ما معنى أن تصمت الدولة فى وضع المُتحرِّج المُكَبَّل قليل الحيلة قصير اليد مكسور العين أمام سيل من أكاذيب وتلفيقات عدد من الصحف العالمية الكبرى التى تنحاز بالمطلق إلى جماعة الإخوان وحلفائها ضد اختيار الشعب المصرى الذى لا لبس فيه بإنهاء حكمهم؟ لقد تجاوزت هذه الصحف أن تفترى على الحق، تحت عنوان الاختلاف فى وجهات النظر، إلى خرق وانتهاك أبسط القواعد المهنية فى التغطية الإخبارية، بتبنى وجهة نظر الإخوان وحدهم، ومساندتهم بالباطل، مع إخفاء الأخبار التى تثبت تورطهم فى جرائم مادية، مع اختلاق تفاصيل غير صحيحة تدعم هذا الخط، مع تزوير وقائع مادية لا اختلاف على صحتها لدى أى مراقب محايد. مثلا، دأب مراسل إحدى هذه الصحف فى تقاريره المتتابعة عدة مرات كل أسبوع، وهو مقيم فى القاهرة منذ سنوات، على افتراءاته التى يزعم فيها الدفاع عن الشرعية التى لا يراها إلا فى أن يتمكن مرسى من إكمال ولايته الرئاسية! بل ويتعمد أن يُسقط تماما جرائم مرسى التى كانت تُوجِب عزله ومحاكمته، مثل عدوانه الصارخ على الدستور بإلغاء مواد وإضافة مواد وتحصين قراراته من المساءلة..إلخ كما لم يتطرق هذا المراسل مرة واحدة إلى جريمة تهاون مرسى، التى عليها شبه اتفاق عام، عندما تنازل عن بعض مسؤولياته وصلاحياته كرئيس إلى المرشد وبعض معاونيه. ولا يذكر هذا المراسل أن مرسى هو الذى تصدر الموقف الإخوانى بالتعنت والرفض القاطع لمطالب الشعب التى تبلورت فى نداء تمرد بإجراء انتخابات مبكرة، بما يتفق مع قواعد الديمقراطية كما تطبقها دول الغرب، كما يتعامى عما حدث أمام عينيه عندما استمر عشرات الملايين فى ميادين مصر منذ 30 يونيو إلى أن استجاب الجيش لها فى 3 يوليو، ويردد المراسل التلفيق الإخوانى بقوله إن الجيش هو الذى قام بعزل مرسى، فى تجاهل تام لما رآه عندما كان على المنصة ممثلون لكل القوى السياسية بل وبمشاركة شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الأرثوذكسية، وكانت عشرات الملايين فى الميادين هى التى تضغط على هؤلاء لاتخاذ القرار. ولما نَضُبَت قريحة هذا المراسل قبل أيام فى الحديث عن جرائم الحكم المصرى، لجأ إلى ابتكار جديد غير مسبوق فى عالم الصحافة، فيما قال إنه عدوان على الحريات، وكان دليله هذه المرة هواجس تنتاب واحدا من النشطاء ضد نظام الحكم بأنه «يشعر» أن هناك نية لاعتقاله، فأخذها المراسل دليلا دامغا على العدوان الصارخ على الحريات فى عهد السيسى! لا يزال هذا المراسل حتى الآن يَلتّ فى عجين الإخوان عن مجزرة رابعة والنهضة وقتل المصلين أمام الحرس الجمهورى، ولكنه يَعبُر كما الكرام على لغو الكلام فيما يتعلق بجرائم الإخوان وحلفائهم بحرق أكثر من 60 كنيسة فى يوم واحد، وعن مجازرهم ضد قوات الجيش وأجهزة الشرطة، وزرعهم للمتفجرات ضد عموم المواطنين، وتدميرهم لأبراج الكهرباء وأنابيب الغاز وأعمدة التليفونات، ولا يستخلص من تصدى الدولة لهذا الإرهاب الدامى المبرمج إلا سطرا واحدا يكرره كل بضعة أيام أن أجهزة الدولة تطارد «مدنيين» وتقتلهم فى الشوارع، دون حتى أن يذكر الأسلحة التى كانت فى حوزتهم والتى منها مضادات للطائرات والدبابات، ولم يذكر اعتراف قيادى إخوانى على الموقع الإلكترونى للجماعة بأنهم قاموا بعمليات ضد مؤسسات الدولة التى تهاجم الجماعة مثل القضاة والجيش والشرطة فى إطار ما سماه «القصاص»! وبعد كل هذا لا يرى هذا المراسل إلا أحكاما جائرة ضد هؤلاء المجرمين، ويتغاضى عن أن الأحكام تصدر بقوانين موروثة من عصر مبارك الذى كانت صحيفته تؤيد نظام حكمه، وأنه ليس فى سلطة القضاة تعطيل هذه القوانين، كما أن الإخوان عندما ورثوا هذه القوانين لم تبدر عنهم أمارة جدية واحدة أنهم ينوون إصلاحها، وكان يمكنهم هذا بعد استيلائهم على غرفتى البرلمان، إلا أنهم أصرّوا على استمرار العمل بها لأنهم وجدوا فيها منفعة لهم بالاستفادة من تكبيلها لخصومهم فى السياسة، فلما انقلبت عليهم الآن، أفاقوا إلى أنها قوانين جائرة يجب تغييرها لأنه لا يجوز أن يحاكَم بمقتضاها أحد فى القرن الواحد والعشرين! ما يقترفه هذا المراسل هو وسيلة إيضاح تعليمية للأخطاء الصحفية الفادحة التى يتعلم دارسو الصحافة أن يتجنبوها حتى قبل أن يدخلوا عالم الاحتراف! فلماذا تسكت الدولة عن هذا الفعل الفاضح؟ خاصة أنه يأتى من صحف لها تاريخ عتيد فى المجاهرة بهدر حق مصر وفى ازدراء اختيارات المصريين، منذ تأييدها للعدوان الثلاثى فى 1956، وحتى التزوير الدعائى عن انتصار إسرائيل فى حرب 1973..إلخ لا يمكن الارتكان إلى القول بأن هذه الصحيفة ومراسلها ينطلقون من موقف سياسى ما، لأن فضائح الفيفا الأخيرة، لا تعصم أى مؤسسة مهما عظم قدرها من الشبهات! كما أن أكثر المدافعين عن الحق فى اتخاذ أى موقف سياسى لا يوافق على تأسيس حجة هذا الموقف بالتزوير والتلفيق والحجب العمدى للحقائق! أين المخابرات الوطنية وأجهزة جمع المعلومات والتحرى فى تعقب التمويلات التى يتحصل عليها هذا المراسل وصحيفته؟ ولماذا تتركهم الخارجية والإعلام يأمنون وهم يخرقون القواعد المستقرة فى الصحافة والإعلام؟ لماذا لا تتحرك ضدهم الشكاوى الموثقة إلى كل المحافل المختصة بحرية الصحافة فى الأممالمتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية المعنية؟ لماذا لا ننشر إعلانات مدفوعة الأجر فى الصحف المنافسة لهؤلاء تتضمن رصدا علميا للأخطاء المهنية مدعوما بالحقائق؟ نحن فى عالم يُراعى الأقوياء حتى إذا جاروا على الحق، ويدهس الضعفاء حتى إذا كانوا أصحاب الحق!