جامعة عين شمس تطلق النسخة الكبرى من الملتقى التوظيفي لعام 2025 (التفاصيل)    وزارة العمل تعلن عن 2914 فرصة عمل جديدة في 13 محافظة ضمن نشرة التوظيف نصف الشهرية    بعقد 150 ندوة علمية.. أوقاف الفيوم تواصل فعالياتها التثقيفية والدعوية لترسيخ القيم الدينية    محافظ أسيوط: نشر الوعي بمخاطر الإدمان مسؤولية مجتمعية    «القومي للطفولة والأمومة» ينعى الأطفال ضحايا حادث "التروسيكل" بأسيوط    تموين شمال سيناء تشدد الرقابة على محطات الوقود بعد زيادة أسعار البنزين والسولار    كامل الوزير يوضح حقيقة عرض مصر على السعودية أرض مصنع الحديد والصلب بحلوان    الإسكندرية تبدأ توسعة طريق الحرية.. مشاريع لتحسين الحركة المرورية لمدة شهر كامل    عبدالعاطي: ندعو الهند للاستثمار في مصر.. وجايشانكار يشيد بدور القاهرة في السلام بالشرق الأوسط    «حماس فازت بشرف وإسرائيل خسرت».. اختراق «أنظمة إذاعة» 4 مطارات في كندا وأمريكا    فاينانشال تايمز: السعودية تجري محادثات مع أمريكا بشأن اتفاقية دفاع قبل زيارة ولي العهد للبيت الأبيض    مقتل 7 جنود باكستانيين وإصابة 13 إثر هجوم انتحاري    الهلال الأحمر يدف بأكثر من 4 آلاف طن مساعدات إنسانية وبترولية إلى غزة    أرتيتا: الفوز بالمباريات الحاسمة طريق أرسنال للتتويج بالدوري الإنجليزي    مواعيد مباريات اليوم الجمعة والقنوات الناقلة    حمد الله يغيب عن مواجهة الشباب والأهلي في الدوري    نيدفيد: المنافسة على الدوري ستكون بين الأهلي وبيراميدز    منتخب مصر يتقدم والمغرب تتراجع.. «فيفا» يكشف التصنيف العالمي للمنتخبات    وزارة الرياضة تصدر بيانًا رسميًا لمواجهة محاولات تجنيس اللاعبين المصريين    الزمالك في معسكر مغلق اليوم لمواجهة بطل الصومال بالكونفدرالية    القليوبية.. مصرع 3 أشخاص وإصابة 4 آخرين في حادث تصادم بطريق شبرا بنها الحر    أمطار ورياح.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجات الحرارة    القبض على تشكيل عصابي تخصص في النصب على راغبي شراء الشقق السكنية بالقاهرة    السكة الحديد: تعديل مواعيد بعض القطارات على الوجه القبلي (جداول التشغيل)    إنقاذ مسن احتجز داخل شقة بالطابق الخامس في مدينة نصر    «الداخلية»: ضبط مقاول أطلق النار من بندقية آلية احتفالًا بزفاف شقيقه في شمال سيناء    الأقصر أرض التاريخ المصرى القديم تستضيف 100 مغامر أجنبى من 15 دولة بفعاليات رياضية الباراموتور.. بهجة وفرحة بين الأجانب بالتحليق المظلى فوق معابد ومقابر الملوك وشريط نهر النيل.. ومغامر فلسطينى يشيد بسحر المشهد    منة شلبي: «بختار الأدوار بإحساسي بس ويا رب أكون صح»    لتنفيذ مشروع بوابة تراث مصر.. بروتوكول تعاون بين «السياحة والآثار» و «الاتصالات»    عبد الرحيم كمال ينعي الفنان أشرف بوزيشن: كان رجلا طيبا وجميلا ربنا يرحمه    عيسى زيدان: نقل الآثار ليس سهلا ويتطلب خبرات خاصة وإجراءات دقيقة    «الثقافة»: تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني عبقرية مصرية تبهر العالم    نيللي كريم: معجبتنيش تجربتي في 15 حلقة.. وعندي مشروع درامي رمضان 2026    الاتصالات والسياحة توقعان بروتوكولين لرقمنة التراث المصري ورفع كفاءة خدمات الاتصالات بالمواقع الأثرية    عالِم أزهري: «ادفع بالتي هي أحسن» قانون إلهي في تربية النفوس ونشر الخير    الصحة: رؤية إنسانية جديدة في المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية    كيف تكتشفين أن طفلك متأخر لغويًا من الشهور الأولى؟.. أخصائية تخاطب توضح    وزير الصحة يلتقي نظيرته البحرينية لتعزيز التعاون الصحي وتبادل الخبرات بين البلدين    السبكي: منظومة الدواء في التأمين الصحي الشامل إلكترونية بنسبة 100%    أسماء المرشحين على مقاعد الفردي بدوائر محافظة مرسى مطروح لانتخابات مجلس النواب 2025    اليوم.. إقامة صلاة الاستسقاء بجميع مساجد الإمارات    أحكام وآداب يوم الجمعة في الإسلام... يوم الطهارة والعبادة والتقوى    ننشر أسماء ضحايا ومصابي الحادث المروع بطريق شبرا بنها الحر    وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تلتقي رئيسة بنك الاستثمار الأوروبي خلال فعاليات الاجتماعات السنوية للبنك الدولي بواشنطن    العلماء يؤكدون: أحاديث فضل سورة الكهف يوم الجمعة منها الصحيح ومنها الضعيف    مواقيت الصلاه اليوم الجمعه 17اكتوبر 2025فى المنيا.....اعرفها بدقه    8 قرارات جمهورية مهمة ورسائل حاسمة من السيسي بشأن أضرار سد النهضة الأخيرة    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة في بورصة الدواجن    جامعة قناة السويس تطلق دورة تدريبية لمواجهة الأزمات والكوارث بالتعاون مع "الكشافة الجوية"    نيوزيلندا تعيد فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي    اليوم.. المصري في ضيافة الاتحاد الليبي بذهاب الكونفيدرالية الأفريقية    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يخوض المران الختامي اليوم استعدادًا لمباراة «إيجل نوار»    حقيقة ارتفاع أسعار مواد البناء خلال الفترة المقبلة بسبب إعمار غزة    محافظ بورسعيد يعتمد تعريفة الركوب الجديدة بعد زيادة البنزين والسولار الجديدة    ننشر تعريفة الركوب الجديدة لسيارات الأجرة والتاكسي بالخطوط الداخلية والخارجية بالمنوفية    فلسطين.. الاحتلال يدمر سيارة مواطن خلال اقتحام حي المخفية في نابلس    أشرف زكي: لا يوجد أي منصب في الدنيا يجعلني أترك النقابة.. والاستقالة لسبب داخلي    تفاصيل لا يعرفها كثيرون.. علاقة فرشاة الأسنان بنزلات البرد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سجن تدمر بسوريا.. جهنم التي صارت رمادا
نشر في التحرير يوم 31 - 05 - 2015


كتب - محمد شرف الدين
"سجن تدمر في سوريا، سالت الكثير من الدماء وراء قضبانه، ولو أحرق فلن تُطهر نيرانه روح الصحراء التي سلبت آلاف الأرواح ظلمًا"، هكذا وصف موقع "كريمينال جاستيس" السجن الذي صار جزءًا من التاريخ عقب تدميره أمس على يد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، لتُطوى صفحته كما طوت جدرانه صفحات حياة ضحاياه على مدار نصف قرن من النيران والدماء.
اليوم هو 27 يونيو 1980، مروحيات الجيش العربي السوري تحلق في عتمة الليل متجهة إلى تلك البقعة الصحراوية التي تبعد 200 كيلومتر شمال شرقي العاصمة دمشق، إنه سجن تدمر المكتظ بآلاف المعتقلين السياسيين مختلفي التوجهات، يجمعهم شيء واحد في هذا المكان، هو أن النظام السوري بقيادة حافظ الأسد يراهم يمثلون خطرًا، كل من يتنفس بصوت عال يمثل خطرًا على النظام التقدمي المقاوم الذي اعتاد أن يتلقى الهزائم النكراء كلما إصطدم بإسرائيل، التي وصل جيشها إلى مسافة 40 كيلومتر فقط من دمشق خلال حرب 1973.
نحو 200 جندي من قوات سرايا الدفاع الخاضعة لقيادة شقيق الرئيس السوري "رفعت الأسد"، تهبط من المروحيات إلى ساحة السجن وتنقسم إلى 6 فصائل، يتجه كل منها إلى أحد المهاجع حيث آلاف السجناء - معظمهم من الإسلاميين - يغطون في نومهم وسط كوابيس عن "حفلات التعذيب" التي تنتظرهم بالغد، ولكن يبدوا أنهم لن يتعرضوا للتعذيب مجددًا، ما بين 1000 إلى 2000 سجين لم يجدوا الوقت الكافي للصراخ، فقد اخترقت الرصاصات أجسادهم وهم نيام، احتاجت إدارة السجن نحو أسبوعين لتنظيف الدماء التي خلفتها المجزرة، والتي جاءت ردًا على محاولة اغتيال فاشلة لحافظ الأسد، أُتهمت بتنفيذها جماعة الإخوان المسلمين.
يقول "أسامة الحلاق" الذي أُعتقل بالسجن في 24 فبراير 1981، أي بعد 8 شهور من المذبحة "رأيت آثار الطلقات على سقف وجدران المهجع، وكان من جملة ما رأيته قطعة من فروة رأس أحد السجناء ملتصقة بسقف الغرفة".
ويضيف الحلاق "ما بين عام 1980 و1996 كان زبانية النظام يدفنون الجثث في منطقة قريبة من السجن، تسمى "وادي عويضة"، حيث دُفن هناك ما يزيد على 20 ألف سجين، ممن قضوا تحت التعذيب، أو أُعدموا في باحات السجن، أذكر أني رأيت إعدام 200 شخص في يوم واحد، وبعد أن يتم الإعدام تأتي شاحنة كبيرة، حيث كان يمسك اثنين من الجنود بالجثة ويلوحون بها ثم يرمونها داخل الشاحنة، وكنا نحصي عدد الجثث من صوت الارتطام".
"يبدو أن السجن قد تم تصميمه لإحداث الدرجة القصوى من المعاناة والإذلال والخوف على السجناء، وإبقائهم تحت سيطرة مطلقة عن طريق كسر أرواحهم".. منظمة العفو الدولية 2001
يعود تاريخ السجن إلى الثلاثينيات من القرن المنصرم، عندما أنشأته السلطات الفرنسية كثكنة عسكرية، بالقرب من آثار مدينة تدمر "Palmyra" عاصمة الملكة زنوبيا "Zenobia"، التي أعلنت عصيانها ضد الدولة الرومانية وخاصت ضدها حروبًا طويلة في القرن الثالث الميلادي، ونجحت في ضم الشام ومصر والعراق وآسيا الصغرى تحت سيطرتها، قبل أن تسقط هي وعاصمتها في قبضة الإمبراطور الروماني أورليانوس "Aurelianus" في عام 272 م.
في عام 1966 تحولت الثكنة الفرنسية القديمة إلى سجن جهنمي، تقول منظمات حقوقية سورية ودولية إن الآلاف قد سُلبت أرواحهم داخل ثناياه المرعبة في الفترة ما بين 1966 و2001 عندما صعد بشار الأسد إلى سُدة الحكم، وأعلن إغلاق السجن سيء السُمعة، في محاولة لإيهام العالم ببدء عهد جديد، ولكنه في الحقيقة كان قد نقل معتقليه إلى سجن صيدنايا الذي يبعد 30 كم عن دمشق، والذي لا يقل زبانيته وحشية عن نظرائهم في تدمر، ففي 5 يوليو 2008 فتحت الشرطة العسكرية بصيدنايا النيران على السجناء وأردت منهم عشرات القتلى.
"الحياة في تدمر أشبه بالسير في حقل ألغام، فقد يفاجئك الموت في أي لحظة، إما بسبب التعذيب، أو وحشية السجَّانين، أو المرض، أو الإعدام".. منظمة العفو الدولية 2001
مع اندلاع الثورة السورية في منتصف مارس 2011 أعاد بشار الأسد إطلاق وحش تدمر على شعبه، حيث افتتح السجن من جديد ليستقبل نحو 20 ألف معارض، قضى العديد منهم تحت التعذيب.
علي أبو دهن، الذي أُعتقل في سجون النظام السوري بين عامي 1987 و2000، ومؤلف كتاب "العائد من جهنم"، يتحدث عن معتقلي تدمر قائلًا "إضافة إلى العذاب النفسي والجسدي الذي يعانونه، فهم يعيشون خارج الواقع مغيبين قسرًا عن كل ما يحصل في الخارج، لا أستبعد أنهم يظنون أنّ ما يحصل حولهم هو اجتياح إسرائيلي لسوريا!».
"سجن تدمر العسكري أصبح مرادفًا للمعاناة والألم، وتُجرّد الأوضاع فيه الإنسانَ من إنسانيته وتهبط به إلى مستوى بهيمي".. منظمة العفو الدولية 2001
تُعد رواية القوقعة للكاتب مصطفى خليفة من أشهر ما كُتب عن السجن، حيث يحكي فيها الكاتب المسيحي الذي اعتقله النظام السوري بتهمة الانتماء للإخوان المسلمين معاناته في أعماق جحيم تدمر، يقول خليفة في روايته "في السجن الصحراوي، سيتساوى لديك الموت والحياة، وفي لحظات يصبح الموت أمنية"، ومن المؤلفات التي تناولت الأمر أيضًا "من تدمر إلى هارفارد" للدكتور براء سراج، الذي قضى 12 عامًا من عمره داخل السجون السورية.
في 13 مارس الماضي، أعلن المرصد السوري لحقوق الانسان أنه تمكن من توثيق تصفية 12 ألف و751 معتقلًا داخل سجون النظام السوري منذ انطلاق الثورة، موضحًا أن من بين الضحايا 108 أطفال، دون سن ال18.
ربما لم تكن سيطرة "داعش" على تدمر بالخبر السعيد بالنسبة للكثيرين ممن يرون التنظيم لا يقل وحشية وإرهابًا ودموية عن نظام البعث السوري، ولكن ربما لم يستطع الكثيرون أيضًا من أهالي الضحايا الذين قتلوا وفُقدوا في غياهب هذا الصرح الدموي أن يحبسوا دموعهم وهم يشاهدونه ينفجر متحولًا إلى رماد، بعدما كانت كل وظيفته خلال 5 عقود من الزمان أن يحيل البشر إلى تراب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.