من يطالع وسائل الإعلام الإسرائيلى ويتابع مزاج الرأى العام فى الدولة العبرية خلال أسابيع العدوان الوحشى ضد غزة لابد أن يصاب بالصدمة من تبلد الإحساس تجاه جرائم قتل الأطفال والنساء والشيوخ بعد هدم البيوت والمدارس والمستشفيات على رؤوس قاطنيها حيث لم يعد فى إسرائيل صوت يعلو على أصوات اليمين المتطرف. لم يكن هناك فى إسرائيل سوى دق على طبول الحرب فى البرامج التليفزيونية وتسخين وتأجيج المشاعر بمانشيتات ملتهبة فى معظم الصحف بلغت حد القول فى إحدى الصحف «حان زجر حماس» وأخرى تقول «ممنوع وقف الضرب» وثالثة يتصدرها مانشيت: «رغم الألم من فقد جنودنا فإن إسرائيل ترفع رأسها عاليا». وعلى غير العادة لم تنتقد الصحف الإسرائيلية قرار قيادة الجيش بمنع المراسلين العسكريين الذهاب إلى أرض المعركة، وارتضت جميع الصحف أن تبنى تغطياتها الإخبارية اعتمادا على البيانات والصور التى تصدر عن مكتب المتحدث العسكرى الإسرائيلى وحتى عندما تقرر السماح للمراسلين بالذهاب إلى منطقة الحدود مع غزة بعد 18 يوما من بدء العدوان فإنه لم يكن سماحا مطلقا بحرية الحركة وحرية التصوير وإنما كانت هناك قيود مبالغ فيها تكشف وتعرى أكذوبة حرية الإعلام فى إسرائيل. صوت واحد فقط قرر المغامرة والتغريد خارج السرب هو صوت صحيفة «هآرتس» الناطقة بلسان التيار اليسارى التى اعتبرت موقف المباركة والتبرير لجرائم القتل والترويع بأنه يعكس خيانة فاضحة من الصحافة الإسرائيلية للأمانة المهنية وكانت نتيجة ذلك أن تعرض صاحب الصحيفة «عاموس شوكن» إلى تهديدات مباشرة بالإيذاء الجسدى بينما قررت معظم الشركات والمؤسسات التجارية حجب إعلاناتها عن الصحيفة عقابا على كلمة الحق التى لم تكن دفاعا عن الأطفال الأبرياء فى غزة وإنما كانت جرس إنذار من مخاطر الانزلاق نحو مزيد من السقوط السياسى والأخلاقي. والعجيب أن الإعلام الغربى لم يشر بكلمة واحدة لمحاولة كتم أنفاس صوت واحد قرر أن يغرد خارج السرب ولم نسمع أحدهم يتكلم عن انتهاك حرية الصحافة!. خير الكلام: أساس الفن «المحاكاة» وأساس السياسة «المواجهة»!. لمزيد من مقالات مرسى عطا الله