لا يدرك البعض أن التطور لا يتم بين يوم وليلة، ولكنه عملية تستغرق مئات الآلاف بل وملايين السنين. ونقصد بالتطور هنا التطور البيولوجى الذى يؤدى إلى التغير من نوع إلى آخر يتشابه مع الأصل فى المظهر والمادة الوراثية، لكنه يختلف عنه بالدرجة التى لا تسمح بتزاوجهم لإنتاج ذرية تبقى على قيد الحياة. ولنفهم المدد الزمانية الطويلة التى سبقت ظهور الحياة كما نعرفها، نحتاج إلى الجوع إلى نشأة الحياة على الأرض. كانت نشأة الحياة على الأرض لاحقة لأحداث مهمة تمت بعد أن انفصلت الأرض كشظية ملتهبة من الشمس منذ 1/24 بليون سنة (4500٫000٫000 سنة)، وثم بدأت هذه الكتلة تبرد وتنقص درجة حرارتها، وبالطبع كان تبريد السطح الخارجى أسرع من تبريد اللب الداخلى، مما أدى إلى ظهور قشرة سمكها نحو 30 كيلومترا إلى 50 كيلومترا بمتوسط 35 كم، ويفصل بينها وبين اللب الداخلى وسمكه نحو 3500 كم وشاح سمكه نحو 2800 كم، وتحدد ذلك عن طريق دراسات جيوفيزيقية. وبينما تتكون القشرة من صخور وطبقات صلبة، يتميز اللب بصهير صخرى ونواة صلبة من الحديد وبعض النيكل. ويقدر العلماء أن درجة الحرارة بين النواة واللب بنحو 6000 درجة مئوية. ويتحرك الصهير الصخرى داخل الأرض، وبالتالى تتزحزح أجزاء من القشرة الخارجية، وتتمدد وتنكمش وتتشقق وتنكسر وتتصدع، مما يؤدى إلى انسياب الصهير (magma) إلى أعلى، وبالتالى يبرد وتتكون منه بعض الصخور كالجرانيت. وقد يصل الصهير، وقد تغيرت خصائصه، ليصبح أكثر سيولة إلى سطح الأرض، ليصبح صهيرا بركانيا (Lava)، ولتتكون منه صخور كالبازلت وما شابهها، وقد يندفع الصهير فى انفجارات بركانية ينبعث معها الرماد والغازات. تتكون هذه الغازات من كميات كبيرة من ثانى أكسيد الكربون والأمونيا والبخار والميثان. وعندما تقل درجة حرارة البخار يتحول إلى ماء، وهكذا ظهرت على سطح الأرض البحار! والمدهش أن الدراسات الحديثة (25 سبتمبر 2014) تدل على أن نصف المياه التى نحيا عليه يرجع أصلها إلى جليد كونى سابق لتكوين الشمس! وتم التعرف على ذلك من نسبة أحد نظائر الهيدروجين المعروف بنسبته العالية فى الشهب والكويكبات. كما توضح الدراسات أن هناك ماء محبوسا فى بلورات الزركون قدر عمرها بنحو 4.4 بليون سنة، وبالتالى فوجود الماء وتكوين الغلاف الجوى كان نتيجة مزدوجة لتكثف بخار الماء الكونى والماء التى تكون من الغازات البركانية. ويرجع عمر وجود الأكسجين فى الغلاف الجوى إلى نحو 1/23 بليون سنة بعد ظهور أول كائنات حية تكونت فى خلية واحدة، وهى عبارة عن كبسولة حجمها نحو 1- 10 ميكرونات ظهرت نتيجة تطور كيميائى من ذرات تَجمَع بعضها مع بعض بالصدفة لتظهر أول جزيئات كيميائية على الأرض. ومن بعض هذه الجزيئات تكونت بروتينات، وتلا ذلك ظهور الفيروسات من مركبات بروتينية. وتمثل الفيروسات -أول نقلة من المادة إلى الحياة- وهى ذات أشكال كروية أو مغزلية أو لولبية أو تشبه علامة، وتتكاثر من خلال الانشقاق، وتتميز بوجود نواة تحتوى على الحمض النووى «DNA»، وهو فى الأساس جزيئات تتكون من وحدات فى خيطين لولبيين يلتف الواحد على الآخر، وتتكون الوحدات من قاعدة نووية ونوع من السكر والفوسفات. ويتكون السكر من كربون وماء، والقواعد النووية من اتحاد ذرات الأكسجين مع الأمونيا والهيدروجين التى توفرت فى الغلاف الجوى والمياه. والمعروف أن الماء يتكون من الأكسجين والهيدروجين. أما الفوسفات فيعتقد أنه جاء مع النيازك والشهب فى معدن قابل للذوبان فى الماء (معدن Schreibersite)، وتمكن العلماء من تكوين المادة التى تكون غشاء الخلية من هذا المعدن. وتوجد أقدم الصخور المحتوية على الفسفور فى أستراليا وعمرها 1/23 بليون سنة. ويتخلق من اتحاد هذه العناصر والتركيبة التى يتم بها الاتحاد أنواع عديدة من الجزيئات. وتلتحم هذه الجزيئات مع جزيئات من الهيدروكسيل (أكسجين وهيدروجين) لتنتج الخيوط النووية. وفى أستراليا أيضا تعرف العلماء إلى أقدم نوع من البكتيريا «Cyanobacteria»، وهى أول دليل على بكتيريا تقوم بالتمثيل الضوئى وعمرها أيضا 1/23 مليون سنة، ومن التمثيل الضوئى تحصل البكتيريا على الطاقة (وتعرف هذه البكتيريا وهى من خلية واحدة تحت مسمى prokaryotes فى اللغة اليونانية «pro» بمعنى «قبل» و«كاريون» بمعنى «نواة»، لأنه لا يوجد غشاء يحيط بالنواة كما فى الأنواع التى ظهرت بعدها، والتى تسمى «Eukaryotes». والتى تتميز بها خلايانا نحن البشر)! تجنح الخلايا الواحدة من «prokaryotes» إلى تكوين مجموعات ثابتة. وعندما تلتصق هذه الخلايا بعضها ببعض على سطح ما تكون فيلم حيوى (biofilm) هلامى. ولم تنقرض هذه الأفلام البكتيرية وما زالت معنا حتى الآن، وهى قد تتسبب فى مشكلات صحية، لأنها تقاوم المضادات الحيوية 100 مرة مقدار مقاومة الخلية الواحدة من البكتيريا. ويقدر عمر «eukaryotes» بنحو 1.7 بليون سنة، ولكن من المحتمل أنها ظهرت منذ 3 بلايين سنة، وقد تكون نتيجة تطور من «prokaryotes»، أو قد يكونا من أصل مشترك، ويشترك معهما فى مظاهر الحياة الأولى كائنات تشبه البكتيريا تعرف ب«Archaea»، وهى بلا غشاء حول النواة مثل «prokaryotes»، وتتميز بأنها تحتوى على «جينات». وتقوم «Archaea» بعمليات متعددة من التمثيل الغذائى. والمعروف أن التمثيل الغذائى يتم عن طريق مُحفزات (إنزيمات) تُسَرِع من التحول الغذائى، وهى تتكون من بروتينات.