فلسطين.. وصول شهيدان إلى المستشفى الكويتي جراء غارة للاحتلال على منزل شرقي رفح    مسؤول أمريكي: الضربات الإسرائيلية على رفح لا تمثل عملية عسكرية كبرى    العاهل الأردني: الهجوم الإسرائيلي على رفح يهدد بالتسبب في مجزرة جديدة    لاعب الأهلي السابق: شوبير يستحق حراسة مرمي الأحمر أمام الترجي وليس الشناوي    عبدالجليل: جوميز يتحمل خسارة الزمالك أمام سموحة    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    كاسونجو يتقدم بشكوى ضد الزمالك.. ما حقيقة الأمر؟    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    وكيل صحة قنا يجري جولة موسعة للتأكد من توافر الدم وأمصال التسمم    لا تصالح.. أسرة ضحية عصام صاصا: «عاوزين حقنا بالقانون» (فيديو)    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الأخير.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الثلاثاء 7 مايو بالصاغة    موعد مباراة الأهلي والترجي في نهائي دوري أبطال إفريقيا والقنوات الناقلة    صندوق إعانات الطوارئ للعمال تعلن أهم ملفاتها في «الجمهورية الجديدة»    4 ساعات فارقة.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم وتكشف أماكن سقوط الأمطار في مصر    مصرع سائق «تروسكيل» في تصادم مع «تريلا» ب الصف    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    عملت عملية عشان أخلف من العوضي| ياسمين عبد العزيز تفجر مفاجأة.. شاهد    التصالح في البناء.. اليوم بدء استلام أوراق المواطنين    الأردن: نتنياهو يخاطر بتقويض اتفاق وقف إطلاق النار بقصفة لرفح    بعد الارتفاع الأخير.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 7 مايو بالمصانع والأسواق    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    مصرع شخص وإصابة 10 آخرين في حادثين منفصلين بإدفو شمال أسوان    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    عملية جراحية في الوجه ل أسامة جلال اليوم بعد إصابته أمام فيوتشر    ياسمين عبد العزيز: لما دخلت الإعلانات كان هدفي أكون مسؤولة عن نفسي    ياسمين عبدالعزيز عن بدايتها الفنية: «مكنتش بحب التمثيل.. وكان حلمي أطلع ظابط»    شكر خاص.. حسين لبيب يوجه رسالة للاعبات الطائرة بعد حصد بطولة أفريقيا    وفد قطري يتوجه للقاهرة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس اليوم    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    مصر للطيران تعلن تخفيض 50% على تذاكر الرحلات الدولية (تفاصيل)    عاجل - تبادل إطلاق نار بين حماس وإسرائيل قرب بوابة معبر رفح    «الصحة العالمية» تحذر من أي عملية عسكرية في رفح: تفاقم الكارثة الإنسانية    برلماني يطالب بإطلاق مبادرة لتعزيز وعي المصريين بالذكاء الاصطناعي    "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات التهنئة بالعيد    مصرع شاب التهمته دراسة القمح في قنا    القومية للأنفاق تبرز رحلة بالقطار الكهربائي إلى محطة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية (فيديو)    العمل العربيَّة: ملتزمون بحق العامل في بيئة عمل آمنة وصحية كحق من حقوق الإنسان    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    سؤالًا برلمانيًا بشأن عدم إنشاء فرع للنيابة الإدارية بمركز دار السلام    فيديوهات متركبة.. ياسمين عبد العزيز تكشف: مشوفتش العوضي في سحور وارحمونا.. فيديو    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل كل قضاء قضيته لنا خيرًا    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    تعرَّف على مواصفات سيارات نيسان تيرا 2024    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 7-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    ياسمين عبد العزيز: «كنت بصرف على أمي.. وأول عربية اشتريتها ب57 ألف جنيه»    بالأسماء، إصابة 16 شخصا في حادث الطريق الصحراوي الغربي بقنا    في 7 خطوات.. حدد عدد المتصلين بالراوتر We وفودافون    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    كيفية صنع الأرز باللبن.. طريقة سهلة    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار| محمود أباظة: البدوي أضاع «الوفد» وقضى على مستقبل الحزب
نشر في التحرير يوم 18 - 06 - 2015


حوار- أنور الهواري ويوسف شعبان
وسط حالة من الأمواج العاتية التى ضربت ولا تزال تضرب حزب الوفد، فتح محمود أباظة، رئيس حزب الوفد السابق، فى حواره ل«التحرير» النار على الدكتور السيد البدوى، وأكد أنه لم يستطع تجميع الوفديين ويجب أن لا تنعكس صداقاته وعداءاته مع رجال الأعمال على «الوفد».
حال الصحيفة الحزبية الكبيرة كان مثار الحديث مع أباظة، حيث أكد أن عائداتها الإعلانية صارت صفرا بعد أن كانت 12 مليون جنيه سنويا. الحزب عموما تحت رئاسة البدوى -كما يرى أباظة- يعانى أشد المعاناة، لا سيما أنه فَقَدَ ترابطه التنظيمى وتأثيره على الشارع.
أمواج «الوفد» لم تنفصل عن حالة الشارع السياسى المصرى كاملا، والذى يبحث عن برلمان، فيشير أباظة إلى أن مصر تعانى انسدادًا فى الأفق السياسى، وأنه لا يمكن إجراء الانتخابات البرلمانية دون الإعلان عن ائتلاف حزبى يخوض الانتخابات بدعم من الرئيس، وتأييد لبرنامج واضح تعلنه الحكومة على الشعب.
أباظة تحدث ل«التحرير» عن كل ما يخص المشهد السياسى داخل حزبه وخارجه وعلاقة مصر بدول محورية فى المنطقة.
محمود أباظة: البدوى أضاع «الوفد» ومزَّق شمل الوفديين وقضى على مستقبل الحزب
■ كيف ترى حزب الوفد الآن، ماليًّا وإداريًّا وتنظيميًّا؟
- «الوفد» يمر الآن بمحنة.
■ ما ملامح تلك المحنة؟
- ملامحها أن الجريدة التى كانت تدرّ على الحزب، فى المتوسط، قرابة 3 ملايين جنيه سنويًّا، أصبحت تكلِّفه الآن 18 مليون جنيه سنويًّا، وفى تقديرى أنه قد تكون هناك أسباب لهذا، مثل انخفاض الإعلانات، لكن لا يجوز أن أقارن نفسى ب«الأهرام» أو «الأخبار» أو «الجمهورية»، فلم يكن أى منها، فى يوم من الأيام، مصدرًا للربح المالى، فهى منذ أن أصبحت صحفًا قومية، لم يعد الربح المالى هدفًا لها، وبناءً عليه فإن ما حدث فى سوق الإعلانات قد يكون سببًا فى تدهور دخل الجريدة، لكن لا يؤدّى إلى ما جرى.. هناك سبب مباشر، وأنت تعلم أن رجال القانون يقولون «إذا تعددت الأسباب، فإن هناك سببا أقوى أو أدعى».. وفى تقديرى أن هذا السبب يكمن فى أن الدكتور السيد البدوى أدار المسألة المالية إدارة خاطئة.
■ فى الحزب أم الجريدة؟
- الجريدة الحزبية ليست لها شخصية اعتبارية، وبالتالى ليست لها ذمة مالية مستقلة، ومن ثَمَّ فإن الذمة المالية للجريدة هى الذمة المالية للحزب، وحين نتحدَّث عن المسائل المالية، فنحن نتحدَّث عنها بشكل عام، لكن ما حدث أن جريدة الحزب كانت تصفى 3 ملايين جنيه سنويًّا تُضاف إلى مالية الحزب، ونتج عن ذلك وجود 89 مليون جنيه ودائع وشهادات استثمار فى مايو 2010، بالإضافة إلى وجود 3 ملايين جنيه فى الحساب الجارى للحزب.
■ وهل هذا كان ملخص الحساب وقت تولّى الدكتور السيد البدوى رئاسة الحزب؟
- نعم، فقد تولَّى فى مايو 2010، وكانت هذه الأرقام فى هذا الشهر، وقد اتخذ الدكتور السيد البدوى عدة إجراءات، منها أنه رفع رواتب فى الجريدة..
■ (مقاطعًا).. وكم تبلغ مالية الحزب الآن؟
- لا أحد يستطيع أن يعرف، فقد أصبح ذلك سرًّا.
■ هل لم يكن سرًّا فى السابق؟
- نعم، لم يكن سرًّا فى السابق، فكل عام كان أمين الصندوق يعلن الميزانية وصافى الودائع والحسابات المختلفة فى البيان الختامى.
■ لماذا لا يعلن أمين الصندوق عن البيان المالى كما كان يعلنه كل عام؟
- هو لا يعلن الميزانية، كما أنها لا تُعرض أساسًا على الهيئة العليا للحزب، فإن ميزانية 2013 لم تُعرض حتى الآن على الهيئة العليا للحزب.
■ هل هذه مخالفة للوائح الحزب؟
- طبعًا.. هى مخالفة صريحة للوائح الحزب.
■ ومَن يحاسب على تلك المخالفة؟
- أعضاء الحزب.. وأقول لك إن الدكتور السيد البدوى رفع الرواتب وزوّد عدد العاملين، فى إطار استحداث بوابة «الوفد» الإلكترونية، فترتب على ذلك أن رواتب «الوفد» بدلًا من أن كانت 8 ملايين جنيه سنويًّا، باتت 15 مليون جنيه، بالإضافة إلى عدد من المصروفات الأخرى، ليصل إجمالى الإنفاق إلى نحو 18 مليون جنيه سنويًّا.
■ كم تبلغ قيمة الإعلانات فى السابق والآن، وما قيمة العجز؟
- كانت حصلية الإعلانات 12 مليون جنيه سنويًّا، وفوائد الودائع 89 مليونًا، فى ظل رواتب كانت 8 ملايين. لكن حدث أن شركة «ميديا لاين» كانت تحصل على إعلانات قناة «الحياة»، فأعلن أنه أبرم عقدًا مع الشركة بحد أدنى 22 مليون جنيه سنويًّا، وهو ما يعنى أن هناك فائضًا فى الأرباح قدره 4 ملايين جنيه، لكن هذا العقد لم يعرض على الهيئة العليا للحزب ولا على الإدارة القانونية به، فى حين أن شركة «ميديا لاين» هى التى تتولَّى إعلانات قناة «الحياة».
■ وهل هذا يعنى أن هناك خلطًا بين ما هو عام وما هو خاص؟
- وقد تكون فيها مجاملة، لكن ما حدث أنه بعد 3 أشهر من توقيع العقد أخرج هو «ميديا لاين» من قناة «الحياة»، وأدخل «شويرى جروب» بدلًا منها، فقامت «ميديا لاين» بفسخ العقد مع «الوفد»، وخلال فترة التعاقد بين «الوفد» و«ميديا لاين» كان الدكتور السيد البدوى قد نقل جهاز الإعلانات فى جريدة «الوفد»، الذى عمل على تربية «الزبائن» على مدى 30 عامًا، إلى شركة «ميديا لاين»، وبالتبعية انتقل العملاء إلى «ميديا لاين» بدلًا من «الوفد».
■ هل نقل جهاز الإعلانات كان نقلًا كليًّا شاملًا (إعادة التعيين ومقر العمل)؟
- نعم، وأعقبه نقل جميع عملاء جريدة «الوفد» إلى «ميديا لاين»، وحين فسخت الشركة تعاقدها مع الحزب، ظلَّت الجريدة لسنوات حصيلة الإعلانات بها «صفر».
■ هذا يعنى أن الدكتور السيد البدوى تسلم جريدة «الوفد» ب12 مليون جنيه إعلانات حتى وصل بها إلى «صفر» إعلانات؟
- نعم، ولم تعالج هذه الأزمة خلال السنة الأولى، ولا فى السنة الثانية ولا فى السنة الثالثة.. وهنا عدّة ملاحظات، أولًا: هناك تصرُّف غير مدروس، ثانيًا: الخلط بين ما هو عام وما هو خاص، ثالثًا: حين طردت شركة «ميديا لاين» من القناة لم تحسب تأثير ذلك على «الوفد»، رابعًا: حين وقعت الأزمة لم تتدارك الأمر وتعمل على حل الأزمة، فكانت النتيجة أن أصبحت هناك أزمة حقيقية.. هو يقول، إن هذه الأموال جاءت من الصحفيين، فكيف لا أعطى للصحفيين؟ وأنا أقول إنه لم يقل أحد «لا تعطِ للصحفيين»، لكن الصحفيين لديهم أمران: الأول هى الرواتب التى يتقاضونها شهريًّا، والثانى هى مكافأة نهاية الخدمة والتأمينات وغيرها من الالتزامات التى تعقب التعيين، ومحكمة النقض تعتبر مكافأة نهاية الخدمة جزءًا مؤجلًا من الراتب، له تاريخ استحقاق معروف، ومقداره معروف أيضًا، لكن الأزمة المالية فى الجريدة انعكست على هذا الاستحقاق، فالصحفيون الذين خرجوا على المعاش لم يحصل أحد منهم على مكافأة نهاية الخدمة.
■ هل صحيح أن الصحفيين الذين خرجوا على المعاش فى عهد الدكتور السيد البدوى لم يحصلوا على مكافأة نهاية الخدمة؟
- نعم، كل الصحفيين الذين خرجوا على المعاش لم يجدوا مكافأة نهاية الخدمة، والأخطر من هذا أنه حين تنفد الودائع والحسابات، من أين ينفق «الوفد» مليونًا ونصف المليون أو مليونَين على الرواتب والمتطلبات الأخرى؟ وأقول لك إن ميزة حزب الوفد التى كان يتفرد بها على سائر الأحزاب السياسية بما فيها الحزب الوطنى، أنه كان له استقلال مالى كامل، ليس فقط تجاه الخارج وإنما أيضًا تجاه أعضائه، وقد قلت ذات مرة لأحد قيادات الحزب الوطنى وهو «بيتنطط» علىَّ فى مجلس الشعب، «نحن الحزب الوحيد الذى لديه استقلال مالى تجاه الخارج وتجاه أعضائه، اللى هو مش موجود عندكم، لأن لو أثرياء الحزب الوطنى إذا لم يتبرعوا قبل المؤتمر السنوى للحزب، فلن تستطيعوا تنظيم المؤتمر».. فهذه ميزة مهمة جدًّا كانت فى حزب الوفد.
■ كلامك يعنى أن الدكتور السيد البدوى أفقد الحزب استقلاله؟
- نعم.. وقوله إن الحزب ليس بنكًا وليس من المهم أن تكون لديه ودائع. فهذا يعنى أن الحزب قد انتهى، فالدولة ليست بنكًا، فهل هذا يدفعنى إلى إفلاس البلد وأن أترك خزائنها فارغة؟! هذا منطق عجيب، بالإضافة إلى أننى أعتقد أن الجريدة لم يعد لها تأثير فى الفضاء العام نتيجة انخفاض توزيعها، فقد نختلف فى التوجُّه السياسى، وقد أكون على حق وقد تكون أنت على حق، لكن الإدارة المالية ليس فيها مجال لتعدد وجهات النظر والخطأ خطأ، فهناك خلل حدث فى الإدارة المالية أدَّى إلى أمرَين، الأول: هو التعثُّر المالى، مما أفقد الحزب استقلاله، ثانيًا: تعثُّر النشاط الحزبى الذى يحتاج إلى تمويل، لذلك يجرى البحث عن رجال أعمال يموّلون الحزب، وهذا يعود بنا إلى المآسى التى شاهدناها من اختلاط دولة المال بدولة السياسة.
■ الجمعية العمومية الأخيرة لحزب الوفد أُثير حولها لغط كثير، كيف تابعتها؟
- أقول لك شيئًا لم أقُله من قبل، قناة «الحياة» عملت على نقل الجمعية العمومية الأخيرة بثًّا مباشرًا، فكانت كما «الدبة التى قتلت صاحبها»، لأن كل الوفديين الذين تابعوها لم يروا وجهًا وفديًّا واحدًا، أو بمعنى أصح، وكى لا أكون مبالغًا، فإنك تستطيع أن تحددهم بصعوبة بالغة.
■ هل هذا يعنى أن الوفديين باتوا أقلية فى حزب الوفد؟
- ليسوا أقلية، لكنهم غائبون.
■ غائبون أم تم تغييبهم؟
- غائبون لأنه يتم تعيينهم فى اللجان العامة واللجان النوعية، ولذلك فنحن أمام موقف غريب جدًّا، «وفد» بلا وفديين، ووفديون بلا «وفد»، وبالتالى أصبحت المسألة ملتبسة جدًّا، فبعيدًا عن كون «الوفد» يعد تراثًا، لكن له ثوابت تاريخية، وهذا عيب وميزة فى نفس الوقت.
■ كيف تكون الثوابت التاريخية عيبًا وميزة فى نفس الوقت؟
- العيب أن الثوابت التاريخية تفرض عليك إطارًا معيّنًا، أما الميزة فهى أنك فى هذا التيه العظيم الذى نحن فيه تجد ثوابت يتم الاحتكام إليها، وثوابت «الوفد» فى حقيقتها هى ثوابت الحركة الوطنية المصرية، فحين نتحدَّث عن ثوابت الأمة فنحن نتحدَّث عن الاستقلال، وهو لا يعنى فى العصر الحالى خروج جيش الاحتلال، لكن استقلال الإرادة التى تسمح بحماية المصالح الوطنية العليا من الثوابت أيضًا، وتحقيق الديمقراطية، بمعنى أن يكون لهذا الشعب ولهذه الأمة السيادة الكاملة فى اختيار حكامها ومراقبتهم ومحاسبتهم وتغييرهم عندما يتطلب الأمر وفق المؤسسات والإجراءات الدستورية ومعاقبتهم أيضًا.. كذلك قضية الوحدة الوطنية، وهى تعنى الآن «المواطنة»، على اعتبارها مناط الحقوق والواجبات العامة، بصرف النظر عن الدين والجنس والعرق وغيرها، وكذلك قضية العدالة الاجتماعية، كما قال مكرم عبيد عام 1935 فى مؤتمر «الوفد»، لا تتحقق الوحدة الوطنية فى مجتمعات تهمّش فئات الشعب.. كل هذه كانت تحديات ومطالب فى بداية القرن العشرين، وثورة 1919 دارت حولها الحركة الوطنية، وهى أكثر إلحاحًا الآن، ويكفى أن تنظر إلى مَن حولك، لتعرف حقيقة أهميتها وإلحاحها، وسواء تحدَّثت عن الاستقلال أو الديمقراطية أو المواطنة أو العدالة الاجتماعية، التى عندما تغيب يسقط الوطن، وهنا تبدو أهمية ثوابت حزب الوفد.
■ أين التنظيم الحزبى داخل «الوفد»؟
- التنظيم غائب.
■ هل لحزب الوفد أى دور سياسى حاليًّا؟
- أصابه ارتباك كبير.. فالحزب ليس غاية فى ذاته، لكنه وسيلة لتحقيق مصالح وطنية، وبالتالى فله أهداف ومنهج عمل، وإذا لم تكن تلك الأهداف وذلك المنهج واضحَين لديك، فلا يمكن أن تدعو فيُستجاب لك، وإلا سيكون كلامك كما قال المتنبى «هراء كالكلام بلا معانٍ»، وبالتالى يمكن أن تحدث محنة فى أى حزب أو تنظيم سياسى أو جريدة أو شركة، لكن فى النهاية لا بد من مواجهتها وحلها، لكن إذا كان المسؤول عن هذا التنظيم غير مكترث بما يحدث له، ولذلك فإن الانقسام الحادث فى «الوفد» اليوم، فى واقع الأمر هو مواجهة بين فريقَين، أحدهما يسعى لحماية «الوفد» ولو أدَّى ذلك إلى التضحية برئيسه، وفريق يسعى إلى حماية الرئيس ولو أدَّى ذلك إلى التضحية ب«الوفد».
■ ما أشكال التضحية برئيس «الوفد»؟
- التضحية برئيس «الوفد» غير ممكنة فى الوقت الحالى، لأن هذا يتطلب إعادة تنظيم «الوفد»، وتنظيم «الوفد» يكون من الجمعية العمومية، وعندما تكون الجمعية العمومية كائنًا مصطنعًا أو معيَّنًا، فليس هناك حل بالديمقراطية، وعلى سبيل المثال الجمعية العمومية الأخيرة إذا قارنتها بالجمعية العمومية التى سبقتها، التى انتخبت السيد البدوى، أى خلال عام واحد، تجد أنه أُخرج من الجمعية العمومية 800 شخص وأُضيف إليها 1200 شخص.
■ ما طبيعة الذين أُخرجوا من الجمعية العمومية وما طبيعة الذين أُضيفوا؟
- الذين أُخرجوا، يقال إنهم الذين انتخبوا فؤاد بدراوى، أى ليسوا مع السيد البدوى، أما الذين أُضيفوا، فلا أحد يعرفهم.
■ قيل إن الذين أُضيفوا هم عمال لدى السيد البدوى فى شركاته، فهل هذا صحيح؟
- لا أعرف، وأنا لا أعرف الذين يعملون لدى السيد البدوى، لكن هذا الأمر يعرفه أعضاء «سيجما».. فنحن الأن أصبحنا فى موقف أن مَن يعرف ما يدور فى داخل «الوفد» هو مَن يعرف ما يدور فى داخل «سيجما».
■ كيف ترى الدور السياسى للحزب على المستوى القومى فى طرح الأفكار والمبادرات وغيرها؟
- هذا السؤال ليس فى حاجة إلى أن يوجّه إلى شخصى، فأنت من الممكن أن تسأله لأى واحد ماشى فى الشارع وسوف تجد الرد.. فهناك إحساس عام فى هذا الوقت أن ما يريده الرأى العام من «الوفد» فى الوقت الحالى قد يفوق قدرات «الوفد» نفسه، بسبب فكرة التراث وغيره من العوامل التى يتميَّز بها حزب الوفد. لكن مما لا شك فيه أنه بعد الثورة وبعد انهيار النظام الذى كان فيه اختلاط بين الحزب الحاكم والدولة، ولذلك كان يفرض على الأحزاب الأخرى أن تكون خارج المشهد، أى أنه كانت هناك فرصة لأن يكون «الوفد»، بعد الثورة، هو الوعاء الذى يجمع التيارات الرئيسية فى الحركة الوطنية المصرية، وطبعًا خارج تلك الحركة الوطنية المصرية هو التيار الدينى، الذى اختلف مع هذا الوعاء الوطنى منذ البداية، حول مفهوم الوطن والمواطنة، فلا وطن بلا مواطنة ولا مواطنة بلا وطن.
■ كان ل«الوفد» تجربتان بعد الثورة، الأولى كانت التحالف مع التيار الدينى فى الانتخابات البرلمانية الأولى، والثانية التحالف مع أصحاب رأس المال فى الانتخابات البرلمانية التى لم تتم حتى الآن.. كيف ترى تجربة «الوفد» فى التقرب من التيارات الدينية وتجربته فى التقرب من أصحاب رأس المال؟
- عن المرة الأولى، رغم أنه كان تحالفًا يضم عشرات الأحزاب السياسية، لكننا لسنا كباقى الأحزاب السياسية من ناحية التاريخ، فأنت لك خبرة سياسية كبيرة، فإذا قُبل من بعض الأحزاب السياسية الحديثة أن تنظر إلى الإخوان المسلمين على أن شأنهم شأن الآخرين، فلا يجوز هذا لحزب الوفد الذى مارس الحياة السياسية مع الإخوان المسلمين لمدة 70 سنة، وهو يعلم أن لهم مشروعًا لا مكان فيه لمبادئ «الوفد» ومبادئ الحركة الوطنية المصرية.
■ لماذا إذن كان التحالف بين «الوفد» و«الإخوان المسلمين» عام 1984؟
- هناك خلاف بسيط بين هذه المرة والتحالف عام 1984، رغم أن هناك كثيرين يرون، وأنا منهم، أن ما حدث عام 1984 كان خطأ، وقد يكشف التاريخ سبب هذا الخطأ، لكن هذا التحالف كان على مبادئ «الوفد»، ويكفى أن تقارن بين الدعاية الوفدية عام 1984 التى كان شعارها الشيخ والقسيس والمرأة والهلال والصليب، وبين التحالف الذى كان بين الإخوان المسلمين وحزب العمل، الذى كان شعاره «الإسلام هو الحل»، فقد كان تحالف 1984 بشرطى أنا.. أيضًا أقول لك إن عمر التلمسانى، مرشد الإخوان المسلمين وقتها، كانت تربطه علاقة قوية بفؤاد سراج الدين، لأن التلمسانى منذ بادئ الأمر كان وفدى الهوى، كما حُبس مع فؤاد سراج الدين كثيرًا، حتى نشأت بينهما مودَّة، وكان مأمور السجن يأخذهما معًا ليشاهدا مباريات كرة القدم، وذات مرة قال عمر التلمسانى لفؤاد سراج الدين، أنا عندى جيل يريد أن يمارس العمل السياسى، يمكن أن يتطوَّر فى هذه المرحلة ويضيف إلى الحياة السياسية، فقبل فؤاد سراج الدين، والدولة لم تعترض، وأنا أعتقد الآن، ولم أكن أعتقد فى ذلك فى السابق، أن الدولة ربما تكون قد دفعت إلى ذلك.
■ تقصد التحالف بين «الوفد» و«الإخوان»؟
- نعم، كان بإمكان الدولة فى ذلك الوقت أن تقول إن هذه القوائم مرفوضة، لأن بها جماعة محظورة بحكم القانون، ثم سمحت بذلك التحالف فى ما بعد بين الإخوان وحزب العمل، ولذا أنا أعتقد أن الدولة ربما تكون قد دفعت إلى هذا التحالف، وكان نحو 6 مرشحين من 57 مرشحًا، وفؤاد سراج الدين وضع النقاط فوق الحروف من البداية بأن وضع شرطَين، أولهما أن لا يدخل الإخوان فى تشكيلات «الوفد»، وأنه سوف يعرف إذا دخل الإخوان فى تشكيلات «الوفد»، وثانيهما، حين تجتمع الهيئة الوفدية فى البرلمان وتتخذ موقفًا فإنهم يكونون ملتزمين بهذا القرار، وقد التزموا فعلًا حتى خرجوا من التحالف، وقد كنت حاضرًا اللقاء الذى جمع فؤاد سراج الدين وحامد أبو النصر عام 1987، الذى انسحب فيه الإخوان من التحالف، وأعلنوا تحالفهم مع حزب العمل، ووقتها وجَّه فؤاد سراج الدين سؤالًا لأبو النصر: «لماذا الانسحاب؟هو احنا زعّلانكم فى حاجة؟»، فرد قائلًا: «لا.. لم يحدث، لكن نحن هنا بين فكَّى الأسد، لكن هناك (يقصد حزب العمل) سوف نكون ببرنامجنا نحن».
■ هل «الوفد» له مستقبل؟
- أعتقد ذلك، وأعتقد أن ثوابت الوفد...
■ (مقاطعًا).. لكن الثوابت من الممكن أن تكون فى الكتب فقط؟
- ثوابت «الوفد» التى يحملها الوفديون فى تكوينهم لها مستقبل كبير، لكن هل يستطيع الوفديون أن يتمسَّكوا بتلك الثوابت فى العمل السياسى فى مرحلة البناء الجديدة، التى لا بد لنا أن ندخل إليها؟ سوف يكون هذا هو المستقبل، أما إذا عجز الوفديون عن ذلك، فأعتقد أنه سوف ينشأ تنظيم سياسى جديد يستند إلى ثوابت «الوفد»، التى هى ثوابت الحركة الوطنية المصرية.
■ كيف تقيّم خطوة الرئيس السيسى بلقائه جبهتَى «الوفد»؟
- مبادرة مشكورة.
■ هل هذا هو عمل الرئيس، أن يلتقى أطراف النزاع فى قضايا مثل أزمة المحامين و«الداخلية»، وطرفَى الصراع داخل حزب الوفد؟
- الرئيس قد يلتقى المحامين ووزارة الداخلية، لأن هذا شأن عام، لكن هذه سابقة أن يلتقى رئيس الجمهورية طرفَى نزاع داخل حزب سياسى، لكننا فى فترة سقط فيها نظامان، نظام يوليو وبديله جماعة الإخوان المسلمين، فى أقل من 30 شهرًا، فنحن نعيش بين أنقاض نظامَين سقطا، النظام الذى كان قائمًا وبديله، ونحن نتحرَّك نحو بناء نظام جديد، وقد تكون مبادرة الرئيس، فى هذا الشأن، هى محاولة لدعم بعض القوى السياسية التى من الممكن أن تكون عنصرًا من عناصر بناء هذا النظام الجديد.
■ الدكتور السيد البدوى ليس غريبًا عن «الوفد»، لماذا انتهى به الحال فى إدارة الحزب إلى هذا؟ وما خصائص القيادة السياسية التى يجب أن تتوافر فى رئيس حزب الوفد؟
- دور رئيس «الوفد» أن يجمع الوفديين، وبالمناسبة تجميع الوفديين لم يكن أمرًا سهلًا منذ أيام سعد زغلول، وحتى أيام مصطفى النحاس، ولا حتى فى أى عصر من عصور رؤساء «الوفد»، وبالتالى أحد العناصر الأساسية لنجاح رئيس الحزب أن يكون قادرًا على تجميع الوفديين، وأظن أن الدكتور السيد البدوى لم يستطع تحقيق ذلك، ثانيًا: أنه مما لا شك فيه أن حجم أعماله الخاصة ومشكلات أعماله الخاصة أثَّرت إلى حد كبير على إدارته لحزب الوفد، ثالثًا: الخلط بين رجاله فى أعماله الخاصة وشركاته والحزب، وهذا يعود بنا إلى موضوع تحالف «الوفد» مع رجال الأعمال، وأقول لك إن الدكتور السيد البدوى بصفته رجل أعمال وله علاقات، إما صداقة وتحالف وإما عداء وخلافات، لا يجب أن تنعكس على «الوفد». من الممكن أن أكون رجل أعمال وعضوًا فى حزب سياسى، ومن الممكن أن أكون طبيبًا وعضوًا فى حزب، أو محاميًا أو مهندسًا، فهذا شأن وهذا شأن آخر، هذا عمل وهذا عمل آخر، ولا بد من الفصل بينهما.. ومن دلائل ذلك أننا عرفنا ذات مرة أنه كانت هناك محاولة من نقابة المحامين للسيطرة على «الوفد»، وكان فى «الوفد» محامون كبار فى ذلك الوقت يسيطرون على مكتب نقابة المحامين، وكان بينهم خلاف كبير، لكن هذا لا يعنى أن الخلاف بين أجنحة نقابة المحامين ينتقل إلى حزب الوفد، وهذا أحد المواقف التى خلقت مواجهة بين فؤاد سراج الدين وأحمد الخواجة، فما كان ينبغى أن ينعكس هذا الخلاف إلى داخل «الوفد»، كذلك التحالفات والعداوات بين رجال الأعمال، لا يجب أن تنعكس على حزب الوفد.
■ لكن التحالفات الحالية على الساحة الانتخابية هى تحالفات رجال أعمال، فأنت قد تكون مضطرًّا إلى ذلك، خصوصًا مع تراجع المدخرات فى خزينة «الوفد»، هل يكون الحل فى التحالف مع رجال الأعمال، أم يخاطب «الوفد» الشعب بثوابت الوفد؟
- نحن لن نخترع العجلة، لا يوجد فى مكان فى العالم ديمقراطية بلا حسابات، ولا توجد أحزاب بلا تمويل، فالعمل السياسى كما يحتاج إلى جهد أفراد، يحتاج أيضًا إلى دعم مالى، والأحزاب فى العالم حلَّت تلك المشكلة من خلال الاشتراكات وتبرعات أعضائها وبعض الأنشطة أخيرًا مثل الجريدة، وأقول لك، مثلًا، حين اشترى فؤاد سراج الدين مقر حزب الوفد فى المنيرة، كان ب400 ألف جنيه سنة 1985، وتم جمعها من خلال تبرُّع 8 من أعضاء الحزب، كل واحد تبرَّع ب50 ألف جنيه، وبعضهم اقترض المبلغ من البنك، وحين حققت الجريدة ربحًا ماليًّا أعاد إليهم التبرعات، حتى لا يكون هناك نفوذ مالى لأحد داخل الحزب.
■ البدوى خرج فى أثناء أزمة «الوفد» وقال إنك تقف خلف المفصولين من حزب الوفد، فهل أنت تقف خلف تيار إصلاح «الوفد» أم تقف إلى جواره؟
- أنا لست محايدًا فى قضية «الوفد»، وأنا مع تيار إصلاح «الوفد»، ومختلف تمامًا مع توجه الدكتور السيد البدوى، ولكن أنا لا أخوض معركة خلف أحد، فأنا لو كنت أريد أن أقول شيئًا كنت قلته فى العلن، لكنى لا أريد هذا لسببين اثنين، الأول أننى تركت العمل السياسى اليومى، فلا سنّى ولا الحالة الصحية تسمحان لى بذلك، فقد عملت فى عالم السياسة والعمل الحزبى 40 عامًا، وهذا يكفى، لكننى لم أخفِ أبدًا أننى مؤيّد لهذا التيار منذ البداية، فهذا التيار له بيان فى 25 يناير 2011 ولم يكن وليد تلك الأزمة، وقضيتى فى هذا أن هذا الجيل الذى يشكِّل قلب تيار الإصلاح يجب أن يخوض معركته، وأنا لا أفرض عليه أسلوب عمل ولا خط سير ولا أى شىء على الإطلاق، لأنه لو لم يكونوا قادرين على خوض المعركة وتحديد مصير «الوفد» ومستقبله بعد 25 سنة من العمل السياسى، فأكون قد فشلت فى خلق جيل يتحمَّل مسؤولياته ويخوض معاركه.. وفى الحقيقة أننى لم أكن محبًّا لأن يقول الدكتور السيد البدوى هذا الكلام، لأنه من حين إلى آخر يضطّرنى إلى أن أصرّح بما لا أريد أن أصرّح به، حتى لا أظلل على الجيل الجديد الذى يخوض معركته، فأنت لست فى حاجة إلى أن تكون ثاقب الرؤية لتعرف أن حزب الوفد فى محنة حقيقية.
■ ما فرص إصلاح «الوفد» فى المرحلة القادمة؟
- فرص الإصلاح أن يخوض الوفديون معركة الإصلاح وهم مرتكزون على ثوابت «الوفد»، ومنفتحون على القوى السياسية الحية التى تسعى إلى إقامة الدولة الوطنية المدنية الحديثة.
■ هل تكون مشكلة تيار الإصلاح كما يرى البعض فى عدم وجود قيادة تقود هذا التيار فى مواجهة التيار القديم؟
- أنا لا أرى تيارًا قديمًا، بل أرى فردًا سيطر على الحزب فى لحظة تاريخية استثنائية، وأنا من الناس الذين عملوا مع الدكتور السيد البدوى لمدة 25 سنة، وكانت بيننا علاقات جيدة، فى لحظة من اللحظات، وهى لم تكن علاقات عمل فقط، بل كانت فيها علاقات إنسانية، كما كانت هناك علاقات إنسانية بينى وبين الدكتور نعمان جمعة، لكن دائمًا الخلاف مؤلم فى هذه الحالة، وأنا نفسى عاجز عن فهم ماذا يريد سياسيًّا وأين يذهب، فعندما أقدم على إجراءات فصل الأعضاء هل كان يعتقد بذلك أنه سوف يجمع شمل «الوفد» أو أن ينطلق به انطلاقة جديدة؟.. قطعًا، الإجراء خطأ. أم أنه يريد إخلاء «الوفد» من الوفديين الذين خاضوا معارك الحزب؟ لا أحد يعرف الإجابة، لكن فى ضوء ما هو متاح ويمكن أن نراه هناك جنوح وجموح يؤديان إلى الإجهاز على ما تبقى فى «الوفد».
■ إذا كان الأمر كذلك، من أين يأتى هذا التمكُّن والسيطرة والثقة لفترة طويلة؟
- جزء منه قوة المال والخدمات، وجزء آخر قد يكون تحالفات غير مرئية.
■ تحالفات داخل الحزب أم خارج الحزب؟
- خارج الحزب.
■ ما أشكال هذا التحالف؟
- لا أحد يعرف، لأن علاقته ليست ثابتة بأى قوى من القوى السياسية الموجودة على الساحة، فهى تتسم بتقلبات شديدة، سواء مع حزب المصريين الأحرار أو مع المصرى الديمقراطى أو الإخوان المسلمين أو حزب النور أو مع الدولة، وهى علاقات تتسم بالتخبُّط، وحين يصل التخبُّط إلى هذه الدرجة، فمن العبث أن تبحث لها عن أسباب منطقية.
■ دعنا نخرج من حزب الوفد إلى قضية الوطن، كيف ترى خريطة الطريق وإلى أين نتجه؟
- المؤكد أننا خرجنا فى «30 يونيو» من المطب، وهو مطب ما كان لنا أن نسقط فيه، ولكن سقطنا نتيجة سوء إدارة المرحلة الانتقالية، وجهل كبير بطبيعة الإخوان المسلمين.
■ جهل مَن؟
- جهل الذين أداروا المرحلة الانتقالية، فمنذ أن تم استفتاء مارس 2011، الذى نصّ على أن يكون انتخاب رئيس الجمهورية قبل وضع الدستور، فهل يعقل أنك تعيِّن شخصًا لا تعرف ما وظيفته، فرئيس الدولة شخص يمارس سلطات وفق الدستور، فليس من الطبيعى أن تختار الرئيس أولًا ثم تضع له الدستور، فكان هناك ارتباك كبير فى تلك المرحلة، أسهمت فيه التدخلات الخارجية التى وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة فى دفع الإخوان المسلمين للترشُّح وضمان فوزهم، فهل يُعقل أن رئيس دولة يقول لرئيس دولة أخرى «التغيير الآن»، هذا لم يحدث أيام الإمبراطورية الرومانية، فحين تقرأ تصريحات وزير الخارجية البريطانية أيام الاحتلال حين قال «نحن لا نستطيع أن نمنح مصر الاستقلال خوفًا على الأقليات»، تكون النتيجة ردود فعل قمة فى الغضب، من أول الأمراء الذين استنكروا هذا حتى المظاهرات التى خرجت فى الصعيد، وحرقوا السكك الحديدة. هذا حدث وأنت دولة محتلة، فما بالك وأنت دولة، تقول إنك دولة مستقلة، لكن هذا تلخصه مقولة إن قصور الداخل يستدعى دائمًا ضغوط الخارج، وهذا يفسِّر لما سقطنا فى هذا المطب، ثم خرجنا منه سريعًا، لكن الواقع يقول إننا اليوم نعيش بين أنقاض نظامَين، ولا يجوز أن تقيِّد نظامًا جديدًا بأنقاض النظامَين القديمين، وأنا لا أعول على خارطة الطريق التى أعلنت بعد «30 يونيو»، لأننا نعرف ما يجب أن يكون، وهو أن نقيم نظامًا سياسيًّا جديدًا نستطيع أن نلوذ به فى المرحلة القلقة جدًّا فى مصر والإقليم والعالم، لكن هناك صعوبات شديدة ونقاط ضعف كثيرة، لديك اقتصاد واقف، ودولة اختلفت بعيوبها ومزاياها، وعندك وضع دولى متدهور، بالنسبة إلى مكانة مصر. ولذا، لا بد من عودة الدولة وتدوير عجلة الاقتصاد واستعادة المكانة، والحقيقة أننا نتقدم فى كل هذا بعض الشىء، عدا النقطة الرابعة وهى السياج أو إقامة نظام سياسى جديد، يكفل لهذه الأمة أن تلوذ به فى مرحلة الاضطراب الشديد.
■ هل ترى أن الإرادة متوفّرة لدى القائمين على الحكم فى إقامة النظام السياسى الجديد؟
- لا أريد أن أحمّل القصور فى هذا المجال للرئيس عبد الفتاح السيسى، لأن هناك أيضًا فوضى هائلة فى القوى السياسية الأخرى، فهى لا تعرف ماذا تريد وكيف تريد وكيف تسعى لتحقيق هذا.. نحن لدينا جيل جديد من الثوار، سعوا لإعادة تملُّك الوطن. مرة أخرى، فى لحظة كنا فاقدين الأمل فى هذا الجيل، ومع ذلك دبت خلافات وانقسامات بين هذا الجيل، وفى الحقيقة أنا متأكد أن التوافق بين هذا الجيل سيتم، فالذى قام بالثورة قادر على أن يجلس ويتشاور ويتحاور ويصل إلى حلول وتوافق.
■ مرّ عام على حكم الرئيس السيسى، كيف تقيِّم هذا العام بما له وما عليه؟
- لا أحبّذ أن أُقيّم أداء رئيس الجمهورية بالعام، لكن أحب أن أقول إن الدولة بدأت تعود بعد غياب، وأصبح هناك أفق اقتصادى للبلد، نعم إن العجلة لم تدُر بعد، لكن المؤشرات تقول إن هناك طريقًا سوف يمر من هذا المكان، ثم إنك بدأت تفرض الواقع المصرى على الساحة الدولية، لكن تبقى المشكلة فى النظام الجديد الذى لم نفعل له شيئًا حتى الآن، بل إن هناك أُفقًا مسدودًا فى هذا الأمر.
■ لماذا انسد الأفق أمام النظام السياسى الجديد؟
- لأنك لا يمكن أن تقول إننا لدينات انتخابات بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة، دون أن تعرف الفرق التى ستلعب فى تلك الانتخابات.. أنا أفهم أن رئيس الجمهورية المنتخب انتخابًا حُرًّا ومباشرًا، لا يتدخَّل فى تزوير الانتخابات، وهذا صحيح، وكذلك رئيس الوزراء والوزراء، لذلك كانت اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات، لكن لا أفهم أن رئيس الجمهورية يقول إنه لا علاقة له بالانتخابات.. فحين تسأل: ما الانتخابات؟ يرد عليك أساتذة العلوم السياسية بأنها الوسيلة التى تعارفت عليها الدولة الحديثة لتمكين المحكوم من اختيار حاكمه، وقد حدث فى مصر أن اخترت رئيسًا له نصف السطات، وأنه بصدد اختيار المؤسسة الأخرى التى ستتولى النصف الباقى من السطات، وهنا يجب على رئيس الجمهورية أن يحدِّد موقفه من الانتخابات البرلمانية، لأننى سبق أن انتخبت رئيس جمهورية، قد أكون أنا من مؤيديه أو من معارضيه، ولكى تتجسَّد الإرادة الشعبية فى اختيار الحاكم، فلا بد أن أعرف موقف الأحزاب من الرئيس، هل هى تؤيّده أم تعارضه؟ وهذا يتطلب أيضًا موقفًا من الرئيس.
■ الأقرب لهذا، هل هو تشكيل قائمة موحدة أم تأسيس حزب للرئيس، يكون معروفًا للجميع أن هذا الحزب يؤيد الرئيس؟
- نحن.
■ كيف ترى شكل البرلمان القادم؟
- الانتخابات الرئاسية تحدِّد الإطار وشكل البرلمان، وترسم خريطة وتحدِّد شكل الأغلبية البرلمانية، وكان على رئيس الوزراء بدلًا من أن يجتمع بالأحزاب لمناقشة قوانين الانتخابات، ولم يكن أحد قد قرؤها بعد، أن يعرض عليهم برنامج الحكومة، فمن يوافق عليه يكون من المجموعة التى سوف تؤيِّد الحكومة فى البرلمان، ومن يرفض يكون من المجموعة التى سوف تقف ضد الحكومة فى البرلمان، ويمثلون البديل أمام الشعب، لذا فنحن لسنا إزاء حزب للرئيس، لكن إزاء ائتلاف حزبى داخل البرلمان.
■ بناءً على الخريطة الحزبية الحالية، كيف ترى شكل البرلمان القادم؟
- أعتقد أنه لا يمكن إجراء الانتخابات البرلمانية، ما لم يسبقها ما قلته، أن يعدل رئيس الجمهورية وتعدل الحكومة عن فكرة «أنا ماليش علاقة بالانتخابات البرلمانية»، وأن يُطرح برنامج واضح يؤيّده مَن يؤيده ويعارضه مَن يعارضه.
■ ماذا لو لم يتم التحالف أو الائتلاف؟
- قد نواجه حالة الارتباك، ودعنا نفترض لو أن رئيس الجمهورية اختار رئيسًا للوزراء، ولم يحظَ بموافقة البرلمان، من الطبيعى أن البرلمان سوف يختار رئيس حكومة خلال 60 يومًا حتى لا يُحل البرلمان، ومن الممكن أن يختار البرلمان أى واحد حتى لا يتعرَّض للحل، وبعد شهرَين أو ثلاثة تُسحب منه الثقة، وندخل فى دوامة دخلت فيها ديمقراطيات عريقة، ونضطر إلى تعيين الحكومة ثم نسحب منها الثقة، ونعيّن حكومة أخرى ونسحب منها الثقة، ونظل فى تلك الدوامة ولا نتقدَّم، ونحن نحتمل هذا، لأننا بصدد بناء جديد.
■ هل يعود بنا الأمر إلى سياسة الحزب الواحد أو حزب الرئيس؟
- سلطات الرئيس محددة سلفًا فى الدستور، ولن يحدث مرة أخرى أن يختلط الشخص بحزب. نعم، نحن لنا مخاوف، لكن لا يجب أن نبقى أسرى تلك المخاوف، لأنه من غير أغلبية لرئيس الجمهورية فنحن فى أزمة، ومن غير أقلية تعارض وتصحّح المسار فنحن أيضًا فى أزمة.
■ أين تقف المؤسسة العسكرية من نظام الحكم الحالى؟
- المؤسسة العسكرية فى العالم كله، لها دور سياسى لا أحد ينكره، سواء فى أعرق الدول الديمقراطية أو فى الدول التى لا توجد بها مؤسسات أخرى، وفى مصر لأسباب تاريخية كثيرة، منذ أيام محمد علِى، لكن من الخطورة بمكان أن تظل المؤسسة العسكرية هى المؤسسة الوحيدة فى الحكم، لأن الطبيعة لا تقبل الفراغ، ومن ثَمَّ فإن هذا الفراغ لا بد أن يملأه أحد، وما لم توجد مؤسسة تملؤه سوف تعمل المؤسسة العسكرية على ملء كل الفراغ، سوف نقع فى فشل جديد.
■هل انتهت جماعة الإخوان المسلمين؟
- لا يمكن أن نقول إنها انتهت، بدليل ما نراه كل يوم فى الشوارع، لكن يمكن أن نقول إن ما كان يحدث خلال 80 عامًا خلف الستار ظهر للشعب المصرى والعالم كله.
■ العالم العربى الآن، دول تتساقط، جماعات متوحشة تتقدَّم، أنظمة تتفكك ونفتقر إلى الرؤية، كيف ترى هذا؟
- هناك حوار واسع جدًّا بين أساتذة العلوم السياسية حول فكرة الدولة فى الدول الإفريقية، وهم يرون أن إطار الدولة غير مناسب لهذه المناطق، حيث تكون القبيلة المتنقلة هى الوحدة المعول عليها، أما فكرة الدولة والحدود والسلطات والشعب فلا تصادف واقعًا، والمنطقة العربية لا تزال حتى الآن لم تعتمد فكرة المواطنة على اعتبارها المناط الوحيد للحقوق والواجبات العامة، وبالتالى لم تعتمد فكرة الشعب، ومن ثَمَّ فإن السلطة لم تكن سلطة الشعب، وكانت قائمة على القهر لا على توافق، وعندما تتساوى قوة الدولة مع قوة الجماعات تسقط الأنظمة، لأن الهيكل وهمى، والدولة الوحيدة المستثناة من هذا الأمر هى المغرب، حيث يجمع الملك الأمازيغ وكل الأقليات، فالدول العربية لم تعرف فى تاريخها مفهوم الدولة، ولذا تجد مصر استثناء فى هذا الشأن، ومنذ الاستقلال حتى الآن لم تنجح تلك الدول فى تكون دولة حقيقية بمفهومها الحقيقى.
■ أين مصر بين إيران وتركيا وإسرائيل وإثيوبيا؟
- بالنسبة إلى إسرائيل فهذه هى الدولة الوحيدة التى نعرفها، فنحن نعيش منذ 60 سنة فى الخطر الإسرائيلى حتى تعوَّدنا عليه، والعلاقة الخاصة التى تجمع إسرائيل وأمريكا تنقلها من قوة إقليمية إلى جزء من التوازن العالمى، أما تركيا فلم تستقر بعد، ولا تزال بها تفاعلات داخلية، وهى أكثر دولة دخلت إلى الحداثة بقدميها، أما إثيوبيا فهى الخطر الأكبر علىَّ، لأنها تضع يدها على رقبتى، وعدد سكانها يساوى عدد سكان مصر تقريبًا، وبها تركيبة دينية وعرقية داخلية، قد تحدث احتكامات داخلية، تنعكس علينا نحن، لأنها تمتلك ملف المياه.
* كيف ترى أسلوب إدارتنا لهذا الملف؟
** اتسم خلال ال20 سنة الماضة بإهمال يصل إلى حد الإجرام، وأقول لك إن إيران وتركيا وإسرائيل، تستطيع أن تضغط علينا من خلال إثيوبيا، وهى أخطر علينا من السودان.
■ هل انتهت جماعة الإخوان المسلمين؟
- لا يمكن أن نقول انها انتهت، بدليل ما نراه كل فى الشوارع، لكن يمكن أن نقول، أن ما كان يحدث خلال 80 عاما خلف الستار ظهر للشعب المصرى والعالم كله.
■ كيف ترى الموقف الذى تعرَّض له الرئيس السودانى فى جنوب إفريقيا من المحكمة الجنائية الدولة؟
- أنا أعتقد أن رئيس السودان هو السبب فى ما وصل إليه السودان من تفكك، بسبب إدارته السيئة، لكن فى نفس الوقت أحكام المحكمة الجنائة تضع مشكلة حول حدود السيادة الوطنية، ونحن نأخذ تلك القضية باستخفاف تحت ستار حقوق الإنسان، فأمريكا تتحدَّث حول أحكام المحكمة الجنائية الدولية وهى لم توقّع عليها، وهى تستخدمها ضد الدول، لكن لا تقبل أن يستخدم نظام المحكمة ضدها هى، ولا يُقبل أبدًا أن أدعو رئيس جمهورية على أرضى وألقى القبض عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.