لماذا ثار شعبنا الأبىّ ثورته العظيمة فى يناير 2011؟ يمكنك أن تجيب عن هذا السؤال بذكر مبررات كثيرة للثورة، لكن لا تنسَ أن من أهداف أى ثورة فى العالم، محاسبة المسؤولين عن معاناة الناس قبل الثورة، أو محاكمة الطاغية وأعوانه من القتلة واللصوص. فهل حققت ثورتنا النبيلة هذا الهدف البديهى لأى ثورة؟! طبعا لا، مما حدا بالبعض إلى القول إن ثورتنا المجيدة لم تحقق أهدافها، وإن أحوال البلد تسير من سيئ إلى أسوأ، وإننا بحاجة إلى ثورة أخرى! وقد أختلف تماما مع هذا الرأى الشائع، لأن فيه خلطا للأمور الواجب فصلها، بعضها عن بعض، فأهداف الثورة بالتأكيد لم تتحقق كلها بعد، وإن كنت على ثقة بأنها ستتحقق بإذن الله، أما أحوال البلد فقد تدهورت كثيرا خلال المرحلة الدموية لحكم المجلس العسكرى، لكننا الآن فى بداية جديدة، ولعلنا نستطيع أن ننهض فعلا، إذا ما خلصت النيات، وعالجنا مشكلاتنا بمنهج علمى سليم. ومن ثم فلتحتج مصر إلى ثورة أخرى فى المستقبل، إذا ما أسسنا لنظام حكم ديمقراطى مدنى حديث. ولا يصح أبدا أن ننسى ما حققناه من إنجازات رائعة، فقد خلعنا الطاغية، وحاكمناه مع أولاده وأذنابه، وها هو يقضى عقوبة السجن مع بعض أعوانه، وها نحن ننعم -لأول مرة بعد عقود طويلة- بقيمة صوتنا الانتخابى، وقد انتخبنا أول رئيس مدنى من الشعب بنسبة نجاح تماثل نسب نجاح حكام الدول الديمقراطية، كما أننا تخلصنا –إلى حد كبير- من سيطرة المؤسسة العسكرية على شؤون الحكم، بعد ستين عاما من الاستبداد العسكرى الفاسد. وإذا كنا نهتف فى أيام الثورة: «عيش،حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية.» فهذه الأهداف يجب أن لا تغيب عنا جميعا، ويُضاف إليها القصاص ممن قتلوا أبناءنا وسرقوا أموالنا ودمروا مستقبل شبابنا. وقد حمى المجلس العسكرى القتلة واللصوص والفاسدين، لعلاقتهم الشخصية مع المشير، أو لمصالح مشتركة مع العسكر، فثمة من تم تسريبهم إلى خارج قاعات المحاكم، فالنائب العام الذى عينه المخلوع، د.عبد المجيد محمود، خضع لرغبات العسكر، كما كان يفعل مع المخلوع وأسرته، ومن ثم تم حماية عدد كبير جدا من المجرمين. ولذلك يجب أن تبدأ الآن المحاكمات الحقيقية لقتلة الثوار وقناصى العيون وناهبى ثروات شعبنا. وهذه المحاكمات لا تعنى أننا ننظر إلى الوراء، ولا تعنى أننا سنترك الحاضر والمستقبل وننشغل بعمليات الثأر، فهذا تصور عقيم، لأننا لا يمكن أبدا أن ننهض دون أن نؤسس لمجتمع العدل والمساواة وسيادة القانون، من خلال محاكمات قضائية عادلة لم نستطع أن نقيمها طوال فترة سيطرة العسكر على شؤون البلاد. وقد علّمنا المولى -عز وجل- هذه الحقيقة حين قال: «وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أولِى الأَلْبَابِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ» (البقرة: 179).