ليس الشباب فقط مرحلة سنية، إنه روح وقدرة وهمة وتحد، طاقة فاعلة وليست عجزا، قدرة متفاعلة وليست عزلا أو عزلة، لذا يبدو بعض الشباب شيوخا وهم فى سن المراهقة، من مدخل الشيخوخة والعجز، لا من مدخل الحكمة طبعًا، ويبدو شيوخ تقدم بهم السن لا يزال شبابهم ناضجا ومشعا أملا وحبا وسلاما وإبداعا! أدرك هذا الفقيه الحنفى القديم برهان الدين الزرنوجى (توفى سنة 591 هجرية) حين قال فى ما نقل عنه الخطيب البغدادى فى «آداب طالب العلم» شعرًا (أرويه لكم من الذاكرة): سنى بروحى لا بعد سنينى.. لأسخرن غدا من التسعين سنى إلى السبعين يركض مسرعا.. وروحى ثابتة على العشرين! قد تجد شابا عشرينيا، متشائما يائسا يفتقد أمله فى الوظيفة والزواج، مكتفيا فقط بمتعته أو أبيقوريته، يفعل ما يمتعه، كارها لآخريه! هذا ليس شابا، هذا شائخ! الروح والضمير والأمل.. وتجد آخر مصرا على عدم تطوير مهاراته وقدراته وتوسيع كفاءته وجدارته، مرتكنا وفقط إلى مفهوم الواسطة! الدنيا واسطة وستحقق لى كل شىء، فلا علاقة له بالعالم التواصلى إلا تسلية، ولا علاقة له بالتعليم والجامعة إلا شهادة يحملها، أما الحل والنجاة والطريق الوحيد عنده فهو أن يجد أهله له واسطة ليلتحق بوظيفة مرموقة فى مكان مرموق، وإذا فشلت هذه الواسطة أو لم يجدها يلوم العالم والعصر وزمانه والعيب فيه! هذا شائخ! تجد أيضا مسؤولين شبابا فقدوا البسمة والحوار، واكتفوا بأبهة المكان، فلا يتواصلون إيجابا، مؤمنا بذاته وذاته المنغلقة فقط، وهو فى هذا يشبه دعاة التنظيمات المنغلقة، هذا ليس شابا! إنما شائخ بصورة شاب. وتجد شيوخا يواصلون التعليم والتعلم وروحهم تمتلئ أملا وتفاؤلا وطاقة فى التغيير والتعبير والتواصل والتواضع، فهؤلاء شباب، وإن بدوا شيوخا! هؤلاء طاقة لم يفرغها الزمن، وتحد يتحدى دوراته ومعوقاته قدرة على الفعل وعلى الإنجاز! نحن فى حاجة إذن إلى تحرير مفهوم الشباب والشيوخ من مضامينه الخاطئة، فليس الشباب ميزة ولا الشيخوخة عيبا، ولكن العيب فى الشخص دون تعميم! وهنا نرفض صنمية التفاؤل بمفهوم الشباب، فقد عرفنا بعض المسؤولين الشباب لا يستحقون هذا الوصف! وكذلك نرفض صنمية مفهوم الشيخ وردفه دائما بالحكم، فكم من شيخ كذاب وغير حكيم، وطامع غير طامح، وجامد غير متطور، خبرته فى الحياة تراكم الفهلوة مع النفاق، ويفكك هذا قائمة الأكثر تأثيرا فى العالم العربى مؤخرا، فحسب مجلة «أرابيك بيزنس» كانت أعمار أهم مئة شخصية عربية مؤثرة أقل من 40 سنة، أتى فى مقدمتهم الطفل الإماراتى أديب البلوشى ابن العشر سنوات (10 سنوات)، الذى اخترع وهو لا يزال فى السادسة لوالده المصاب بالشلل كرسيا متحركا، خاصا بذوى الاحتياجات الخاصة من المصابين بشلل الأطفال، وجعله ضد الماء يتصل عبر الأقمار الصناعية بالشرطة والمنزل. ولم يكتف بذلك، بل اخترع عصا لفاقدى البصر تتفرد بنغمات خاصة لتنبيههم فى أثناء المشى، كما ابتكر حزام أمان يقيس نبض قلب السائقين، ينذر الشرطة أو أسرة السائق فى حالة توقف قلبه أو تزايد ضرباته. الشباب روح وطاقة ومبادرة ينبغى أن ترادفها حكمة الشيوخ، والشيوخ حكمة ينبغى أن يرادفها روح الشباب وبراءته، لا خبث الزمان وتجربته الواهنة، من هنا كان بعض الشباب شيخوخة وبعض الشيوخ شبابا!