بحثت فى أصل كلمة «ردح» فى لسان العرب، فوجدته يعنى بسط الشىء بالأرض حتى يستوى بها، ومن معانيه العظمة، فيقال دوحة رداح أى دوحة عظيمة! ولكن ما علاقة هذا بما نطلق عليه ردحا فى لغتنا العامية وحياتنا اليومية العادية، فقد كان الخوف ونحن صغار من امرأة ذات حمق يمكنها أن تردح لأى رجل، فتبسطه بالأرض، أى تساويه -أو كرامته- بالتراب، نظرا لقدرتها على الكذب وإلقاء التهم والافتراء والتحدى ولعن عرضه وعرض أهله مرة واحدة! وكثيرا ما ارتبطت صورة الرداحة عندنا بتشغيلها أصابعها بطريقة غير مقبولة كناية عن التحذير أو كناية عن الفاحشة والتفحش! فالردح مرتبط بثقافة الافتراء والفضح زورا فى ثقافتنا المعاصرة، ومن هنا يصف بعض المراقبين والباحثين ما تشاهده بعض برامج التوك شو مصريا بالردح أيضا، حيث الفضائح والافتراءات والتشويه، وتحول كثير ممن ينسبون للنخبة حينا من إعلاميين وصحفيين بل وأكاديميين ومن يوصفون بخبراء وساسة وقضاة وأحيانا مسؤولين كبار لرداحين! يستطيعون الافتراء وتزوير الحقائق وتسفيه الخصم وتشويهه زورا وبهتانا أو حقيقة! يستطيعون فى لحظة تحويل القضية الموضوعية لذوات، فصرنا نسمع ونشاهد فضائح على الهواء، وإسفافا غير مقبول بين مختلفين، هذا يتحدث فى عرض أم وآخر يتحدث فى عرض زوجة وثالث يخوض فى أعراض، وكلهم يلوحون ولا يتكلمون! والردح لا يقف عند الشخصى والذاتى الافترائى والاتهامى، المعروض على الجماهير والمفضوح أمامهم، فيتحول القبح المفترض نموذجا للتبرير لا قدوة حسنة للتأسى، بل يمتد هذا الردح إلى ما هو أكبر وأعلى من القضايا الكبرى، فتجد من لم يقرأ شيئا يوما مثلا عن الشيعة يحكم على الفكر الشيعى! ومن لا يعرف الألف من كوز الذرة عما يحدث فى اليمن يفتى فى اليمن أو إيران أو تركيا أو الخليج أو أمريكا، ويتهم ويحاكم، ومن يخالفه عليه أن يكون مستعدا لنيل اللعنات والحركات على أم رأسه! ومن لم يقرأ يوما شيئا عن قضية خارج مصر يحكم على كل شىء خارج مصر! ومن لا يعرف سياق قضية أمنية أو قضائية ما يسارع بالاتهامات إلى من يؤيده أو يخالفه، محتقرا أى خلاف، ومحتكرا حقيقة مال إليها دون بينة ودون برهان! كما أنه يمتد إلى الاهتمام بتوافه الأمور، بدءا من أغنية كذا التى تثير الغرائز، ويتم شغل المجتمع بها، لأخطاء بعض كبار البيروقراط وإهاناتهم فئات وقطاعات عريضة من الشعب، بحجة أنهم أفضل، كقصة ترفع ابن الباشا اللى مش باشا بعد إلغاء الباشاوية!!! عن تعيين ابن الزبال المحترم الشريف، والاحترام جوهر وليس عرضا، وكسب وليس هبة، فى مناصب كالقضاء أو ما شابه! هذا ردح وذاك ردح، وصرنا نسبح فى بحر من الردح. مشكلة منجنيق الردح وخطورته أنه أسلوب ترهيبى وإرهابى، كما أنه يكرس ثقافة الكذب والانحطاط والادعاء.. فبه يعتزل الشريف وينعزل المحترم ويسود القبح حتى يصير ثقافة، وحين يسود القبح يسود التخلف ويبقى! الأمية الأخلاقية وسؤال الأخلاق منظومة القيم التى تحكمنا ينبغى أن تتغير! ولكن مَن يغيرها؟!