ثارت فى الفترة الماضية ومنذ دوران ماكينة الأخونة فى قطاع التعليم مخاوف كثيرة من تدخل آلة الإخوان الفاشية بيدها العابثة لتغيير المناهج التى يدرسها أبناؤنا، واستشهد بعض الصحف المصرية ووسائل الإعلام بوثيقة منهج التربية القومية لتأكيد ذلك المعنى. لكن هل فعلا تحتاج سلطة الإخوان إلى أخونة مناهج التربية والتعليم؟ والإجابة من وجهة نظرى هى لا متبوعة بنقطة. أعتقد أن أخونة قطاع التعليم كأحد مؤسسات الدولة تعنى غرس كوادر الإخوان فى المواقع القيادية بالتعليم (وتحديدا فى مفاصل التعليم)، لأن ذلك سوف يفيد تماما فى أسلمة أو أخونة بيئة التعلم، وسوف يساعد فى خنق الحالة النضالية التى بدأها المعلمون (روابط المعلمين التى تحولت إلى نقابات مستقلة)، ولحق بهم الإداريون وعمال المدارس على نفس الدرب منذ 2006، ثم تقدم طلاب المرحلة الثانوية لينخرطوا فى النضال، من أجل وطن أجمل وتعليم أفضل عبر تنظيماتهم المستقلة (اللجان الطلابية من أجل التعليم، حركة طلاب مصر، حركة أنا مش بهيم، حركة مش فاهمين)، ثم لحق بالجميع أولياء الأمور وتشكلت مؤخرا اللجان المجتمعية للحق فى التعليم. ومفهوم بالطبع أن كل أشكال النضال من أجل تعليم حقيقى تعمل من أجل رفع ميزانية تعليم الفقراء وتطالب بالمجانية الكاملة للتعليم فى جميع مراحله وبجودة حقيقية للتعليم العام-الحكومى، فى حين أن الرسائل التى تبعث بها حكومة الإخوان عبر وزارة التربية والتعليم تؤكد أنها تسير عكس ذلك كله. ففى بداية العام الدراسى أرسلت وزارة التعليم نشرة إلى جميع المدارس طالبة منها فتح فصل من فصولها للتعليم التجريبى بمصروفات، وبشرنا السيد وزير التعليم بأنه سوف يقوم بإيجاد خمسين ألف فصل تجريبى، وبأن المبانى المدرسية الجديدة ستكون جميعها مدارس تجريبية، ورافق ذلك حديث السيد الوزير عن وجود حالات شذوذ جنسى بالمدارس الدولية، وثارت ضجة إعلامية حول ذلك التصريح، ثم قال وزير التعليم إنه لم يتحدث عن ظاهرة، ولكنه قال إن هناك عددا من الحالات ثم صمت الجميع، فلم تقل لنا وزارة التربية والتعليم ماذا فعلت حيال تلك المشكلة؟ كأن الأمر كان مقصودا به مجرد إلهاء المصريين عما تقوم به الوزارة من تمكين لجماعة الإخوان داخل قطاع التعليم، كما قام السيد الوزير بتعيين عدد من المستشارين لسيادته وبالصدفة، فهم جميعا ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، وبالصدفة كذلك هم جميعا من أصحاب المشاريع الخاصة ما بين مدارس دولية أو خاصة لغات أو خاصة عربى، إلى مكاتب هندسية خاصة وهكذا، والآن تقوم هيئة محو الأمية وتعليم الكبار إلى طلب تغيير قانونها للتعامل مع من هم دون الخامسة عشرة، مما يعنى أن هناك توقعا لانخفاض معدلات الاستيعاب. كذلك قام وزير التعليم بتغيير عدد من قيادات التعليم بالمديريات والإدارات التعليمية، ووضع كوادر إخوانية بدلا منها، كما أرسل إلى المدارس نشرة تطلب منهم تسهيل مهام حزب الحرية والعدالة للعمل على تطوير المدارس والمشاركة فى تحسين التعليم. وفى موازاة ذلك تتم إحالة قيادات الحركات المناضلة داخل التعليم إلى التحقيق الإدارى إن كانوا من العاملين أو التهديد الخفى للطلاب عبر الإدارات المدرسية أو مندوبى الأمن بالوزارة. أما مسألة المناهج، فعلى مدار عشر سنوات سابقة على ثورة يناير ومع صعود نجم مشروع الوريث الفاشل، ظل الكتاب المدرسى والأنشطة الملحقة به وبيئة التعليم تشكل أكبر أداة للتمييز المنهجى والاستبداد والتسلط والسمع والطاعة، كانت مناهج التربية والتعليم أقرب إلى نشرات حزبية تحمل وجهة نظر اليمين الجديد الذى سيطر على الحياة فى مصر عبر ما سمى بأمانة السياسات، واستخدمت كشكل من أشكال المزايدة على الإخوان المسلمين، وكواجهة تظهر الوريث ومجموعته بأنهم أكثر تدينا أو على الأقل هم على نفس الدرجة من تدين الإخوان، فامتلأت الكتب التى يدرسها الجميع بآيات من القرآن الكريم منزوعة من سياقها فى كتاب الله، ومستخدمة لتحقير العلم، ولم يكن الأمر مقصورا على اللغة العربية، بل امتد إلى كتب مثل الكيمياء والفيزياء والجبر والجغرافيا، كما تم إلغاء تدريس الحقبة القبطية من التاريخ المصرى، وعندما عادت إلى كتب التاريخ فى عدد قليل من الصفحات على أن لا يتم تناولها فى الامتحانات. وظل التمييز ضد الفقراء فى التعليم منهجا أصيلا تعاملت به الحكومات المختلفة فى عصر مبارك (الأب-والابن)، كما كان التمييز ضد غير المسلمين تمييزا منهجيا تمهد له وتجعله مشروعا المادة السادسة من قانون التعليم الصادر فى عهد مبارك (وهى المادة التى تقصر المسابقات الدينية وجوائزها التى تمنح من المال العام على المسلمين فقط وفى حفظ القرآن الكريم فقط)، لقد ظل الطلاب المسيحيون وما زالوا يدرسون حصص التربية الدينية المسيحية، حسبما اتفق فى أى موقع متاح (حتى ولو بجوار دورة المياه)، ويقوم بتدريسها أى مدرس مسيحى، بينما يدرس زملاؤهم الدين الإسلامى داخل حجرة الدراسة الأصلية أو فى مسجد المدرسة (أذكر أن مدرسا للدين الإسلامى رفض تدريس حصته بالمسجد، لكى لا يترك الفصل لحصة الدين المسيحى). كما كانت المناهج وما زالت مصممة من أجل تنميط العقل وقتل الخيال وخنق روح النقد والإبداع لدى الطلاب، وكانت البيئة التربوية وما زالت قائمة على التسلط والقضاء على روح الاختلاف، حيث تتم معاقبة المختلف، سواء فى الشكل أو الرأى بطرق متعددة، بدءا من السخرية وانتهاء بالعقاب البدنى. كانت المدرسة فى عهد مبارك وما زالت آلة لخرط عقول ومحاولة خرط ملامح الطلاب ليكونوا مطيعين وخانعين ومتشابهين. فهل يسعى الإخوان بعد هذه الهدية الثمينة التى أسقطها نظام مبارك فى حجرهم إلى تغييرها أو تغيير شكلها؟ إجابتى مرة أخرى هى لا متبوعة بنقطة. إن أقصى ما سيفعله الإخوان هو وضع عدد قليل من الصفحات يتحدث عن تاريخهم فى كتاب أو أكثر، وربما يتم تأليف كتب مدرسية جديدة تأليفا يختلف شكلها وعدد كلماتها عن الكتب الحالية، لكن المضمون الاستبدادى الذى يمجد التخريف ويحارب العلم ويقضى على الإبداع وعلى روح الاختلاف والتفكير النقدى، فهو الكنز الذى ستتغذى عليه أى سلطة تسعى لإخضاع شعبها وتفصيله على مقاسها. إننى أعتقد أن مواجهة تمكين الإخوان من إدارة التعليم يجب أن يتركز على مواجهة خصخصة التعليم وعلى التصدى لغرس كوادر الإخوان فى مفاصل التعليم المصرى. أخيرا، لقد كان لفساد التعليم وملامحه الكريهة خلال عصر مبارك آثاره المدمرة على التنمية، ولكن من ناحية أخرى هجر الطلاب مدارس مبارك الكئيبة ولجؤوا إلى آفاق أكثر رحابة فى الفضاء الإلكترونى، فعلموا أنفسهم وعلمونا أنه لا يمكن لسلطة مستبدة أيا كانت قوتها الظاهرة أن تقضى على روح الإنسان وتوقه لتحرير ذاته، كان هؤلاء الذين ولدوا وتعلموا فى عصر مبارك وما زالوا هم وقود الثورة وقادتها الحقيقيين فهل يفهم المستبدون أم على قلوب أقفالها؟ عموما سوف تثبت الأيام أن روح الإنسان فى هذا البلد الطيب تستطيع كسر الأقفال التى على قلوب المستبدين وإفهامهم أو تحفيظهم درسا مهما. وكيل نقابة المعلمين المستقلة