كتبت - أميرة إبراهيم: ترسانة الإسكندرية.. حلم حققه محمد علي، نفذ من خلالها خطته التوسعية، قبل أن تغتاله القوى الاستعمارية الأوروبية، في النصف الثاني من القرن التاسع والعاشر. عادت مصر لتوقظ الحلم وتتبنى إحياء الترسانة البحرية، في الستينيات، على يد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، لكنه أيضًا وُئِد مع كل مظاهر النهضة، بعد هزيمة 1967. وأشار الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى إنقاذ الدولة للترسانة البحرية، حيث رفضت وزارة الدفاع، مخطط خصخصتها، واشترت الترسانة في 2007، لأنها أمن قومي، ونجحت في تحويلها من شركة خاسرة إلى شركة تستعد للأرباح، حسب تعبير السيسي. نهضة مصر قصة ترسانة الإسكندرية بدأت عندما كلف محمد علي باشا، المهندس الفرنسي "دي سيريزي" بإنشاء "دار صناعة السفن بالإسكندرية"، وتم بناؤها عام 1831. قبل ذلك ب 19 عامًا، فكر محمد علي في إنشاء أسطول بحري قوي، فأصدر أوامره بجمع الأخشاب من أنحاء مصر، وصُنعت 15 سفينة كبيرة من خشب شجر التوت، والنبق، والأخشاب التي جلبت من بلاد الشام بأمر السلطان العثماني، وكانت السفن تصنع أجزاءً في بولاق، ثم تحمل على ظهور الإبل إلى السويس. وحتى بعد هزيمة نفارين، ظل محمد علي مهتمًا بتقوية البحرية، وأصر على إنشاء ترسانة الإسكندرية، وقرر في 1827 بناء ترسانة لتصنع ما يحتاجه الأسطول، واستعان بالخبرات الفرنسية والمحلية. ترسانة محمد علي، ضمت 4 أحواض لصنع الفرقاطات، والسفن الأقل شأنًا، وبطول الأرصفة أقيمت ورش لصنع الصواري، والأشرعة، ثم أضيفت إلى هذه المنشآت بناء منازل لسكنى مديري الترسانة ومستخدميها، و10 شوادر لتخزين الأخشاب المستخدمة في صناعة السفن، ووضعت في المنتصف خلف أحواض بناء السفن ورش لصنع المداخن، وصب الرصاص، وعمل البراميل، وكذلك المخازن العامة، والمسبك، وورش الحدادين، ومصنع للحبال وأتى محمد علي بكراكات من أوروبا لتعميق مياه ميناء الإسكندرية. وفي برقية أرسلها دي روسيتي، القنصل الإيطالي بالإسكندرية، إلى حاكم ليفورنو، بشأن ترسانة الإسكندرية البحرية، في 10 أبريل 1828، قال حرفيًا: "بعد إنشاء عظمة الباشا لترسانة رائعة هنا، قرر عظمته عدم التوصية ببناء أية سفن أخرى في أوروبا؛ ولذلك أجل تكليف بناء السفينة الشراعية الذي كان قد سبق أن أوكل السيد فرنانديز للقيام به، آمرًا إياه بأن يرسل إلى هنا على الفور الأخشاب والآلات وجميع الأشياء التي في حوزته. وهذا القرار يعتبر مخيبًا بعض الشيء لهذا الميناء، ولكنه قرار عام، ولا أستطيع إلغاءه". نهضة ناصر انهارت ترسانة الإسكندرية، بعد رحيل محمد علي باشا، وظلت كذلك، حتى عهد جمال عبد الناصر، وبالتحديد عام 1956، وذلك حين اتفق مع الاتحاد السوفيتي على تشييد "شركة ترسانة الإسكندرية، التي عُرِفَت باسم "سد عالي الشمال. أُسند المشروع إلى الاتحاد السوفيتي، بتكلفة 23 مليون جنيه، على أن يتم تسليمه عام 1967؛ وكان المستهدف هو: "الوصول إلى بناء سفن تجارية حمولة خمسين ألف طن وإصلاح سفن إجمالي حمولاتها نحو مليون ونصف مليون طن وتلبية الاحتياجات الحربية لقطع أسطول السلاح البحري". اقترح السوفييت إقامة المشروع على مساحة نحو 400 ألف متر مربع، أُقتطعت من ميناء الإسكندرية، واستغرق بناء الترسانة نحو 19 عامًا، بداية بمرحلة التأسيس من عام 1956 إلى 1962، ثم مراحل الإنشاء والتدريب وتجارب التشغيل. وفي عام 1976، دخلت الترسانة مرحلة الإنتاج المنتظم، وبلغت التكلفة الاستثمارية النهائية لبناء الترسانة، نحو 55 مليون جنيه. وفي أثناء مرحلة تجارب التشغيل، تم بناء 6 سفن بضائع لحساب الاتحاد السوفيتي. أما مرحلة الإنتاج المنتظم، فقد بدأت ببناء 6 ناقلات حمولة 6500طن، في عامي 72 و1973، ضمن برنامج بناء 30 ناقلة لحساب السوفيت وبناء 4 سفن بضائع جافة حمولة 3800 طن، ثلاثة منها للاتحاد السوفيتي وسفينة واحدة للشركة المصرية للملاحة البحرية، وبلغ إجمالي عدد السفن التي أنتجتها الترسانة على مدى 23 عامًا من عام 1970 إلى عام 1993 نحو 28 سفينة. ولم يتحقق هدف بناء سفن حمولة 50 ألف طن، حيث كانت أقصى حمولة وصلت إليها الترسانة، هي بناء ناقلتي حبوب حمولة 38 ألفًا و500 طن لكل منهما. وانطفأت نهضة "ترسانة الإسكندرية" بعد نكسة 1967، كما باءت محاولات إنقاذها في التسعينيات، بالفشل، لتشتريها القوات المسلحة قبل خصخصتها عام 2007، وتحولها من شركة خاسرة إلى شركة مستعدة للربح، حسبما قال الرئيس السيسي.