ندم كثيرون على المشاركة فى ثورة يناير، ورأوا أنها لم تؤد إلا لاستقرار سلطة بطش أسوأ من سابقتها. ويتساءلون، هل كانت الثورة شعبية، هل كانت خيرا لمصر؟ ستمثل «ثورة» يناير (وبغض النظر عن أسرارها) نقطة تحول فاصلة فى حياتنا، سيمتد أثرها الإيجابى لأجيال قادمة. إن ما نخوضه اليوم، إنما يمهد لبداية مرحلة الوعى الحقيقى! لولا بروز تيار الإسلام السياسى، ما كنا لندرك حجم الازدواجية والزيف التى نحياها! ندعى الإسلام والأخلاق والقيم، لكن ممارستنا اليومية لا تخرج عن الكذب والنفاق والبلطجة والطائفية والتحرش. لقد كانت أمى تطاردنا ونحن صغار بمقولة إن الدين المعاملة، وإن لم يظهر دينك فى أخلاقك وسلوكك مع الناس، فصلاتك وعباداتك نفاق! اليوم بدأت مرحلة إدراك المصريين لحجم النفاق فى حياتهم. ليس كل ذى لحية فاضلا وخلوقا أو عالم دين. اصطدمنا بحقيقة أننا قد اختزلنا ديننا فى الشكل. لحية الرجل وجلبابه وحجاب المرأة ثم نقابها، هم جواز المرور، ولا يُسأل عن مصداقية أحد. فشهدنا تلازم ظاهرتين متناقضتين فى حياتنا، انتشار التدين الشكلى، بجانب الفساد المستشرى كالرشاوى والنفاق والكذب. رأينا أن الدين أصبح وسيلة الساعين للسلطة والمال، وسيلة لتخدير واستغلال البسطاء والفقراء، واستثارتهم وحشدهم لأى شىء إلا حقوقهم. طبق شيوخ السلطة عمليا مقولة «الدين أفيون الشعوب». لنصبح مسلمين بلا أخلاق الإسلام، جسد بلا روح. لقد أدركنا أن إلحاق الأزهر بالسلطة، لهو من أكبر الآثام المرتكبة فى حق ديننا ووطننا. وأن انتشار مدارسه ومعاهده فى كل قرية دون إعداد فريق كاف عددا وعلما للتدريس والتربية فيها، كان جرما فى حق الدين والناس والأزهر. لولا الثورة ما كنا لندرك حجم العنف والبلطجة الموجودة داخلنا؟ لقد أخرج المصريون فى أثناء الثورة، أفضل ما فيهم من تعاضد وإيثار ووطنية. ولكن صراع السلطة أدى إلى ظهور أضعاف ذلك سوء خلق! كم منا صدم بأن الشعب المصرى ليس فى المطلق طيب وجدع وشهم؟ هل فوجئتم بظواهر التحرش والاغتصاب، بكم البلطجية الرسميين حولنا، والميل للبلطجة والفوضى فى نفوس معظمنا؟ هل كنا نتوقع أن يبادر المصريون فى محافظات مختلفة بمعاقبة الخارجين على القانون وقتلهم فى الشوارع والتمثيل بجثثهم فى عمل جماعى بهذا الشكل؟ وأن السلاح غير الرسمى أصبح بعدد المصريين! هذا غير البلطجة المتسترة بالدين، هل كنا نتخيل وجود ميليشيات فى حياتنا اليومية؟ يعى المصريون اليوم أن عليهم مراجعة صيغة أمنهم، وأهمية دولة القانون. دولة العدالة والنظام، عمادها مؤسسة قضائية قوية، وجهاز أمنى يحترم القانون ويفرضه. أثبتت أحداث العامين الماضيين أننا جهلة! وأن 90% من المصريين أميون أو أنصاف وأرباع متعلمين. أدركنا نكبتنا الكبرى فى الوعى والثقافة والمثقفين! نعيش عقودا بلا أى تجديد أو إضافة ملموسة، نعيش على اجترار الماضى الثقافى، بل واستهلاكه، نحيا مرحلة تآكل الوعى بامتياز. رأينا كيف أن نخبتنا إنما تجيد الاعتذار عن جهلها وتوريطها للناس، أكثر بمراحل من إجادتها التفكير والوعى وقيادة المجتمع. واجهتنا الثورة بافتقادنا للزعماء الحقيقيين والسياسيين والمحللين. لدينا طابور من المتطلعين والمتنطعين والمنافقين، يطول كثيرا فى حياتنا السياسية والثقافية، عن طابور المبدئيين والأخلاقيين المتآكل. نشكر الثورة، أو التنحى، أو المؤامرة، أو الخدعة، أو أى اسم تختارونه ل25 يناير. نشكر الضغوط والتهديد والنصب والنفاق، والسذاجة، وكل الممارسات التى أدت إلى وصول الإخوان ومعهم السلفيون إلى السلطة! نشكر مجهوداتهم الناجحة فى أخونة الدولة، نثمن كل ممارسات استعراض القوة! نشكر الرئيس الرسمى، والرئيس الميدانى، ورئيسهم الشرفى، وكل «المناضلين» من قيادات الإخوان. لقد أثروا حياتنا وشحذوا عقولنا وهممنا! لولاهم ما أدركنا ما علينا مواجهته. ستبدأ قريبا انطلاقة مصر لمرحلة جديدة، فيها لن يكون مسموحا إلا بمحاربة الجهل والفقر واقتلاعهم من حياتنا. مرحلة تبدأ بنهضة تعليمية وثقافية كبرى، مراجعة للأخلاق والقيم والتقاليد. إصلاح دينى يقوده الأزهر مستقلاً، منارة إسلامية للعالم، ومرجعية وسطية للمسلمين فى كل مكان. يسير بجانب ذلك إكفال العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة لكل مواطن. تظل أزمتنا وتساؤلنا من يستطيع أن يقود ذلك؟ هل الأحزاب أم المثقفون، أم المواطنون؟ نحتاج إلى بلورة الرؤية، ونفتقد القيادة الواعية. لذا سيطول الوقت، ولكن النتيجة الحتمية هى خروج المصريين من دائرة الظلام. وسيتحقق ذلك على يد البسطاء، وكل من صدق وآمن بالثورة، ولا يزال.