كانت هجمات 11سبتمبر 2001، بمثابة نقلة نوعية فى عمل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «سى آى إيه»، حيث شهدت منذ الهجمات تحولا جذريا، فعلى الرغم من استمرارها فى جمع المعلومات الاستخبارية وبناء التحليلات فى عدد واسع من الموضوعات، بات تركيزها ومواردها منصبين بشكل أساسى حول هدف واحد هو الوصول إلى عناصر تنتمى إلى منظمات كالقاعدة للقبض عليهم أو قتلهم.
بعد فشل الوكالة الذريع فى منع هجمات سبتمبر، أعطى الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن سلسلة أوامر تخوّل للوكالة شن حرب سرية ضد القاعدة بقيادة بن لادن، ومنحت الأوامر الوكالة طلاقة يد لقتل أو اعتقال عناصر أو قياديين بالقاعدة.
فى 2002 بدأت ال«سى آى إيه» اعتقال المشتبه بكونهم إرهابيين، وأنشأت من الصفر برنامجا للاستجواب للتعامل مع من يطلق عليهم «المعتقلون المهمون» فى إطار ما عرف ب«الحرب على الإرهاب»، إضافة إلى تحديث قائمة مراقبة الإرهابيين الموحدة التى تقدر تقارير عدد الأسماء المدرجة عليها بما يزيد على المليون اسم. وكان برنامج الوكالة لاحتجاز قياديى القاعدة واحدا من أكثر المكونات سرية ضمن نظام مكثف من الاحتجاز والاستجواب، قامت الحكومة الأمريكية بتفعيله إبان الهجمات والحرب فى أفغانستان.
وفى خضم محاولاتها لبناء هذا النظام، اتخذت الوكالة قرارات تاريخية باستخدام أساليب عنيفة فى الاستجواب، كثيرا ما أدانتها الحكومة الأمريكية نفسها فى السابق، واختارت الأماكن المناسبة لسجونها فى الخارج بناء على موافقات الحكومات المعنية.
الرئيس الأمريكى باراك أوباما جاء إلى الحكم فى نهاية 2008، ببروباجندا مناهضة لسياسات سلفه بوش، فأصدر أمرا تنفيذيا فى يناير 2009 بمنع ال«سى آى إيه» من ممارسة كل أساليب الاستجواب العنيفة، باستثناء تلك المصرح بها، بل وأمرت إدارته بالتحقيق فى حوادث موت مشتبه بهم فى أثناء وجودهم فى حوزة الوكالة وغيرها من «الأعمال غير المصرح بها»، كما أنهى برنامج الاعتقال القسرى، لكن إدارته ركزت بشكل كبير على تحويل ال«سى آى إيه» إلى «آلة للقتل».
كل هذا توج بالنجاح المدوى الذى أحرزته ال«سى آى إيه» بقيادة مديرها ليون بانيتا، فى مطاردة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن والقضاء عليه فى الثانى من مايو الماضى، ليعيد الثقة إلى الوكالة التى أضعفتها سياسات إدارة بوش وإخفاقاتها العديدة، سواء كانت هجمات 11 سبتمبر أو ملف أسلحة الدمار الشامل فى العراق.
تصريحات أوباما عن الذكرى العاشرة لأحداث سبتمبر، ورغم خلوها من الإشارة مباشرة إلى ال«سى آى إيه»، ترجح أن إدارته وضعت استراتيجية مضادة للإرهاب أقل اعتمادا على تدخل القوات البرية، وتعوّل كثيرا على الغارات التى تنفذها ال«سى آى إيه» باستخدام المقاتلات بدون طيار وكذلك من خلال وحدات القوات الخاصة «سيل».
لكن إدارة أوباما تحاول فى المقابل فرض تعتيم إعلامى على ضحايا هذه الهجمات من المدنيين، خصوصا فى باكستان، حيث بلغت حملة ال«سى آى إيه» أوجها حاليا. وقال مستشار أوباما لمكافحة الإرهاب جون برينان للصحفيين فى يونيو الماضى، إن الضربات الموجهة لعملاء القاعدة فى باكستانوأفغانستان «دقيقة وجراحية على نحو استثنائى» وزعم أن العام الماضى لم ير «حادثة واحدة شهدت قتلا جماعيا» لمدنيين.
غير أن هذا الزعم من جانب برينان يفضح عدم صحته «مكتب الصحافة الاستقصائى»، وهو منظمة مستقلة غير ربحية تتخذ من لندن مقرا لها، حيث أصدر مؤخرا تقريرا مهما شمل تحقيقا دقيقا عن عدد الضحايا من المدنيين الذى سقطوا فى غارات أمريكية من دون طيار فى باكستان.. وذكر التقرير أنه منذ 2004 وصل عدد الغارات التى شنتها مقاتلات من دون طيار فى باكستان إلى 295 غارة معظمها (243) فى عهد إدارة أوباما. وبلغ إجمالى عدد القتلى نحو 2880، ويقدر أن منهم ما بين 392 إلى 783 من المدنيين، من بينهم 82 مدنيا فى 2010 فقط ونحو 50 فى 2011.