وقال الراهب- في تصريحات خاصة- إن "الرهبنة هي حرفة مصرية لها صناعتها وفنونها التي تعد جزءاً مهماً من تاريخ مصر، ولولا أن الرهبنة اعتمدت علي الانغلاق والتسليم- كل راهب كان يسلم الآخرين الحرفة التي تعلمها كاللغة والنسيج والصناعة والزراعة- كانت مصر فقدت كثيرا من تراثها". وفي سياق آخر، أوضح نائب رئيس المنتدي السفير أحمد الغمراوي إن "اختياره لهذا الموضوع يرجع الفضل فيه إلي زيارته إلي كنيسة "فاطيمة" في أسبانيا حيث شاهد الكاثوليك يزحفون علي ركبهم لمسافة نصف كيلو حتي يدخلوا الكنيسة وحين تساءل عن سبب قدسيتها، أجابوه بأن العذراء مرت بها". وأضاف الغمراوي إن "مصر كانت طريق العائلة المقدسة لعدة سنوات، ولفت إلي أن "هذا الطريق أصبح معظمه أديرة وكنائس وهي ليست ملكا للمسيحيين المصريين فقط لكن للعالم بأكمله لأن التراث الإنساني لا يتجزأ". لكن السفير المصري أكد في الوقت نفسه أن "الأجيال الحالية لم تستطع أن تدير التراث القبطي كما ينبغي مثل إدارتها للأثار الفرعونية"، وقال إن "تلك الثروة ستكون من حظ الأجيال المقبلة". وقال المهندس ماجد الراهب إنه "لا توجد مراجع عن الرهبنة تربط ما بينها وبين التراث المصري"، مؤكدا أن "البحث الذي أعده عملية اجتهادية"، معربا عن أمله في أن "يتصدي لهذا الموضوع باحثون يفتحون الخزانة داخل الأديرة ويحاولون أن يخرجوا منها بالعلاقة التي تجمع بين الرهبنة والحياة المصرية القديمة". وأوضح الراهب- خلال الندوة- معني الرهبنة التي أسسها أبو الرهبان أنطونيوس، مشيرا إلي كلمة الدكتور عزيز سوريال في موسوعته بأن "أنطونيوس يعتبر الدور الحق من أدوار تاريخ الرهبنة المصرية بشكلها المألوف، ذلك لأن ما سبقه في الواقع يعتبر بمثابة مقدمات مرتبطة مهدت لهذا النظام الجديد ويسميه العلماء الرهبنة النصف توحدية". وأضاف المهندس ماجد الراهب أن "الفضل في معرفة سيرة أنطونيوس يعود إلي القديس أثناسيوس الرسول البطريرك العشرين في عداد البطاركة الأقباط (326م - 373م) الذي كتب سيرته وترجمها إلي اللاتينية وقد ساهمت هذه الترجمة في نشر الرهبنة وانتشارها بالغرب". كما تحدث ماجد عن مبادئ الرهبنة التي تقوم علي العزلة، والتبتل أي عدم الزواج، وأخيرا الفقر الاختياري كي تسمو النفس عن أي ماديات، واتخذ الباحث من مقولة الفيلسوف أرسطو "لا يمكن لأحد من الناس أن يعيش بعيداً عن المجتمع إلا من كان دون الطبيعة البشرية أو فوق مستواها"، ليوضح أن سمو الاتجاه الرهباني في الانعزال بسمو الهدف. كما أشار المهندس المعماري الي إن "مدارس الرهبنة ثلاث هي المدرسة التوحُدية وسار عليها أول من ترهب مثل الأنبا بولا السائح والأنبا أنطونيوس, وهذا النظام الرهباني هم الرهبان الذين يعيشون متفرقين منفردين كل واحد في مغارة أو كهف في الصحاري والجبال, ويتبعون نظاماً خاصاً في صلاتهم وصومهم وعبادتهم وتأملاتهم". وأضاف المهندس ماجد الراهب أن "المدرسة الثانية هي الرهبنة الأنطونية، وبدأت عندما اجتمع حول القديس أنطونيوس عدد كبير من الشباب يريدون أن يتبعوا طريقه في الرهبنة، وكان علي أنطونيوس أن ينتقل بين جماعات أولاده، وعلي هذا المنوال تكون أول نموذج نظام رهباني قبطي "أب يرعي أسرة روحية من الأبناء المحبوبين المخلصين للطريق". أما المدرسة الثالثة، فكما أوضح الراهب أنها "تسمي رهبنة حياة الشركة، وضع الأنبا باخوم قوانينها، ولهذا عرفت باسم "النظام الباخومي"، وفيه يسير الرهبان في خضوع لنظام جماعي صارم دقيق موحد في يقظتهم ونومهم وصلواتهم, وأصوامهم, وطعامهم, واجتماعاتهم وعملهم, وللدير وظائف فنية وإدارية وهندسية يعهد بها للرهبان الأكفاء". وربط ماجد ما بين النواحي الإنسانية التي اعتمدها المصري القديم والراهب القبطي في حياتهما، وأكد أن "التراث المصري الذي اكتسبه الشباب الذي نزح إلي البرية لم يكن بمعزل عما اكتسبوه في البرية فعند دخول المسيحية مصر وجد فيها المصريون كثيرا من تعاليمهم وأفكارهم التي تنادي بالمحبة الفائقة لكل البشر وروح الوداعة السلوكية والتسامي عن الانتقام حتي من الأعداء، وفي البرية أحسوا بعمق ذلك وتولدت فيهم شهوة النظرة الطويلة نحو الله القدوس القريب من كل إنسان". ودلل الراهب علي ذلك بحياة "باخوميوس وهو القائد الروماني الذي تحول إلي الايمان وصار من أقطاب الرهبنة المصرية بعدما رأي محبة أهل الصعيد للأعداء وكيف كانوا يشفقون علي الجرحي والعطشي من الرومان بالرغم من أنهم غزاة". وأكد المهندس ماجد الراهب أن "المنهج القبطي الذي اكتسبه الراهب هو من مكونات النفس المصرية"، مدللا علي أنهم تأثروا بالحياة العامة في مصر القديمة، كما تأثر العهد القديم بترانيم أخناتون في التأمل في الخالق". وحول القلب، قال الباحث إنه في التراث المصري حسب دراسات علماء المصريات هو قاعدة الفكر والإرادة والمعرفة والاحساس، والحكيم بتاح يقول "اتبع خلجات قلبك طول أيام حياتك"، مشيرا إلي أن الرهبنة القبطية عندما تشير إلي القلب والعقل فهي كلمة واحدة وهذا يقودنا إلي أن فصل العقل والقلب هو نتاج حضارة مادية وقد قال أحد شيوخ الرهبنة (إذا صرختم إلي الله في الصلاة بقلب نقي فلن ترجع إليكم صلواتكم فارغة). أما بالنسبة للفنون المصرية، فأكد المهندس الراهب أن "الأديرة هي الخزانة التي حفظت التراث المصري القديم"، ففي العمارة وجد أن "العناصر المعمارية في الكنائس هي نفسها في المعابد الفرعونية كما أنها مستخدمة في المساجد". وأضاف المهندس المعماري أن "الكنائس والمعابد والمساجد تتكون في تخطيطها- مع اختلاف المسميات- من مدخل ثم صحن وعمدة وقدس الأقداس ثم الحنية ثم حضن الآب والاتجاه للشرق، إضافة إلي أن "الكثير من المعابد تم تحويلها لكنائس وأديرة". وأوضح الراهب أن "القباب كانت ترمز لدي المصري القديم في بنائه للمعابد إلي السماء والاستمرارية لذلك أبدع الأقباط في تصميمها"، وأشار إلي أن "الحصن هو عنصر معماري مهم آخذه المصري القديم من الصروح التي كانت أمام المعابد"، وأيضا المنارات التي كانت تمثل المسلة لدي المصري القديم والمئذنة في الإسلام". وفي الفنون الجدارية، أشار الراهب إلي أن "المصريين القدماء أبدعوا في رسم الجداريات وتجميل معابدهم بها لتسجيل سير ملوكهم وعقائدهم"، وقال إن "هذا الفن حفظ علي يد الرهبان لأنهم أكثر من عملوا به منذ القرن الرابع إلي الثامن عشر، ولا توجد كنيسة تخلو من الجداريات إضافة إلي استخدامهم الألوان والأكاسيد الطبيعية"، لافتا إلي "انفراد دير الأنبا أنطونيوس الذي لا يخلو جزء فيه من جدارية". كما أوضح الراهب في بحثه الذي قدمه خلال ندوة المنتدي الثقافي المصري أن "صناعة الفخار كانت من الصناعات المهمة في الأديرة المصرية كما كانت لدي المصري القديم"، وأشار أيضا إلي "النسيج القباطي- نسبة إلي الأقباط، وقال إنه من أشهر أنواع النسيج وأنه قريب الشبه جدا من النسيج الذي كان المصريون القدماء يصنعونه". أما بالنسبة للغة، قال رئيس مجلس إدارة جمعية المحافظة علي التراث المصري إن "اللغة القبطية هي آخر مراحل تطور اللغات المصرية وتعتبر المرحلة التالية للغة المصرية القديمة، تستخدم في كتابتها الأبجدية القبطية وهي عبارة عن أبجدية يونانية مع إضافة بعض الحروف المأخوذة من الكتابة الديموطية (demotic) . ودلل الراهب علي ذلك قائلا إن "اللغة القبطية هي التي ساعدت في فك رموز الهيروغليفية علي حجر رشيد، وإن شامبليون اعترف بنفسه أنه تعلم اللغة القبطية ليفك رموز الحجر القديم"، وقال إن "الرهبان استطاعوا أن يحفظوا اللغة القبطية حتي الآن من خلال مخطوطات الصلوات اليومية". كما أضاف الراهب أن "بعض الأبحاث وجدت أن القبطية بها شبه كبير من اللغة العربية، وأن 3000 كلمة من القبطية تستعمل حتي وقتنا هذا"، وقال إن "اللغة القبطية رافد مصري أصيل ومصرية صرف لكنها لاقت الصلة بالكنيسة"، واستنكر عدم تدريس الجامعات المصرية للغة القبطية رغم أن العربية لها أقسام خاصة فيها". أضاف ماجد: إن "الجامعات العالمية تدرس حاليا اللغة القبطية"، مؤكدا أن "تلك اللغة ستفتح لنا آفاقا لدراسة فترة مهمة من تاريخ مصر، وستكشف عن أسرار أكثر المخطوطات التي بين أيدينا"، وطالب بأن "يكون لللغة القبطية نصيب في الجامعات المصرية وأن يكون لها اقسام خاصة". واختتم الراهب كلمته في الندوة بمفاجأة كشف عنها في الموسيقي القبطية، وقال إنه "اكتشف أثناء البحث مخطوطة عبارة عن نوتة موسيقية موجودة في المتحف البريطاني لسيمفونية كان جزء من ألحانها مأخوذا عن الألحان الفرعونية وجزء آخر عن لحن يعزف أثناء تتويج الملك في أوروبا".