في الوقت الذي لم يجرؤ كثيرون على التفوه بآرائهم أمام البابا الراحل شنودة الثالث، أسس كمال زاخر التيار العلماني القبطي وعقد مؤتمرات لتقديم رؤية مختلفة لتطوير الكنيسة، لكن البابا الراحل لم يقبل محاولتهم واعتبرهم أعداءه، وبالتالي أعداء الكنيسة. قنوات الاتصال بين البابا والناس تحتاج لمراجعة رحل شنودة، وبقيت أزمات الكنيسة، التي أثيرت خلال مؤتمرات التيار العلماني، وبخاصة أزمتي الأحوال الشخصية، والتجمع الرهباني في وادي الريان. التقت "التحرير" زاخر، لمناقشته في كتابه الجديد "قراءة في واقعنا الكنسي.. شهادة ورؤية"، وعن أزمة الأحوال الشخصية التي تفاقمت مؤخرًا.. وإلى نص الحوار: - بداية، ماذا تناقش في كتابك الجديد؟ الكتاب لا يناقش ما نتج عما نعيشه من قضايا، بل يناقش الجذور، التي إذا تم إعادة النظر فيها وترتيبها بشكل منطقي وكنسي ستسقط النتائج السلبية بالتبعية، يعني مشكلة الأحوال الشخصية عرض لمرض، كذلك الصراع بين العلمانيين والأكليروس، والانحياز للرهبان على حساب كنيسة المدينة، وكل هذا لو تم مناقشته سيحتاج لكتب كثيرة، وأرى أن هناك مثلث لكل هذا، التعليم، الرهبنة، الإدارة، فنحن لا نعيد إنتاج الكنيسة بل نعيد اكتشافها، فهي مؤسسة عمرها يقترب من 2000 سنة، بها قواعد لا يمكن الخروج عنها، ولها أهداف محددة. - ما هي مشكلة التعليم في الكنيسة؟ حصل انقطاع معرفي بيننا وبين الجذور على مدى القرون الماضية، في القرن الخامس الميلادي، بعد أزمة المجمع المسكوني المنعقد في مدينة خلقدونية بأسيا الصغرى 451م، وحدث شرخ كبير بعده في الكنيسة وانقسمت للشرق والغرب، وبشكل قومي قررنا في مصر عدم الحديث باللغة اليونانية، وهي لغة الثقافة في وقتها وكتابة القوانين والعقيدة، عند هذا القطع تكلمنا القبطية فقط وهي تعتبر كاللغة العامية الآن، ولم تكن لغة الثقافة، وتطورت الأمور في الكنيسة بشكل عام، ووقفنا هنا في مصر "محلك سر"، وانقطعت علاقتنا بالتعليم الآبائي. حاولنا نقل التعليم باللغة الجديدة، ولكن من القرن العاشر وحتى الثاني عشر، جاء حكام ديكتاتوريين، أصدروا أوامر بمنع المصريين بالحديث بالقبطية والتحدث بالعربية فقط، وأجبرنا على التغيير الثاني في اللغة وحدث القطع المعرفي مرة أخرى، ولم نستطع إعادة اللاهوت الأرثوذكسي مرة أخرى وفقا لتعاليم الآباء، حتى النصف الثاني من القرن العشرين حدثت نهضة في حركة الترجمة لكنها كانت في جزر منعزلة، وهناك مشاكل بين الكنيسة وبعد العلماء اللاهوتيين لاختلاف هذه المدارس، وهذا ينبه الكنيسة إلى أنها تحتاج لعمل مؤسسي للترجمة عن الآباء من اللغة الأصلية اليونانية، وليس نقلا عن الإنجليزية، لأن النقل من لغة إلى أخرى يبدل المعاني، وضبط التعليم يعني ضبط الفكر، وستحل أزمات كثيرة من تلقاء نفسها. - ماذا عن الرهبنة؟ الرهبنة كانت حركة علمانية بالأساس، وكان الأنبا أنطونيوس وكلمة أنبا تعني "السيد"، وكل من أسسوا الحركة الرهبانية، كانوا يحملون رتبة شماس وليس كاهن، ولم يسعوا إلى أي علاقة بينهم وبين إدارة الكنيسة، لكن الكنيسة وجدت أن هؤلاء الناس، يحملون منظومة من القيم والقدرة على حكم الذات، وأردات الاستفادة منهم، واجتذبت مجموعة منهم لإدارة الكنيسة، ثم انتقل الأمر من الاستعانة ببعضهم إلى وضع إدارة الكنيسة بجملتها في أيدي الرهبان، وبالتالي كلما صحت الرهبنة، صحت الكنيسة، لا أقيم إذا كان صح أم خطأ لكني أرصد النتائج، وإصلاح الرهبنة يعني إصلاح الكنيسة، وكل القيادة الكنسية من الرهبان. - ولماذا اخترت الحديث عن الإدارة في الجزء الأخير من الكتاب؟ الإدارة هي ضبط العلاقات داخل منظومة الكنيسة على أسس صحيحة، وكلما ضبطت الإدارة على قواعد علمية وقانونية واضحة ومستقرة، كلما نجحت الكنيسة في تحقيق رسالتها، لكن لم يعد هناك مجال لإعمال المجتمع الأبوي داخل الكنيسة، لأن الدنيا كلها تطورت، نعم هو أبويا، لكن الآن علاقتي بأولادي تختلف عن علاقة أبويا بي، وهذا الأمر لا يقلل من قيمة الآباء ولا من قيمة الأكليروس ولا الكهنوت، بل يضعه في مكانه الصحيح. - ما هي القضايا التي تناولتها في جزئية الإدارة؟ طرحت بعض القضايا، مثل فصل الإدارة المالية عن الإدارة الروحية، ودراسة إمكانية تقاعد الأسقف إداريا، وإعادة النظر في مقولات استقرت داخل الكنيسة واعتبرت قواعد كنسية وليست كذلك ومنها "زواج الأسقف من الأبروشية"، وهذا الكلام على مستوى الدراسات الآبائية غير صحيح، وكان مجرد رأي من أحد الآباء وانتقل من الرأي إلى القانون، لكنه ليس بقانون حسب مجمع نيقية والكلام موثق في الكتاب، وهذا يريح من أمور كثيرة. - لماذ تعقدت أزمة قضايا الأحوال الشخصية لهذا الحد؟ لأنه تم التعامل مع الموضوع بعيدا عن القواعد القانونية الكنسية، يكفي أن نقول إن الزواج في الكنيسة واحد من أعمدتها، والكنيسة الأرثوذكسية لها ترتيب في الزواج، ولا يستقيم ولا يستمر إلا من خلال هذا الترتيب، من خلال الطقوس والصلوات والإجراءات الكنسية، وبالتالي الزواج في المسيحية، ليس اتفاق بين طرفين، وليس مجرد عرض وقبول، فهذا في إطار الشكل، أما في الجوهر فالزواج له 3 أطراف هم الزوج والزوجة والله، ولا ينفصل أو ينعقد العقل إلا باتفاق ال3 أطراف، وبما أنني قبلت أن يكون الله شريك في هذا العقد فلابد أن يكون حاضرا في هذا الزواج، وعندما يغيب الله عنه "يفشل". للأسف الزواج في النصف قرن الأخير، يغيب عنه هذا الطرف (الله) رغم وجوده الشكلي، لأنه غاب التعليم والرعاية والتأسيس والتحضير، ففشل الزواج، لأمر الثاني الكنيسة تعاني على مدى نصف قرن من أزمة في "إدارة الأزمات"، وتدار الأزمات بفكرة رد الفعل والانطباع الشخصي، وهذا بعيدا عن الزواج، له سبب وهو غياب منظومة القوانين الموثقة والمكتوبة، التي تضبط العلاقات داخل الكنيسة. - هل تستطيع الكنيسة الآن أن تطور من المنظومة الإدارية وتكتب قوانينها بعيدًا عن العرف؟ الكنيسة مهيئة الآن أكثر من أي وقت آخر لأن تتبنى هذا التوجه، بكتابة القوانين وإعادة النظر في آلياتها، لأنه على رأس الكنيسة البابا تواضروس، لأنه على المستوى الشخصي له دراسات عليا فهو حاصل على ماجستير في علم الإدارة، وعلم الإدارة لا يختلف من تخصص لآخر في القواعد الأساسية، ربما يختلف في الفروع، وأساسيات علم الإدارة لا يختلف عليها منذ منتصف القرن العشرين عندما تأسس هذا العلم، وهذا يعطي أمل بأن الكنيسة تنتبه بالانتقال من الفرد للمؤسسة وهو ما يؤمن به قداسة البابا. كيف تقيم ما حدث من احتجاج في عظة البابا منذ 3 أسابيع بسبب مشاكل الطلاق والزواج الثاني؟ أرى ما حدث، أنه كاشف وليس منشئ، بمعنى أنه أظهر أكثر من أمر أولها أنه لدينا مشكلة تتفاقم ولا يتم تناولها بشكل موضوعي يواجه الواقع، الأمر الثاني يشير إلى أن قنوات الاتصال بين البابا والناس تحتاج لمراجعة، خاصة الدائرة اللصيقة به وعلى رأسها مكتب السكرتارية، وأنا هنا لا أتحدث عن أشخاص، بل أتحدث عن نظام، لماذا لأن العلاقة بين البابا والأقباط هي أبوة وبنوة، وبالتالي يجب أن توجد قنوات مفتوحة بين الأب وأبنائه، وهذا ينبه إلى أن هذه القنوات تحتاج إلى وقفة، وهناك مثل يقول "المفاتيح القديمة لا تفتح الأبواب الجديدة"، وسكرتارية البابا لم تعد مجرد شخص أو أشخاص ينظمون المواعيد ويرتبون اللقاءات، إنما السكرتارية الآن أصبحت علم، وتكاد تكون واحدة من أهم جماعات (Think-tank) أو خلايا التفكير في الإدارة الحديثة، وبالتالي أصبح من مهمة هذه الآلية، وضع الشخص المسؤول في دائرة المعلومات، وقدمت لقداسة البابا مقترح بشأن السكرتارية منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها اسمه بطريركا بالقرعة الهيكلية، وهذا جزء من موضوعات كتابي الذي انتهيت منه. - إذن ماذا يتوجب على الكنيسة أن تفعل؟ هناك شق إلهي يتمثل في العقيدة والقوانين المنظمة، وشق إنساني يتعلق بالناس، بدءًا من البابا البطريرك وحتى أصغر طفل، ولا بد للكنيسة أن تؤمن بأنها مطالبة بتطوير أدواتها وفقا لعصرها، لأنها كائن حي في النهاية، ولا أحد يطالب الاهتمام بالطلاق على حساب الزواج لأن الزواج مؤسسة تقوم لتبقى في أي دين وفي أي مجتمع، والطلاق هو استثناء على القاعدة. أمامنا أكثر من مُدخل لمسببات الطلاق، وغياب التعاليم جعل فكرة الزواج مشوشة لدى الناس، وليس دور المجتمع سواء مدرسة أو إعلام بل بالإساس هو دور الكنيسة، أن توضح لأولادها ما هو الزواج وما هو المطلوب، وكيف يستمر وكيف تختار وتواجه المشاكل وكيفية التعامل مع الأسر المكونة للأسرة الجديدة، ثم ما يسمى الرعاية اللاحقة (الافتقاد)، فما الذي يشغل الكنيسة عن مهمتها الأساسية، وربما لو راجعنا إدارة الكنيسة في النصف قرن الأخير ربما سنعرف لماذا انشغل الآباء عن الرعاية والتعليم والافتقاد والتواصل مع الأسر المسيحية، ونواجه أنفسنا بأنفسنا بان هناك مشكلة لها أسباب وفيها سوء إدارة، لكن إذا اعتبرنا أن الأمر طبيعي فإن هناك مشكلة جديدة. - وما الذي حدث في منظومة إدارة الكنيسة في النصف قرن الأخير؟ النصف قرن الأخير، شهد تطور غير عادي في الكنيسة، ففي بداية القرن العشرين كانت تعاني من عدم تواجد أدوات التواصل، كما عانت من الإرساليات الأجنبية، وصارت في خطر مواجهة أدوات جديدة، منها وجود كتاب مقدس مطبوع باللغة العربية مع الإرساليات، وأول مرة يجد الناس من يكلمهم بلغة عربية بسيطة بينما الوعاظ الأقباط كانوا يتحدثون بلغة عربية فصية بها كل المحسنات البديعية، وكان هذا يفصل بينهم وبين المتلقي. ثم بدأ التفكير في الكلية الأكلريكية في بدايات القرن، وبالتالي لم يكن هناك كوادر معدة، والرهبنة وهي العمود الفقري للكنيسة كانت تعاني من التراجع، وكان الطرق لها غير ممهدة وكان ما يحكم المفهوم عن الأديرة هو مجموعة من الأساطير غير حقيقية، وكانت الكنيسة تعاني من ضعف. حتى بداية النصف الثاني من القرن العشرين شهدت الرهبنة تغير موضوعي ونوعي، وبدأ أول 2 من الجامعيين كان الراهب مكاري السرياني، والراهب متى المسكين في 1948، وبعدها سنة 1954، يأتي نجم ثالث ويصير النجم الأول وهو الراهب أنطونيوس السرياني (البابا شنودة الثالث)، انتشت الرهبنة بدخول الجامعيين في سلكها، ونقلت نقلة نوعية، وتطورت الأمور ليصل هؤلاء قيادات الكنيسة، فيصبح أنطونيوس السرياني، الأنبا شنودة أسقف التعليم، ومكاري صار الأنبا صموئيل أسقف الخدمات، والقمص باخوم المحرقي يصبح الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي. الأنبا شنودة كان لديه رؤية متكاملة عن نهضة الكنيسة عندما كان نظير جيد، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، ومن القدر عندما يصير الأنبا شنودة على رأس الكنيسة، ياتي السادات على رأس السلطة السياسية، ويواجه زخم عبد الناصر، ويعيد إحياء الخلايا الراديكالية الإسلامية النائمة، ويواجه البابا حرب وجود له وللأقباط، فيتراجع الدور التنويري والنهضوي، على حساب دور الحفاظ على الأقباط والكنيسة، ويحدث تماهي بين الشخص والكيان، ويصبح البابا شنودة هو ممثل الأقباط، ويصبح البابا في مواجهة القيادة السياسية التي انتهت بصدام 1981، باعتقال البابا واغتيال السادات. ما يهمنا في هذا الأمر أن البابا شنودة واجه بهذه الأزمات، وهي أزمات وجود وليست حقوق كما يتخيل البعض، وانعكس هذا على إدارته للكنيسة. - وبرأيك هل هذا سبب كاف لتراجع البابا عن رؤيته لنهضة الكنيسة؟ حدث أمر ما أبحث عن إجابة له، في التوقيت الذي كان فيه البابا شنودة كنظير جيد، كواحد من الرموز العلمانية التي تقود المعارضة وحركة التصحيح، عندما ياتي يستبعد العلمانيين ويحل محلهم الكهنة، ثم يستبعد الكهنة ويحل محلهم الرهبان، والرهبان ثم الأساقفة، ثم يتوسع في رسامة الأساقفة العموم، وأثر هذا على كاهن الكنيسة، لأنه في ترتيب الكنيسة، لدينا 3 درجات في الكهنوت، ألأسقف والقس والشماس، في مرحلة البابا شنودة تم إبعاد الشماس ولم يعد يعترف به كرتبة من رتب الكهنوت، وكان هذا استبعاد لجزء هام في دائرة الخدمة، ثم استبعد القس والقمص، وكل هذا لحساب الأسقف، وحدث خلل في دائرة الإداراة. - ماذا عن أزمة الأحوال الشخصية؟ هي مشكلة متفاقمة، وتحتاج مواجهة بشكل مستقل، والقاعدة هي القانون، ونحتاج قانون يجمع بين الأصالة والمعاصرة، الأصالة لأن هناك ثوابت، لا يجب الخروج عنها، لكن القراءة لهذه النصوص مختلفة، يعني فكرة الكلام عن "لا طلاق إلا لعلة الزنا"، هذا كلام خارج عن سياقه، واختطف وتم وضعه في "برواز بمفرده"، وهذه المشكلة، هذا لا يعني أننا نقنن الزنا أو نخالف ما جاء بالكتاب المقدس، لكن أتصور أن هناك قاعدة أسسها السيد المسيح، وهي "تجفيف المنابع"، في الدستور الذي قاله السيد المسيح فيما يعرف ب"العظة على الجبل"، قال فيها "قيل لكم، أما أنا فأقول"، وهنا يضبط الرؤية الجديدة للنصوص القديمة، ويوضح رؤيته للنصوص، وهناك مثال "قيل لكم لا تزني، أما أنا فأقول كل من نظر إمرأة واشتهاها فقد زنى بها في قلبه"، وهذا يعني أن الزنا لا ياتي من فراغ بل يبدأ بنظرة شريرة وتتحول إلى فكرة، وترجمت الفكرة إلى فعل.. عندما قال "قيل لكم لا تقتل، أما أنا فأقول، من غضب على أخيه يكون مستوجبا الحكم"، لأن الغضب مؤدي للقتل، وهكذا. - هل أزمة الأحوال الشخصية كنسية فقط أم مجتمعية وتخص الدولة أيضا؟ الجانب الروحي يخص الكنيسة، والجانب التنظيمي يخص المجتمع والدولة، والمجتمع هو الذي يقدم أطراف الزواج، إذن مؤسسات التنشئة في المجتمع مسؤولة، المدرسة والثقافة والسينما والفنون، وهذا الأمر يتم في دولة ينظمها القانون، فهذا يخص الدولة، وجزء من أزمة ما حدث في اجتماع البابا إن الناس ذهبت تطالب الكنيسة بالزواج المدني، وهم تركوا الباب الخطأ، من العنوان هو لا يخص الكنيسة فكيف يطالبوها بعمل شيء لا تملكه، ولا يجب أن نحمل الكنيسة بما لا تملك، وحتى لو أردات الكنيسة فهي ليست جهة تشريع. - وكيف تطبق الكنيسة مبدأ تجفيف المنابع مع قضايا الأحوال الشخصية؟ على الكنيسة أن تتبنى مبدأ تجفيف المنابع، وكان متواجدا في لائحة 1938، عندما تقول استحالة العشرة تؤدي إلى الطلاق، معناها أنه لا يجب الانتظار حتى لا تصل استحالة العشرة إلى الرفض الرهيب بين الأطراف، ثم ينتهي إلى إشباع احتياجات الرجل أو المرأة خارج منظومة الزواج فتكون النهاية الزنا، فلا يجب الانتظار حتى يقع الناس في الخطأ ثم نبحث عن حلول. نريد قانونًا يجمع بين الأصالة والمعاصرة بقراءة موضوعية أمينة؛ وعلينا تشكيل لجنة، والكنيسة بدأت بالفعل، لحصر للقضايا، وتبدأ بنوع من الصبر لحلها، ثم تضع قواعد لمن يريد أن يتزوج ليلتزم بها. -ما هو سياق أية "لا طلاق إلا لعلة الزنا"؟ سياقها أنه الزواج له 3 أطراف الله والزوج والزوجة، ويفسد الزنا العلاقة لأن أحد الأطراف جاء بطرف رابع ليس له علاقة بأطراف العقد وأدخله العلاقة، وبالتالي من شروط استمرار العلاقة وجود الله فيها، هل الغضب يعبر عن وجود الله في العلاقة؟ هل الكراهية؟ هل التسلط؟ لا بد من قراءة الأمور بشكل حقيقي وليس بشكل حرفي، لأنه لو نقرأ الأمور بشكل حرفي، فهناك أية "كل من نظر امرأة واشتهاها فقد زنى بها في قلبه"، هل هناك نص أكثر وضوح من ذلك؟ أم أنه مجازا؟ إما المسيح كان يقول الكلام بشكل رمزي، فيكون كل كلامه بشكل رمزي، وإما يقصده بالمعنى الحرفي، فنتعامل معه بشكل حرفي، على أرض الواقع تفسير الأية الأخيرة ستكون "رخصة لكثيرين للطلاق"، وهذا كلام "الهذل في موضع الجد".. إذن يوجد سياق قيل فيه الكلام، المسيح لم يضع قواعد جامدة، إنما كان يهمه كما قال "جئت ليكون لكم حياة ولتكت هذه الحياة أفضل"، وهذا هدفه، ول يأت ليضع قواعد منظمة مثل (لا تأكل، لا تشرب، إلخ) بل كان يريد أن يرتقي بالإنسان ويعيده إلى صورته قبل السقوط، ولا بد من قراءة الإنجيل بروحه، وليس بروح الناموس أو الشريعة قبل المسيح، ةكلما نتجه إلى الشكل نعلن عن وجود أزمة في الحياة الكنسية عند الناس، وأزمة في فهم مضمون المسيحية. ماذا عن الزواج المدني؟ الزواج المدني يخضع للقواعد الدستورية وأهما أن يكون القانون عام ومجرد، ولو قلت زواج مدني للمسيحيين تكون عدم دستورية لأنك تخص فئة من المجتمع خارج الإطار الكنسي، الزواج المدني يكون لكل المصريين، هل الكنيسة تجرؤ على التشريع لكل المصريين؟ لا تملك وإلا تكون دولة داخل الدولة، وهذا كلام لا تقوله ولا نحن إذا كنت تريد زواج مدنيا، المنوط به المشرع لدى الدولة أي البرلمان أو رئيس الجمهورية في حالة غيابه، وهل تملك الدولة الآن في ظل الموائمات تشريع زواج مدني؟ هي حرة، لكنها ستواجه بعاصفة من الرفض ليس من الأقباط بل من المسلمين ومن الذين يدعون بتطبيق الشريعة، لأن الزواج المدني معناه أن يتزوج مصري من مصرية فقط، وهنا نسأل هل يصح لمسلمة أن تتزوج غير المسلم أيا كان نوعه؟ فهذه أزمة مجتمعية، وهذا لا يخص الكنيسة. إذن، هل أنت ترفض وجود تشريع يخص الزواج المدني للمسحيين داخل قانون الأحوال الشخصية الموحد؟ وقت اقتراحه كنت موافق عليه، لأني كنت أرى أنه جزء من حل الأزمة، لكن فيما بعد اكتشفت أنه غير دستوري، لأنه ينظم العلاقات حتى لو طرفيها مسيحيين، خارج إطار عقيدة الكنيسة، وهذا مخالف لنص المادة 3 التي تتكلم عن عقائد المسيحيين، وأحوالهم أحوال مدنية، والعقائد تكون وفق الكتاب المقدس والمسيحية، لا يقوم فيها الزواج إلا بترتيبات كنسية. ونظريًا، النص على الزواج المدني داخل مشروع قانون كان سيحل مشكلة، لكن على الأرض كان سيواجه الطعن بعدم الدستورية، ويخرج عن وصاية الكنيسة، وكان سيرحل المشكلة ولا يحلها، ولو تم الطعن على هذا البابا سيقرأ الأمر في ظل الظروف الضاغطة بأنه تدخل في الشأن الكنسي. وما هو دور الكنيسة تجاه أصحاب القضايا العالقة؟ هناك تعبير يقول إن الكنيسة هي مستشفى للمرضى، وهي أب وأم، ودورها أن تبحث عن الضال، والمتألم، وأصحاب هذه القضايا على الكنيسة أن تبحث عنه وتحل المشاكل. ما هو تقييمك لإدارة المجلس الأكلريكي في السنوات الماضية؟ هي إدارة فاشلة بالمعنى الإداري، لأن العبرة بالنتائج، وحسن النوايا لا يوفر نجاحا، وغياب القواعد المنظمة ينتج فسادًا، وخلال الفترة الأخيرة كان فاشلًا بامتياز. كيف تقيم خطوات البابا بتقسيم المجلس ل6 مجالس والتوسع في تفسير الزنا الحكمي؟ التقسيم يواجه أزمة الوقت، لأن مجلس واحد للكنيسة كلها داخل وخارج مصر كلام غير منطقي، ويعطي فرصة للمعاملة مع كل منطقة بحسب ثقافتها، لكن الأهم وضع قواعد عامة ومجردة وملزمة ومستوعبة للمتغيرات، بغير الخروج عن الثوابت والقواعد الإيمانية، ولا بد من هذ الجملة حتى لا يتم التأويل بغير ما نقصد.