لم يكن لديهم شيئ سوي استعراض القوي. سلاحف لم تعرف الحياة الا في عمر الشيخوخة. لم يكن لديهم سوي اظهار السيطرة ، والانياب الاصطناعية ، المغروسة . لا تظهر منهم سوي الانياب، هكذا يبدو ورثة مبارك ، الذي عاش خلف سدود عالية من الامن رغم ان صورته " تلقائي " ، عفوي " ،" ابن بلد"، ظلت السدود تعلو كلما توغل في العمر ، وبدا انه يبدأ حياته بعد الستين ، وانتقلت نفسيته من موقع التواضع او الموظف بدون كاريزمته ، الي صورة ترسمها الشيخوخة للحكام من رئيس الجمهورية الي رئيس المؤسسة .... صورة آلهة فرعونية يبدو الإنسان العادي في مواجهتها «قزماً»، لا تكاد العين المجردة تلتقطه. الشيخوخة لا تملك معدتها الرهيبة أدوات الهضم، وكلما ابتلعت شيئاً زادت ضخامتها. هكذا تضخمت صور المسؤولين في نظام مبارك لتصبح رموزاً تجريدية لا تشير إلي أشخاص بعينهم قدر ما تشير الي كيان ضخم. ماكينة ابتلاع من الصعب إيجاد بديل لها او اعادة تصنيعها من جديد.لهذا سقط مبارك بثورة الشباب.. ولا شيء آخر . سقط بعد سنوات من ترويض الشباب، وامتصاص طاقته الحيوية باليأس والاحباط، والرعب، ليس لدي الرئيس العجوز الا مزيد من اظهار القوة المفرطة، واثارة الرعب هنا هي اورجازم السلطة الشاعرة بجبروتها وعجزها في نفس الوقت عن العودة بالحياة الي البداية. اليوم الشباب هنا بروحه الفضوية ، الهادرة، يجتاح شيخوخة مازالت تغرس اظافرها وانيابها. تبدو السلاحف اقل قوة من التمساح، لكن الشباب يشحنون الطاقة بالروح التي رتبت وجودها في ميدان التحرير. الشيخوخة مازالت تحاول فرض قبضتها، ورغم هشاشة القوة،فانها تحرق جزءا كبيرا من الطاقة الشابة، تحرقها في مقاومة، ودفاع عن الارض التي ربحتها. ربيع الشباب ، تلاحقه شيخوخة ، تبتسم بالطيبة ذاتها التي يعلن فيها التمساح انتصاره، ويحوله الي مهمة مقدسة. الشيخوخة تري انتصارها، انقاذا. والشباب يفتح ابواب خيال ، محبوس، بين اسوار توازنات من صنع الشيخوخة. السلاحف تزحف ببطء ، يثير الشفقة والغضب. والروح في قلب الميدان تلهث مبتسمة بانها مازالت تتحول في المدينة. مازالت تترك علاماتها الصغيرة علي جدران احرقها التمساح والسلاحف اثناء دفاعهم الاخير عن مواقعهم. المدينة قلقة تخرج امراضها، بلطجية يحملون السيوف، يشربون البيرة ويهتفون اسلامية اسلامية ، ثورة بلطجية يتسللون من جحورهم في قلب المدينة ، صديد مدينة تحكمها الشيخوخة وتنظر من شرفتها لتقول للمطاردين في الشوارع ، الباحثين عن يقعة امان، برئاتهم المجروحة بالغازات، الخائُفة من طلقة مقصودة، او عابرة، الاسلحة البيضاء والسوداء تلهو في فضاء ، مشحون ، وشوارع كأنها في حرب، والشيخوخة تبتسم : أمنكم بين انيابي.