بائعون اتخذوا من الرصيف محلًا ل"أكل العيش"، لبيع بضاعة رخيصة على "قد الإيد"، أسفل كوبري 15 مايو، تحديدًا في حي بولاق أبوالعلا، كانت وما زالت "الوكالة" مقصد البسطاء ومحدودي الدخل؛ لشراء مستلزماتهم وحاجة أولادهم بأسعارٍ زهيدة، مقارنة بغيرها من محال وسط القاهرة، إلا أن المطاردات والمواجهات المستمرة مع "البلديَّة"، أصبحت تشبه لعبة "القط والفأر"، التي اتقنها البائعون منذ عصر مبارك، مرورًا بثلاث سنوات عجاف، بعد رحيله نتيجة حالة من عدم الاستقرار والانفلات عانى منها الشارع المصري، يأتي بعدها القرار الصعب بنقل البائعين ل"جراج الترجمان" حفاظًا على المظهر الحضاري لشوارع القاهرة، حسبما ترى الحكومة، ولكن الباعة رأوا في المظهر الحضاري "موت وخراب ديار". "الوطن" تجوَّلت بين البائعين على الرصيف لتستطلع آراءهم في قرار الحكومة بنقلهم، فبين بائع يُعد فرشته ليبدأ يومًا شاقًا، وزميل له يجلس في انتظار "زبون" يرضيه، وآخرين يترقبون وصول "البلديَّة" لإخلاء الموقع، كما حدث في شارع الإسعاف اليوم، فكلما شمّوا رائحة الشرطة، من خلال معلومة أو خبر يصل إليهم من زملائهم من الباعة، يفرون ببضاعتهم إلى منازلهم، ثم يعودون بعد ذلك لتأكدهم من عدم صحة المعلومة. "يعني نموت من الجوع علشان خاطر المظهر الحضاري؟".. كلمات لرضا محمود، أحد بائعي الملابس على رصيف الوكالة بمنطقة بولاق أبوالعلا، مؤكدًا أن "الباعة عرضوا على المسؤولين في الحي اقتراح بترخيص أماكنهم على الرصيف وعمل مرافق لها كالمياه والكهرباء، ودفع إيجار شهري، إلا أن الاقتراح لم يرضِ سيادتهم"، متابعًا حديثه: "إحنا مابنضرش الشارع في حاجة، إحنا على الرصيف تحت الكوبري، يعني منطقة غير مستغلة، والمسؤولين في الحي والمحافظة رضيوا باقتراحنا، لكن قالولنا منقدرش ننفذه، ده قرار جاي من فوق، منقدرش نقول لرئيس الوزراء إلغي مشروع سوق الترجمان، ورغم إنهم متأكدين من فشله إلا أنهم طالبونا أننا نجرب الأول". يواصل "رضا" حديثه ل"الوطن"، عن معاناتهم كباعة قائلًا: "سوق الترجمان ده منفى، والمحلات الكبيرة اللي كانت فيه قفلت، إحنا نروح ونخسر زبائنا، لا مش مهم ييجو يشيلونا وإحنا متعودين، والجري بالنسبة لنا رياضة ممتعة بنحبها، هنلم بضاعتنا وهنجري ولما يمشوا هنرجع تاني، لكن نروح حتة مقطوعة يبقا بنتظلم أكتر ما إحنا مظلومين، إحنا ناس معانا بكالوريوسات، ورضينا بالظلم وبالشارع، والشارع مش راضي بينا"، مؤكدًا أن مشروع رئيس الوزراء لسوق الترجمان إهدار للمال العام. وليد العمدة، بائع ملابس آخر على نفس الرصيف، قال ل"الوطن"، "إحنا مش معترضين نروح الترجمان أو أي حتة تانية، بس تكون حتة أمان مفيهاش بلطجية وتجار مخدرات، الترجمان منطقة (لبش) ولما روحنا هناك نعاينها البلطجية جريوا ورانا"، فيما طالب الحج عربي، الحكومة بترخيص تلك الأماكن على الرصيف بالإيجار "اللي هما عايزينه"، قائلًا: "لكن نروح مكان زي ده.. حرام، أنا ورايا أسرة ومسؤوليات والقعدة في البيت أحسن من الرمية في حتة مقطوعة". "محتاجين سنة أو أكتر علشان ييجي لنا زبون في السوق اللي هينقلونا فيه، وإحنا ناس بنشتغل اليوم بيومه مش موظفين بناخد مرتب آخر الشهر"، كلمات يقولها "أحمد"، البائع الشاب الحاصل على مؤهل عالٍ بكالوريوس تجارة، مؤكدًا: "مش عايزين من الدنيا غير الرصيف، لأن ده رزق وحرام تقطعوه علينا"، نفس الحالة كانت ل"أبو راشد" الذي يعمل في المنطقة من أكثر من 20 عامًا، ليؤكد: "كنت بشتغل هنا ومعايا 3 أو 4 على الفرش، دلوقتي بشغَّل واحد بالعافية لأن الرجل قلِّت ومفيش زبائن، وكمان الحكومة عايزة تنقلنا يعني نطفش من البلد ولا نعمل إيه!"، مواصلًا حديثه :"مكان زي وابور الثلج لو عملوه مول زي ما بيقولوا مش هيسع اللي شغالين في الوكالة بس، فما بالك ببياعين وسط البلد والإسعاف وطلعت حرب، أما منطقتنا دي فاتحة بيوت ولا 2000 شخص، والزبائن بتجيلنا لأننا بنبيع بالرخيص، أما لو روحنا السوق هناك مش هنشوف العشرة جنيه، وصلوا صوتنا للحكومة، إحنا عايزين مصلحة البلد وممكن ندخلهم دخل كبير بس يسيبولنا أكل عيشنا في المنطقة دي".