أول من أمس استعدّ مبارك للاحتفال بعيد ميلاده وصبغ شعر رأسه على سنجة عشرة، ليصبح كسواد الليل، ولكن هل لا يزال مبارك هو مبارك؟ فى مثل هذه الأيام كان الإذاعة والتليفزيون يعلنان فرحًا شعبيًّا، حيث تُقام الزينات وتعلو الرايات، ويتردد باستمرار الغناء «اخترناه اخترناه وإحنا معاه لمشاء الله»، كانت أبواب «حظك اليوم» فى الجرائد تَعتبر عيد ميلاد الرئيس هو يوم السعد، ودائما يكتب مواليد هذا اليوم حظهم فى السماء. الإعلام الرسمى طوال السنوات الخمس الأخيرة صار يكتفى بالاحتفال بذكرى عبد الوهاب، حيث يوم رحيله هو يوم ميلاد مبارك، تستطيع أن ترى فى هذا العام أن عددا من الدراويش ذهبوا إلى المستشفى العسكرى فى المعادى للتلويح لمبارك، وبينهم رجل أطلقوا عليه شبيه السادات، وأشارت الأخبار إلى أنه حمل معه تورتة ضخمة متوجها إلى المستشفى، ولا أتصور أن هذا من الممكن أن يُرضى السادات، فلم يحفظ أبدا مبارك ذِكر ولا ذكرى السادات. صورة مبارك دراميًّا وإعلاميًّا لا تزال تحمل قدرًا من الالتباس، الرجل على الورق حتى الآن غير مدان، والقضايا التى تنتظره لا أتصورها سوى أنها كلها تقع تحت السيطرة القانونية، ولكن موقف السلطة السياسية غير متعاطف مع ظهور مبارك مجددًا للحياة العامة، أو على الأقل هكذا أنا أقرأ الموقف، الرئيس السيسى من المستحيل حتى الآن أن يذكر فى خطاب له أو بيان رئاسى شيئا عن مبارك، الإعلام الرسمى سوف يستمر فى اتخاذ نفس الموقف وهو الحياد السلبى، الإعلام الخاص لديه القدرة على اتخاذ قراره، هذه المرة كانت فضائية «صدى البلد» على الخطّ وأجرى مبارك حوارًا مع أحمد موسى، فى ذكرى تحرير سيناء، كُتبت له الإجابات وهو اكتفى بتسميعها، فى الحوار أثنى مبارك على السيسى، ولكن من الواضح أن مؤسسة الرئاسة لم تُرحّب، ودليلى أن مبارك لن تتاح له الفرصة مجددا للظهور الإعلامى على الأقل فى القريب العاجل حتى ولو بالثناء على السيسى. الدولة رسميا لا تزال حائرة فى التعامل إعلاميا مع مبارك؟ دعونا نوسّع الدائرة قليلا ونسأل: هل الإذاعة تقدم مثلا أغانى بها اسم مبارك فى ذكرى أكتوبر أو تحرير سيناء أو عيد ميلاده؟ القرار السياسى الذى يلتزم به الإعلام الرسمى منذ ثورة 25 يناير -حتى الآن- هو أن لا يأتى ذكر مبارك فى أى أغنية، ولم يتغير الموقف بعد ثورة 30 يونيو، والدليل أن القوات المسلحة فى احتفالية أكتوبر لم تذكر مبارك، متوافقة فى ذلك مع رأى القيادة السياسية. فى العام الماضى جاء الاحتفال بمرور 25 عاما على إنشاء دار الأوبرا المصرية «اليوبيل الفضى»، قدمت الدار فيلمًا تسجيليا تضمَّن لقطات سريعة لمبارك وسوزان، مثل هذه الأمور لا تستطيع مثلا أن تقول إنها مجرد اجتهاد من رئيسة دار الأوبرا الفنانة إيناس عبد الدايم، ولكنها من المؤكد أخذت ضوءًا أخضر من وزير الثقافة الأسبق صابر عرب، وهو بدوره تلقى الموافقة من السلطة الأعلى، وربما هى نفس السلطة التى حذفت اسم مبارك من احتفالية القوات المسلحة، ليؤكد أن الدولة تتملكها الحيرة، إذا كانت الثقافة سمحت فالإعلام لا يسمح. ما الذى تخبّئه الأيام القادمة؟ الإرهاصات تؤكد أن مبارك سيحظى بقدر من الرعاية الأدبية، عدد من البرامج وقطاع وافر من النجوم والإعلاميين يمهدون لهذا الطريق، والدراما بدأت فى التسخين. الناس فى العادة تُطل على الماضى بعيون ليست محايدة، هم على المستوى الشخصى لم يحصلوا على مكاسب ملموسة منذ ثورة 25 يناير، وهى الثغرة التى سيُطل منها مبارك على المشهد، وسيلعب الإعلام وأصحاب رؤوس الأموال دور البطولة فى تقديم صورة زائفة لمبارك البطل المظلوم والمغدور، وساعة الصفر هى برامج ودراما رمضان 2015!