هذه ليست دولة عجوز فقط.. لكن شيخوختها بدت أبدية بلا نهاية.. حتى إنها خططت لتمديدها.. عبر التوريث/ فالشباب ليس عمرًا ولكن قوة وحيوية وطاقة ونظرة إلى العالم.. وهكذا فإن الرسالة التى وصلت إلى قطاعات تنمو من الشباب.. ليس لكم مكان.. وسنختار حتى امتدادنا.. لتغيبوا أنتم فى قاع القاع.. تنتظرون فتات عطفنا وحناننا.. ولا ينقذكم إلا الالتحاق بقطارنا الذى يدهسكم أو تتهاوى عجلاته.. وبعد أن تذرفوا بعض الدموع لا بد أن تحمدوا الله أن الدولة، إلهكم العجوز، ما زال يسمح لكم بالحياة. لم تنتبه الدولة العجوز إلى أن 65٪ من المصريين تحت الأربعين/ ولا يجدون لهم صوتًا أو صورة.. الدولة ترفض شبابها/ وتقتلهم أيضًا. لم تنتبه لأن المتحكمين فى السلطة/ وكان على رأسهم مبارك/ بدأ حياته بعد الستين/ بدأ عجوزًا وبروح تعيد إنتاج شيخوخة مؤسسات تدافع عن نفسها ضد التطوير والتحديث.. مؤسسات ترفض المحاسبة/ لأنها تريد ضمان الولاءات/ وتريد فرض أهل الثقة/ فتقتل الخبرات أو تتعامل معها على أنها خطر لا بد من التهامه، إما بالابتلاع فى آبار البيروقراطية/ وإما بالاتهامات بالخيانة والعمالة.. يعيش الحاكم فى الدولة العجوز خلف سدود عالية/ يتكلمون عنه أكثر مما يتكلم/ يتحول بعد فترة إلى صورة آلهة فرعونية يبدو الإنسان العادى فى مواجهتها «قزمًا»، لا تكاد العين المجردة تلتقطه. وكما قلت أيام مبارك نفسه: الشيخوخة لا تملك معدتها الرهيبة أدوات الهضم، وكلما ابتلعت شيئًا زادت ضخامتها. هكذا تضخمت صور المسؤولين لتصبح رموزًا تجريدية لا تشير إلى أشخاص بعينهم قدر ما تشير إلى كيان ضخم. ماكينة ابتلاع من الصعب إيجاد بديل لها أو إعادة تصنيعها من جديد. لهذا سقط مبارك بثورة الشباب.. ولا شىء آخر.. لكن الشيخوخة لا تتخلى عن مواقعها بسهولة.. ما زالت الدولة العجوز تقاوم، خصوصًا بعدما وقعت فى أسر الإخوان/ وغزوتهم لاحتلال الدولة وتدميرها لتحقق صورتهم الماسخة فى كتالوجات حسن البنا.. استردت الدولة العجوز فى سنة الإخوان مكانتها/ وأصبح الحفاظ عليها من الخطر الإخوانى بديلًا للثورة عليها/ أصبح استقرار الدولة فى شيخوختها ثورة تبدو أنها الآن موجهة إلى الشباب.. .. نعم الدولة يبدو أنها تعاقب الشباب أو تعيدهم إلى مصحات الترويض باعتبارهم السبب فى الخروج من أسر التماسيح العجوزة الرابضة فى بحيراتها تبتسم.. نعم الشباب فى القفص، بينما تجد الدولة مَن يسامحها/ ويدافع عنها بولع العشاق المتيمين.. ذلك الولع الذى يعفيها من السؤال والحساب، بل ويعتبر النقد أو المطالبة بالمزيد تطلبًا أو مؤامرة.. هكذا اعتبر المتحدث العسكرى أن الهجوم على أسلوب إنقاذ التائهين فى عاصفة سانت كاترين.. «نوعًا من الحس التآمرى..» كما أصيب عشاق الجيش بهيستيريا عنيفة من غضب أصدقاء الضحايا على طريقة وأسلوب الإنقاذ، وبالطبع لم يجد الإخوان مانعًا من تحول الماسأة إلى حفلة تشفٍّ.. هنا الدولة العجوز تنتصر مرة أخرى وتضع حائطًا يمنع محاسبتها أو تطويرها.. فمن سيطور مؤسسة سيقول إننى أفعل المعجزات/ وإن كل ناقد هو حاسد أو متآمر. ماذا تنتظر من مؤسسات لم تحاسب نفسها لا فى هزائم عسكرية مثل 1967/ ولا فى كوارث مثل تصادم القطارات وحرقها أو غرق العبارات.. وهذه مجرد أمثلة لم تكن نقطة تحول وتطوير، بل كانت معركة دفاع عن العجز بمبررات تبدأ بأن هذه «حوادث تقع فى كل الدنيا..» وتنتهى ب«إنكم تتصيدون الخطايا».. وبينهما تسقط التفاصيل ويمنع التفكير والتعلم من المأساة.. وهنا الماسأة.. لأن أهم الدروس من المآسى يعنى عدم التكرار ويبدأ ذلك بإعلان الفشل أو التمعن فى الترهل الذى أدى إلى تعطل الإنقاذ أو عدم فاعليته. وهذا ما كان مرجوًّا من مأساة كمثل التى وقعت على قمة جبل سانت كاترين التى اسمُها دالٌّ وموحٍ «باب الدنيا» على هذا الباب تجمدت أجساد شباب.. هم بالمناسبة نشطاء فى مجال التنمية/ أى أنهم نوع من البشر يرى فى نفسه القدرة على مساعدة الآخرين/ والمشاركة فى تحسين ظروف معيشتهم.. ولهذا فالصور المنشورة لهم جميعًا تطل منها طاقة وحيوية.. تترك ندبة فى القلب والروح وسؤال عن هذه الطاقة التى راحت، بينما الخطاب البليد الذى يبرر الفشل أو الإهمال ما زال صوته عاليًّا.. الحياة فى مواجهة البلادة.. هذا ما أرادته قوة الشباب التى خاضت 3 محاولات لإنقاذ الدولة والمجتمع من شيخوخة امتدت من مبارك إلى طنطاوى ومنهما إلى المرسى، ويبدو أنها تتخيل أنها ستنتصر الآن.. لكن الغريب أن أنصار الشيخوخة/ بما تمثله من عصابات مصالح ومؤسسات بيروقراطية مترهلة تقتل الكفاءة/ هؤلاء منفعلون/ أعصابهم متوترة/ أصواتهم عالية/ قبحهم لا يخجل.. بينما الشباب يتركون صورهم الباسمة على باب الدنيا.. يتركونها بما تحمله من ألمٍ وأملٍ معًا.. من يأس وتحد.. هزيمة وثقة.. هى علامات الانتصارات الصغيرة على الشيخوخة الهائجة.. علامات سنراها مع كل قصة وحكاية معلقة على باب السجن أو باب الدنيا.