كتبت- منة حسام الدين: الأسواق العشوائية تزيد من فوضى الشارع.. ورئيس الحى: مجرد إشغالات بسيطة شوارع مكتظة بالمارة والبائعين، بنايات تعدى بعضها عدد الطوابق المسموح به، أصحاب محلات تصل بضاعتهم إلى منتصف الشارع لمواجهة مد الباعة الجائلين، صيحات وشجارات متكررة عند وجود عائق لمرور إحدى السيارات، أو تعرض أحد الأشخاص للسرقة فى ضوء النهار، مشاهد اعتادها سكان حى فيصل، خصوصًا هؤلاء الذين يعيشون فى الشوارع الجانبية والمتفرعة من شارع فيصل الرئيسى، الذى أصبح بالنسبة لهم «جهنم على الأرض». الحديث عن غلق شارع الهرم أثناء أعمال الحفر الخاصة بمترو الأنفاق، أعطى السكان أملاً فى إخلاء شارع فيصل من الأسواق العشوائية، وهو ما يبدو مستبعدًا وفقًا لتأكيدات رئيس حى الهرم، الذى نفى وجود أسواق عشوائية من الأساس. «التحرير» رصدت حالة شوارع فيصل الغارقة فى الأسواق العشوائية، والتى أجبرت بعضهم على الرحيل من المنطقة. الأهالى: الأمل فى محاور «المترو» البديلة.. وحملات البلدية ضعيفة يقف «أبو إسلام» عند مدخل محل الجزارة الخاص به متأملًا حال شارع «لاشين» حيث يعمل هو وعدد من صبيانه منذ سنوات، يسرح بخياله متذكرًا أيام كان فيها ذلك الشارع مكانًا لإقامة العائلات الراقية وكبار رجال الأمن، يشير بيده إلى إحدى البنايات: «هنا كان يسكن أحد المسؤولين فى حى الهرم، أما هنا فكانت الشقة الخاصة بأحد الرجال المعروفين فى مديرية أمن الجيزة». تبدلت الأحوال وتغيرت معالم الشارع، أصبح المكان مكتظًا بالباعة الجائلين وتحديدًا يوم الجمعة، موعد إقامة السوق الأسبوعية بشارع «لاشين»: «مابقناش عارفين نعيش فى الشارع، مافيش مكان لعربية تعدى ويوم الجمعة الواحد مابيعرفش يحط رجله فى الشارع»، يقول أبو إسلام ويملؤه الغضب من صاحب المتجر المجاور له، والذى يفرش بضاعته يوميًّا حتى منتصف الشارع بسبب غياب الرقيب، ولرغبته فى منع الباعة المتجولين من الوجود أمام متجره. عندما عرف «أبو إسلام» بخطة محافظة الجيزة لتحويل بعض شوارع فيصل الجانبية إلى محاور بديلة لشارع الهرم عند غلقه فى أثناء مراحل حفر الخط الرابع من مترو الأنفاق، شعر وكأنها قبلة الحياة له ولساكنى شارع «لاشين»، فهو يرى أن تلك الخطة قد تجبر المحافظة والحى على إخلاء الشوارع من الباعة الذين يحتلونها ضاربين عرض الحائط بتحذيرات الحى المتكررة، وحملاته التى وصفها «أبو إسلام» بأنها تفشل فى إنهاء وجودهم، وكثيرًا ما تتحول إلى وصلات من الشجار الذى ينتهى باعتداء الباعة بالضرب على الأفراد المكونين لتلك الحملات. «كل جيرانى عزّلوا بسبب حال الشارع وحملات الحى الضعيفة»، يعلنها بكل أسى «أبو إسلام» الذى أكد أن تدهور وضع شارع «لاشين» أدى إلى انخفاض سعر المتر من 1800 جنيه إلى 1000 جنيه، لكن «أبو إسلام» حاول أن يصبر نفسه بما أعلنته الحكومة من وجود خطة لتحويل مسارات المرور إلى بعض شوارع فيصل الجانبية: «الشوارع هتبقى زحمة بسبب تحويلات المرور لكن عادى الزحمة نقدر نستحملها، لأنها أرحم من أن الشارع يتحول لسوق كبيرة منتشر فيها البلطجية والحرامية». الأمل الذى رسمه فى مخيلته «أبو إسلام» وبعض سكان شارع «لاشين» لن يكتمل، فرئيس حى الهرم، اللواء إسماعيل عبد الواحد، لا يعترف بوجود أسواق عشوائية تهدد حياة قاطنى حى فيصل، وقال فى اتصال هاتفى مع «التحرير»: مافيش أسواق عشوائية فى فيصل، دى مجرد إشغالات بسيطة». ويضيف اللواء عبد الواحد: «المحاور البديلة اللى الناس بتتكلم عنها مش هتكون دائمة، ده مجرد أسبوعين أو أقل، وقت ما يتم بناء سلالم محطات المترو فى شارع الهرم، يعنى شوارع فيصل هتفضل زى ماهىّ، ومش هيتم غلق شارع الهرم زى ما اتقال». تلك الإشغالات التى سبق ووصفها اللواء عبد الواحد ب«البسيطة والتى يمكن إزالتها بسهولة لكن عدم وجود أماكن ثابتة للباعة هو ما يعرقل إزالتها نهائيًّا»، لا تتماشى مع اعتراف حسنية أحمد، البائعة المتجولة الموجودة فى سوق «لاشين» أسبوعيًّا، وتقول بنبرة واثقة: «إحنا استعمرنا الشوارع ومحدش يقدر يمشينا من فيصل، إحنا بنفرش هنا لأن الرِّجل حلوة والبيع كويس». حسنية تعيش فى منطقة العمرانية بشارع الهرم، لكنها تحاول خلال الأسبوع أن تجد لها مكانًا بين الباعة الذين يفترشون شوارع «فيصل»، حتى وإن كلفها نقل بضاعتها أكثر من 50 جنيهًا يوميًّا: «إيجار العربية اللى بنقل بيها الخضار عالى، لكن البيع فى فيصل بيعوضنى اللى دفعته، وكلها أرزاق يوم فيه ويوم مافيش». فى «كعبيش» البيع ع «الرصيف» على الرصيف الفاصل بين حارات شارع «كعبيش»، يجلس محمد معوض وبجانبه «توب اللحم» الخاص به، 15 عامًا مرت وهو فى المكان ذاته، لم يتحرك إلا عندما أخبروه منذ 4 سنوات أن هناك سوقًا جديدة من المقرر افتتاحها، وعليه أن ينقل بضاعته بداخلها إذا أراد أن يحتمى بأربعة جدران. «دفعت 3 آلاف جنيه عشان أنقل جوة سوق كعبيش اللى قالولنا عليه، وبعد أيام من افتتاحه مافيش زبون دخل السوق، وكل البضاعة باظت، فرجعت تانى مكانى على الرصيف، وضاعت عليا الفلوس»، يتذكر عم محمد حلمه الضائع أن يكون له مكان يحميه من ملاحقات الحكومة ومضايقات البلطجية، ويقول وتملؤه الحسرة: «لو كان معايا فلوس ماكنتش قعدت فى الشارع ولا بعت للناس لحمة متعرية». عم محمد الذى يجاوره عدد من الباعة جميعهم من ساكنى شارع كعبيش، يؤكد أن الشارع قد شهد عمليات تطوير فى الفترة الأخيرة، وأن الحى قد قام برصف الطريق، لكنه فى المقابل يشعر أن هناك تهديدًا ما قد يطالهم فى وقت قريب. «البلدية بتيجى تمشينا، بس أول ما بيمشوا بنرجع نقف فى الشارع، الحكومة عارفة الدنيا ماشية إزاى»، هكذا قالت دينا الفتاة العشرينية التى تشارك عم محمد الرصيف الفاصل بين حارات «كعبيش»، وتبيع هى ووالدتها الخضراوات على فرشة تنصبها يوميًّا منذ 20 عامًا. الحياة بالنسبة ل«دينا» تقتصر على تلك الفرشة، فهى لن تتنازل عنها بسهولة مهما كلفها الأمر من مخاطر، ورغم إحساسها بأن الحكومة تسعى لطردهم من أماكنهم بعد عمليات تطوير الشارع، فإنها ما زالت مستعدة للدفاع عن مكانها فى الشارع لأن من وجهة نظرها «البلدية زائر دائم لكن لا كلمة له». «ياما جريت أنا وأمى عشان نخبى بضاعتنا لما الحكومة بتيجى، إحنا اتعودنا نعمل كده، وأدينا لسه فارشين وماحدش عملنا حاجة»، تضيف دينا وهى تحاول إقناع جيرانها من الباعة بضرورة أن يكونوا يدًا واحدة لمواجهة أى قرارات قد يتخذها الحى ضدهم: «سمعت عن اللى عملوه فى رمسيس، لو هيشيلونا من مكان أكل عيشنا يوفروا لينا مكان نفرش فيه ولّا يشيلهم ربنا». «الطوابق» و«لاشين» و«كعبيش» مستعمرات الباعة الجائلين «لو فيه شارع بفيصل منتشر فيه باعة يبقى الطوابق، وإحنا حاولنا كتير نسيطر على المنطقة، لكن لأن الباعة كلهم فارشين بكارو وتروسيكل ففكرة إخلائهم نهائيًّا أصعب مما حدث فى رمسيس والتحرير»، بكل ثقة يصرح رئيس حى الهرم، اللواء إسماعيل عبد الواحد، متجاهلًا الشكل الذى يظهر عليه أغلب شوارع فيصل، واشتكى منه المواطنون مرارًا. فى «لاشين» يفترش الباعة يوميًّا الطريق غير مهتمين بوجود مدرسة لجميع المراحل التعليمية، وعلى الرغم من كون ذلك الشارع غير مرصوف، ولا يحتمل أن يكون ممرًا لسيارات تسير فى الاتجاهين خلال الأيام العادية بسبب استعمار الباعة له، فإنه خلال أيام الجمعة يكون أكثر ازدحمًا وعشوائية بسبب السوق الأسبوعية. «إحنا اللى عملنا الأسواق فى فيصل من 20 سنة»، يقولها أحد أفراد عائلة أبو عادل، المقيمين فى الأساس بمنطقة العمرانية، ويشدون رحالهم أسبوعيًّا إلى شارع «لاشين» لعرض بضاعتهم من الفاكهة ومنتجات الألبان المنزلية. عائلة أبو عادل معروفة فى شارع «لاشين» كباعة جائلين يفرشون بجانب بعضهم البعض، لا يسمحون للغريب أن يدخل بينهم، حتى وإن كان من أبناء منطقتهم: «إحنا ولاد عم وكل واحد فى العيلة عايز ييجى معانا بنفسح له مكان، عشان يبقى وسطنا ومايتعرضش لأى مشاكل». المشكلات التى تواجه عائلة أبو عادل عادةً ما تكون من سكان الشارع الذين يرفضون وجودهم أمام مداخل المبانى، لكن «عزوة العائلة الكبيرة» تفرض وجودهم مهما واجهوا من مشكلات: «إحنا يوم مابيحصل معانا مشكلة بتبقى مع الحى، يجى ياخد عربية كارو من بتوعنا، لكن فى النهاية بنرجعها وندفع الغرامة ونقول إننا مش هنقف تانى فى الشارع، وأهو كله كلام». على بعد أمتار من فرشة عائلة أبو عادل الممتدة لمساحات كبيرة بامتداد شارع «لاشين»، وتحت شادر أقامته العائلة بنفسها بالقرب من المسجد، تجلس الحاجة نجلاء وبناتها الخمس يعرضن ما فى حوزتهن من أسماك، 30 عامًا مرت على وجود الحاجة نجلاء فى هذه البقعة، تأتى خلالها من السيدة عائشة لشارع «لاشين» ابتغاء «اللقمة الحلال». خلال سنوات عمل الحاجة نجلاء كبائعة متجولة فى شارع «لاشين» بحى فيصل، عاصرت ممارسات مختلفة لموظفى حى الهرم وأفراد الأمن: «الناس كلها عارفانى هنا، ولما الحى ييجى عشان يمشينا بنضطر نشيل حاجتنا ونرجع نفرشها بعد مايمشوا، أنا مش قاعدة هنا غير لأنى مش لاقية حتة أفرش فيها، وناكل منها عيش أنا وبناتى، ومن بعد الثورة ماحدش بقى بيسأل».