شاء المولى -عز وجل- أن أكون فى وسط المصريين وهم يتقاتلون بعنف عند القصر الجمهورى! إذ كنت أتحرك بين الصفوف الأمامية والخلفية عند هذا الفريق، وذاك الفريق! ولا أكاد أصدق أن المصريين الطيبين يصل بهم الحال إلى قتل أنفسهم بهذه الطريقة العبثية! لقد عشت موقعة الجمل كلها فى ميدان التحرير، لكنها كانت مختلفة تماما، إذ كنا يومئذ نعرف أننا ثوار، فى مواجهة بلطجية، أما يوم الأربعاء 5/12 فكان ثمة مصريون يواجهون مصريين يختلفون معهم! كنت أسيرا بين أفراد الإخوان، وأغلبهم من الأقاليم، وأستمع إلى أحاديثهم عما صنعوه مع المعتصمين (ال...)، وما أقسى أن تسمع بأذنيك عبارات التهديد والوعيد، وهى تُطلق من مصريين ضد مصريين! وأشهد أنى رأيت مع بعضهم أسلحة نارية! وفى الجهة المقابلة، حيث موقع «الآخرين ال...»، استمعت أيضا إلى عبارات التهديد والوعيد، وهى توجه إلى كل الموجودين فى الجهة الأخرى! وأشهد أنى رأيت مع بعضهم أسلحة نارية! ثم رأيت بعينى من يطلق النار بطريقة عشوائية، كما تابعت سقوط الشهداء والمصابين! فأى عبث وجنون هذا؟! ومن أجل أى شىء يقتل المصريون إخوانهم من المصريين؟! ومن المسؤول عن قتل هذه الأرواح الطاهرة، وسفك كل هذه الدماء الذكية؟! المسؤول الأول عن كل ما حدث هو الرئيس محمد مرسى، لأنه هو الذى أصدر الإعلان الدستورى، مما أثار حفيظة ملايين من المصريين، ولأنه لم ينفذ وعده بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية بطريقة متوازنة، كما لم ينفذ وعده بعدم طرح الدستور للاستفتاء إلا بعد التوافق عليه. وثمة مسؤولية كبرى تقع على المرشد العام للإخوان، ومكتب الإرشاد لأنهم مسؤولون عن تجميع الإخوان من الأقاليم فى أوتوبيسات، وإرسالهم إلى القصر الجمهورى للاعتداء على المعتصمين السلميين. ولا نغفل أن جهاز الشرطة، المسؤول عن حماية اعتصام سلمى، قد تركهم فى وضح النهار يُسحقون على يد الإخوان! والحكومة كلها مسؤولة عن هذه المعارك المتواصلة طوال ساعات النهار والليل عند القصر الجمهورى دون تدخل حاسم لوقف تدفق شلالات الدماء! وفوق مسؤولية كل هؤلاء وغيرهم، ثمة مسؤولية أخرى مهمة تقع على عاتق كل من يؤجج روح العداء بين المصريين وبعضهم البعض! ففوق المنابر تسمع من يقولون: «قتلانا فى الجنة، وقتلاهم فى النار»، وفى الفضائيات تشاهد من يشعلون الفتنة، ويُقلبون مجتمعنا ضد بعضه! وفى النت والصحف والمجلات تقرأ مقالات وكتابات كثيرة تثير الغضب، وتؤجج مشاعر المصريين تجاه من يختلفون معهم فى الرأى أو الرؤية! ثمة أصابع كثيرة تعبث فى هذا البلد الطيب، ولا يصح أبدا أن نتوقف عند مجرد اتهام أعدائنا فى الخارج، أو اتهام الفلول فى الداخل، وإنما علينا أن نتساءل: ومَن الذى أعطى لهؤلاء وهؤلاء الفرصة تلو الفرصة، لكى يعبثوا بأمن هذا الوطن الجريح؟!