قبل مرور 24 ساعة على بيان تفعيل الطوارئ الذى تضمن تهديدات لوسائل الإعلام فوجئ العاملون بمكتب الجزيرة مباشر مصر أمس، بمداهمة قوة أمنية للمكتب، عرّفوا أنفسهم على أنهم من مباحث المصنفات وقسم العجوزة. وأكد العاملون فى المكتب ل«التحرير» أن القوة كانت جميعا بالزى المدنى ولم يكن أىٌّ منهم يرتدى زيا رسميا. كما أنهم لم يبرزوا تحقيق شخصياتهم أو أى أمر قضائى بالمداهمة، وقامت القوة بمصادرة جهاز بث بالقناة واقتياد إسلام البنا مهندس البث بالقناة. ورفض أفراد القوة الإدلاء بأى تصريحات صحفية أو الإجابة عن أى أسئلة تتعلق بطبيعة مهمتهم أو الجهة التى يتبعونها. فى حين أكد مسؤولون فى القناة أن القوة داهمت المكتب تحت زعم شكاوى من الجيران، رغم أن البرج الذى تقع فيه القناة به عديد من مكاتب وسائل الإعلام. كذلك تذرعت القوة بعدم وجود تراخيص، رغم أن المكتب يعمل ضمن شبكة الجزيرة الحاصلة على تراخيص.
وقال أحمد زين مدير مكتب الجزيرة مباشر، إن المكتب تلقى تهديدات عدة فى السابق، أحدها من مسؤول إعلامى كبير احتفظ باسمه وقال بالحرف «هتشوفوا فى الفترة الجاية» كما أكد زين أن هناك معلومات أخرى سيفصح عنها فى الوقت المناسب. كما أشار إلى التسويف فى منح التراخيص اللازمة للقناة رغم عدم وجود أى مانع معلن. وندد زين بالتحريض المستمر ضد الجزيرة مباشر قائلا «صورنا ومادتنا تنقلها مختلف وسائل الإعلام حتى الحكومية، فلماذا يتهموننا بإثارة الفتنة إذا كانت موادنا تنشر لديهم أيضا؟!» وأكد إسلام لطفى محامى القناة، أن الإجراءات التى اتخذت والطريقة التى نفذت بها تطابق ما كان يجرى فى عهد صفوت الشريف وأنس الفقى، فقد رفض أفراد بالقوة إبراز أى هوية أو إذن نيابة وعندما ذكرناهم بالقانون قالوا «مش فارقة معانا» وأشار لطفى إلى أن هذا الإجراء بداية لتطبيق التصريحات والبيانات الأخيرة وقال «نحتفظ بحق الرد وسوف نرفع دعوى قضائية ضد وزارة الداخلية وعلى اتحاد الإذاعة والتليفزيون».
وأشار العاملون بالجزيرة إلى أنه بمصادرة جهاز البث سيتوقف بث الجزيرة مباشر مصر من القاهرة وسيضطرون للبث من الدوحة حتى تتم معالجة القضية.
من التالى..؟ التحرك ضد «الجزيرة» يفتح الباب أمام إغلاق فضائيات أخرى ويكشف دور «هيكل» وكأننا نعيش أجواء ما قبل ثورة 25 يناير، عادت قوات أمن الدولة فى ملابس الأمن الوطنى لتقتحم مقر الفضائيات وتصادر أوراقا ومستندات وأجهزة بث وتعتقل موظفين أيضا، والبداية أمس كانت فى مكتب قناة «الجزيرة مباشر مصر» التى بدأت البث من القاهرة منذ شهر مارس الماضى، وصنعت لنفسها وجودا مهما فى زمن قصير، وكانت أقرب كثيرا إلى الحدث من فضائيات مصرية قديمة مترهلة.
الضربة التى وجهتها الأجهزة الأمنية ل«الجزيرة مباشر مصر» جاءت بعد ثلاثة أيام فقط من خروج من يسمى بوزير الإعلام أسامة هيكل، ليعلن وقف منح تراخيص للفضائيات الجديدة، مع التلويح باتخاذ إجراءات وصفها بالقانونية تجاه بعض الفضائيات التى قال إنها تثير الفتنة، وتأتى هذه الضربة أيضا بعد يومين من الأحداث الدامية التى شهدتها السفارة الإسرائيلية بالقاهرة وكانت «الجزيرة مباشر مصر» الفضائية الوحيدة تقريبا التى نقلت على الهواء وقائع المصادمات الليلية بين المتظاهرين والأمن وهى التى كانت حصيلتها ثلاثة قتلى وأكثر من ألف مصاب. اللافت أن هيكل نفسه كان المسؤول المصرى الوحيد الذى أشاد به رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو حينما علق على أحداث السفارة الأخيرة، وبدت مفارقة لافتة بالفعل أن ينال وزير الإعلام المصرى الإشادة من رئيس وزراء إسرائيلى، فى الوقت الذى ينتقد فيه قطاع كبير من العاملين فى الحقل الإعلامى نفس الوزير المصرى بسبب تحمسه الشديد للتضييق على الإعلام ما بعد الثورة.
الهجمة على وسائل الإعلام التى بدأت ب«الجزيرة مباشر مصر»، ويبدو أنها لن تتوقف عندها فقط وقد تلحق بها صحف وفضائيات أخرى خاصة، تبدو متسقة مع المنهج الذى اتبعه هيكل منذ أن وصل إلى منصبه الوزارى، فالرجل -القادم من حزب يفترض أنه معارض لكن قياداته كانت متفرغة قبل الثورة لعقد صفقات مع نظام مبارك ومتفرغة بعد الثورة لمحاباة المجلس العسكرى- يبدو مخاصما تماما لحرية الإعلام، وكل تصريحاته على الجانب البعيد عن الحريات، ويبدو أن اختياره لهذا المنصب فى هذا الوقت تحديدا لم يكن عشوائيا، وإنما بترتيب دقيق، حتى يتم استخدامه -وهو الصحفى والإعلامى- من قبل المجلس العسكرى لتضييق الخناق على وسائل الإعلام، بينما يمكن للمجلس التنصل من مسؤوليته عن غلق فضائيات صحف لأسباب هلامية كبث الفتنة أو وقف عجلة الإنتاج، على اعتبار أن هذه مسؤولية الوزير، وهو أمر غير منطقى قطعا، خصوصا أن الحكومة كلها، وليس وزير الإعلام وحده، من دون صلاحيات، لكن اللافت أيضا أن هذه الضربة جاءت قبيل انتخابات متوقعة لمجلسى الشعب والشورى، وهو ذات الأمر الذى حدث العام الماضى قبل الانتخابات الماضية، عندما خرج الوزير السابق -المحبوس حاليا- أنس الفقى ليرطن عن قانون للبث الفضائى يضع كثيرا من الحواجز ويكبل الحريات، ليبدو الأمر وكأن مصر لم تتحرك من مكانها مذ ذاك، وليلحق البؤس والعار -وربما المصير ذاته- بكل من يرضى أن يلعب دورا ضد حرية الإعلام وحرية الوطن.