارئة من قطر التى ضخت نحو 7 مليارات دولار فى احتياطى مصر من العملة الأجنبية. ورسالة أمريكا إلى قطر يجب أن تكون توقف عن تمكين هروب مرسى من الواقع الاقتصادى». ويقول أجناشيوس: «إن رهان إدارة أوباما المستمر على ديمقراطية مسلمة واضح فى تركيا ومثله فى مصر. وكيرى زار أنقرة أيضا كجزء من غزوته الدبلوماسية الأولى للعالم، وقد انتقد بصراحة رئيس الوزراء رجب الطيب أردوجان بسبب هجومه «البغيض» على الصهيونية. وجدير بالملاحظة أن أردوجان الزئبقى لم يبادله الهجوم عليه. وبالفعل مناقشاتهم فى أنقرة كما قيل، تضمن المسار المحتمل لتصالح ما بين تركيا وإسرائيل. ويأمل المسؤولون الأمريكيون فى أنه بينما تتأمل تركيا اللا استقرار المتزايد على حدودها (إيران والعراق وسوريا) فإن إحياء لروابطها مع إسرائيل قد يبدو أكثر جاذبية». ويختتم أجناشيوس مقاله قائلا: الثورة العربية تتواصل والرئيس أوباما يواصل احتضانه الحذر لها. وربما تعد المفاجأة الأكبر أن حكومة للإخوان المسلمين فى مصر لديها علاقة أفضل مع إسرائيل اليوم، مما لدى تركيا وهى حليفة تقليدية للقدس (إسرائيل). وهذا قد يعد أفضل ورقة لدى مرسى مع واشنطن بأنه مهما كانت قصوره كقائد لمصر فهو لا يثير مشكلات مع إسرائيل». من جهة أخرى، ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية، وهو يتناول ما يجب أن تفعله واشنطن والإدارة كتب مقالا رأى يقول فيه: «على الرغم من استحالة التعرف بدقة إلى مضمون الرسالة التى أوصلها كيرى على انفراد لمضيفيه فى القاهرة فإن المرء يأمل فى أن يقوم بتقديم عنصر الاشتراط الحازم فى السياسة الأمريكية. والهدف يجب أن لا يكون نجاح الرئيس مرسى وحكومته بغض النظر عن أى شىء. وإنما السياسة الأمريكية يجب أن تكون أن واشنطن مستعدة للعمل مع مرسى والحكومة التى تقودها «الإخوان» فقط إذا أظهروا التزاما مستديما بالتعددية داخل مصر، وأيضا العمل كشريك يمكن الوثوق به فى الخارج، وذلك فى ما يخص إسرائيل أو إيران أو حماس». ويستكمل هاس كلامه قائلا: «إذا كان مرسى غير قادر أو غير راغب فى إعطاء هذا الالتزام أو العمل به فإن كيرى عليه أن يعطى مؤشرا بأنه وزملاءه فى واشنطن على استعداد لأنْ يروا أن هذه الحكومة تسقط وأن يساندوا هؤلاء المصريين الذين على استعداد ليكونوا شركاء يمكن الوثوق بهم». ومفهوم مشابه لهذا التناول والتوجه قاله بصيغة أخرى (وربما أكثر وضوحا وأكثر جرأة) قاله إليوت أبرامز مستشار الأمن القومى فى عهد بوش الابن فى مؤتمر «إيباك السنوى» منذ أيام. إذ قال «ربما قد أريد أن تفشل (الإخوان) إلا أننى بالتأكيد لا أريد أن تفشل مصر». وخلال أكثر من حلقة نقاش فى هذا المؤتمر ل«إيباك» (أكبر وأقوى لوبى مؤيد لإسرائيل) كانت الإشارة إلى ضرورة مساعدة مصر فى «هذه المرحلة الانتقالية الصعبة» لكى تجتاز الأزمة وتتفادى أى احتمال لانهيار اقتصادى أو أمنى أو سياسى يحدث فى مصر تكون توابعه مقلقة لإسرائيل وللمنطقة كلها. وأخيرا.. يتساءل المراقبون هل نجح كيرى فى تحقيق ما كان يبغيه ويريده من لقاءاته فى القاهرة؟ وقد يسأل البعض ثم ماذا؟ هل ستكتفى واشنطن بالانتظار لكى يظهر الرئيس مرسى «أفعاله وليس فقط أقواله»؟! وهل ستكتفى واشنطن أيضا بالإعراب عن قلقها والتعبير عن مخاوفها، مما قد تأتى مع مرور الأيام وتخبطات الإخوان وعجز الرئيس والتوتر فى أرجاء مصر؟! أم سيكون لها موقف مختلف؟!