هنا يحمل الجميع اسم «أنطوني»، نسبة إلى الدير. يقف الراهب أنطونى عند منطقة الساقية، مكانه المفضل «لأنه مرتفع عن الأرض». من هنا يكشف دير الأنبا أنطونيوس الأثري كله. ودير الأنبا أنطونيوس هو أقدم الأديرة في العالم والقديس أنطونيوس، أبوالرهبان جميعا، فهو أول راهب يلجأ إلى الجبل ليتعبد بعد أن «زهد الحياة ومتعها». ويتكون الدير الذي أنشأ في القرن الرابع الميلادي (361 362)، من سبع كنائس هي كنيسة الأنبا أنطونيوس الأثرية، وكنيسة الآباء الرسل، كنيسة السيدة العذراء، كنيسة الملاك، كنيسة بولا، وكنيسة القديس مرقص. الأنبا أنطونيوس، الذي مات عن عمر يناهز 105 أعوام، أقام في مغارته القريبة من الجبل، وتبعه تلاميذه المحبون له، فأسس الكنيسة التي تحمل اسمه داخل الدير. ثم بدأ في إنشاء الدير على مساحة لا تزيد على ثلاثة أفدنة. اليوم يمتد الدير على مساحة 18 فدانا. يشعر أنطونى، الذي رفض ذكر اسمه الأول، واكتفى بنسبه إلى الدير، بسعادة كبيرة هذا اليوم، يوم افتتاح الدير بعد ترميمه، على يد الأثريين. عوامل التعرية والصرف العشوائي كانت قد أثرت على المبانى الداخلية التى أصابتها الشقوق، والتآكل فطلب الدير من الوزير فاروق حسنى، التدخل لترميمه وإنقاذ مبانيه الآثرية. استمر ترميم الدير ثمانى سنوات، بتكلفة حوالى 80 مليون جنيه، طبقا لتصريحات زاهى حواس أمين عام المجلس الأعلى للآثار أثناء افتتاح الدير الواقع فى محافظة البحر الأحمر. انطونى، الراهب الثلاثينى، كان شاهدا على 4 أعوام من الترميم فقد التحق بالدير بعد تخرجه فى كلية الطب البيطرى، ومزاولة المهنة لمدة عامين. كان يحلم بالرهبنة، هكذا يقول، فبدأ رحلته إلى الأديرة. «أول ما دخلت هنا حسيت براحة نفسية»، يصف أنطونى الذى نشأ فى أسيوط مشاعره ويتذكر أيضا ردود فعل أسرته عند إعلان رغبته فى أن يصبح راهب «هاتسيبنا وتروح تقعد فى الجبل»، جملة والدته الحزينة ما تزال ترن فى أذنه. لكن قراره كان نهائيا، يقول: أنا مقدر موقفهم، لأن كل الأسر تشعر بضيق أمام رغبات أبنائهم فى الرهبنة. رغم أن الراهب الشاب يفضل كنيسة الأنبا أنطونيوس، المكان الذى دفن فيه أسفل المذبح الأوسط حسب وصيته، فإنه كلما نشد الوحدة ذهب إلى تلك المغارة البعيدة داخل الجبل، والتى يستغرق الطريق إليها أكثر من ساعة. يومه يبدأ فى الساعة الثالثة صباحا، بالتسبيح فى كنيسة الآباء الرسل، ويليها فى الخامسة القداس الإلهى، ثم يذهب كل راهب إلى عمله، حسبما كلفه به الدير. فكل راهب له عمل محدد داخل الدير، هناك ورش إعداد طعام للعمال، وأخرى للآباء، وهناك المكتبة، «فأساس الرهبنة العمل»، كما يقول الأسقف يسطس، رئيس الدير. يقول أنطونى «نجتمع في الخامسة مساء من أجل صلاة العشية، وقبل أن يفترق الرهبان يطلبون السماح من بعضهم وكأنها نهاية حياة، قبل أن تبدأ جديدة فى الثالثة صباحا من اليوم التالى». على بعد 250 كلم شرق القاهرة، على ساحل البحر الأحمر فى منطقة رأس غارب بالزعفرانة، طريق شديد الوعورة، هنا جبال وبحر وسماء فقط. «الدير مكنش عليه رجل كتير من الأثريين، ولا الزوار»، كما يقول يسطس. كان الدير يتمتع بشهرة عالمية باعتباره أقدم دير في العالم، ولكن اليوم بعد ترميمه نال شهرة واسعة داخل مصر، وتقدم العديد من الأساتذة لدراسة مبانيه الأثرية. ويقع الدير على سفح جبل الجلالة القبلى بصحراء العرب، الذى كان يعرف فى الماضى بجبل «القلالة» نسبة إلى «القلايات». التى أنشأها الرهبان للتعبد داخل الجبل. يقول يسطس «الدير دا بيت ربنا مفتوح لكل إنسان، مسلم، يهودي وقبطي، لا تميز بين أحد». يعتقد الأسقف أن الجميع يشعر بالراحة فى هذا المكان، ويتمنى أن يزور الدير أبناء هذا الجيل، «ليتعلموا أن المسيحية تدعو إلى المحبة والسلام وأبناءنا يفتقدوا اليوم المحبة والسلام وأصبحوا أكثر عنفا». يتمنى أيضا أن يتم وضع الدير على خريطة مصر السياحية، «لأن الدير معروف للغرب لكن المصريين معرفتهم به قليلة». بالأرقام، يتردد على الدير مليون زائر سنويا.