تعد الحضارة المصرية واحدة من أعرق الحضارات التى لعبت على مدار تاريخها الطويل دورا فريدا ومؤثرا فى مسيرة الحضارة الإنسانية وتطورها، ويعتبر الشريط الساحلى للبحر الأحمر شاهدًا على ذلك الدور بما يتميز به من معالم أثرية مهمة، لا لمصر وحدها، وإنما للعالم أجمع، ويعد دير الأنبا أنطونيوس بمثابة جوهرة التاج بين معالم البحر الأحمر الأثرية. ويعتبر الأنبا أنطونيوس الأب الروحى للرهبنة المسيحية ومؤسسها فى مصر والعالم أجمع، إذ لم تعرف المسيحية نظاما قبله للرهبنة، وتذكر سيرة الأنبا أنطونيوس التى كتبها القديس إثناسيوس البابا العشرون من بابوات الإسكندرية أنه كان رجلا خيًّرًا ومصريًّا صميمًا لا يتكلم إلا القبطية. ولقد وُلد أنطونيوس لأسرة ثرية فى بلدة «قمن العروس» -بنى سويف حاليا- فى عام 251م تقريبا، وحدث عام 271م أنه قرر اعتزال الدنيا فأقام داخل حصن مهجور فى بلدة «بسبير» وهى مكان «دير الميمون» حاليا فى بنى سويف، حيث عاش فيه لمدة عشرين عاما إلا أنه بعد عام 305م قرر أن يتنسّك فى مغارة فى جبال البحر الأحمرالشرقية، وتقع هذه المغارة حاليا عند منتصف الجبل المجاور للدير من جهة الجنوب على ارتفاع 680 مترًا فوق سطح البحر. وذاع صيت الأنبا أنطونيوس فى تقواه ورهبنته، فتتلمذ على يديه كبار الآباء فى مصر مثل الأنبا مقاريوس الكبير مؤسس الجماعات الرهبانية الأولى فى وادى النطرون، والأنبا باخوم الذى استلهم من فكره الروحى نظامًا جديدا للرهبنة فى الصعيد يقوم على الحياة الجماعية للرهبان التى تعتمد على أنشطة اقتصادية تزيد من أمور العبادة والتنسك، كما تتلمذ على يديه عدد من الآباء الرهبان من مختلف بلاد العالم مثل الأنبا هيلاريون الفلسطينى الذى أطلق عليه أنطونيوس لقب «نجمة الصبح» لأنه كان أول من جاءه من الشرق ليتلقى منه تعاليم الرهبنة، والأنبا أوكين من العراق الذى تعلم على يديه حياة الرهبنة وأصولها ورحل عن مصر بصحبة 70 راهبا قبطيًّا وشيَّدوا أديرتهم فى الموصل، بل وظلت تعاليم الرهبنة الأنطونية قائمة بعد وفاته وانتشرت خارج مصر أيضا، فنجد على سبيل المثال الأب يوحنا كاسيان الفرنسى الأصل وأحد مشاهير كتاب الفكر الرهبانى قد وفد إلى مصر وتعلم تقاليد الرهبنة الأنطونية على أيدى أعاظم رهبانها ثم عاد إلى فرنسا وأسس ديرين فى مارسيليا فى عام 415م، ووضع كتابين يلخص فيهما تعاليم رهبان مصر، حيث يعرف الكتاب الأول باسم «المؤسسات» والثانى باسم «المحاورات»، واللذين صارا المنهج الرئيسى لتعاليم الرهبنة فى العالم الغربى. ويعد دير أنطونيوس الذين يرجع إلى القرن الرابع الميلادى واحدا من أهم وأقدم الأديرة الأثرية على مستوى العالم حيث يقع عند سفح جبل الجلالة القبلية جنوبالسويس بنحو 170 كم، ويحتوى على مجموعة من أندر الجداريات القبطية وأروعها كما يحتوى على مكتبة كبيرة تحتوى على 1438 مخطوطًا إلى جانب مئات الكتب المطبوعة فى مختلف فروع المعرفة. وتحتاج هذه المنطقة من الدولة إلى إلقاء مزيد من الضوء عليها مع ربطها بمنطقة العين السخنة التى تتميز هى الأخرى بوجود آثار من مختلف العصور فى البرامج السياحية لتتكون صورة واضحة فى ذهن السائح عن تاريخ مصر الحبيبة.