يبدو لمن يتابع الحكايات المتواترة عن مصير القمر الصناعى المصرى «إيجيبت سات 2» خلال الفترة الأخيرة، أن المشكلة ليست فى مسألة اختفاء أو عدم اختفاء هذا القمر الصناعى، بقدر ما هى خروج تلك «الحكايات» عن المدار الرئيسى، لنتمسك بحكاياتٍ مرسلة، متناسين الجانب الأهم من القصة، وهو دور «إيجيبت سات 2» ومهامه، وتأثير اختفائه أو فقدانه على الخطط المصرية الموضوعة للاستفادة منه. فى 23 أبريل 2015، أكد الدكتور حسين الشافعى، مستشار وكالة الفضاء الروسية أن القمر المصرى «إيجيبت سات 2» الذى تم إطلاقه فى 16 أبريل من العام 2014 يعمل بشكل طبيعى بنسبة 100%، مشيرًا إلى أنه على اتصال بالمكتب المركزى لإدارة القمر بموسكو بصفة دورية، وأنه ليس هناك ما يشير إلى فقدان القمر الصناعى نهائيًّا. وأكد الشافعى أن خروج القمر الصناعى عن مساره وعودته مرة أخرى عادة ما يكون ضمن التجارب التى يجريها خبراء وفنيون لتجربة مدى استجابة القمر الصناعى والسيطرة عليه، لافتًا إلى أن «إيجيبت سات 2» يعمل بشكل طبيعى ويعطى صورًا محل إشادة دولية. جاءت تصريحات الشافعى ردًّا على شائعات تحدثت عن فقدان الاتصال بالقمر الصناعى المذكور. فى ربيع عام 2014، لم تنجح صحيفة ولا وكالة ولا فضائية فى إعداد تغطية شاملة وعميقة حول إطلاق القمر الصناعى المصرى «إيجيبت سات 2»، لأكثر من سبب ربما أهمها هو غياب الحقائق حول الجهة التى تدير المشروع، وهذه العشوائية فى الحديث عن اسم القمر، وهل شارك فى بنائه وتجهيزه مصريون أم لا.. وكذلك ظهور حسين الشافعى، الذى بدا لفترةٍ أنه الوحيد الذى لديه كل المعلومات حول المشروع. ومن يقارن بين الاهتمام الرسمى بإطلاق «إيجيبت سات 1» فى إبريل 2007، وكذلك التغطية الإعلامية الواسعة لفقدان هذا القمر فى أكتوبر 2010، بما حدث مع إطلاق القمر الصناعى فى 2014، شعر على الفور أن هناك شيئًا غامضًا أو أن جهة سيادية ما -هى المالكة للقمر- ارتكبت مجموعة من الأخطاء. يومها رأى كثيرون أنه إذا كانت هذه الجهة لا تريد أن تصور أن لهذا القمر مهام عسكرية أو مرتبطة بضبط الحدود فإنها تكون مخطئة فى ذلك تمامًا، فكثير من الدول التى دخلت عصر الفضاء وأقربها إلينا إسرائيل تستخدم عملية الإطلاق ومواصفات القمر، وأحيانًا الحديث عن مداره ودقة صوره، كإحدى وسائل الردع للأعداء والمنافسين. العجيب فى الأمر أن جميع المهتمين بالفضاء وبتكنولوجيا الأقمار الصناعية يعرفون كل شىء عن القمر المصرى الجديد الذى تم إطلاقه من قاعدة بايكونور الروسية فى كازاخستان فى 16 أبريل 2014، فى حين حُرِمَت وسائل الإعلام والرأى العام فى مصر من تلقى معلومات وافية عنه. فقد أعلنت روسيا، مطلع عام 2014، أنها ستطلق قمرًا صناعيا مصريا، وأن مهامه ستكون عسكرية فى غالبها.. وأن الكاميرا الخاصة به قادرة على تصوير الأجسام حتى دقة متر واحد. تطلب الأمر مرور شهر بعد إطلاقه، حتى يعلن د.مدحت مختار، رئيس هيئة الاستشعار عن بُعد وعلوم الفضاء ورئيس برنامج الفضاء المصرى، أن القمر الصناعى المصرى الجديد «إيجيبت سات 2» سيكون أمامه 3 مهام بمجرد وصوله إلى مداره الأولى، رسم خارطة مشروع محور قناة السويس، والثانية رصد موقع سد النهضة الإثيوبى على النيل الأزرق وإعداد تقرير عن نشاطه الزلزالى لتمكين الجهات الرسمية من وقف استكماله بالقانون الدولى، والمهمة الثالثة كشف خبايا كنوز الصحراء الغربية من مياه ومعادن وذهب. سرعان ما تبين أن القمر الصناعى الجديد يمثل وسيلة عصرية مهمة للاستشعار عن بُعد، من المأمول أن تفتح المجال أمام توفير المعلومات لتحقيق أهداف ترتبط بالتخطيط وتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية فى مصر. استخدامات هذا القمر الصناعى واسعة، وشملت ضمن أمور أخرى: تخطيط المدن، والمسائل الجيوفيزيقية، والكشف عن الثروات المعدنية، بالإضافة إلى أمور تتعلق بالزراعة والرى وغيرها من الاستخدامات المختلفة التى تحتاج إليها مصر خلال المرحلة المقبلة. عرفنا لاحقًا أن هذا القمر الصناعى يمهد لإنشاء وكالة فضاء مصرية لتلحق مصر بركب الدول التى لديها وكالات فضاء متخصصة، حيث تتولى مهمة إقامة البنية الأساسية لصناعة فضاء مصرية قادرة على تصنيع وتشغيل وتطوير أكبر قدر من الأنظمة الفضائية للاستخدام السلمى، مع العمل على نشر وتوسيع دائرة الاهتمام بعلوم وتكنولوجيات الفضاء، ومتابعة تطورها إقليميا وعالميا، ومن ثم متابعة استغلالها فى إقامة عددٍ من الصناعات المحلية المتقدمة التى تخدم خطط التنمية الشاملة. يعد إنشاء تلك الوكالة تحقيقًا لحلم العلماء المصريين العاملين فى هذا المجال والذى لطالما تعثر، حيث سبق ووافق مجلس الشعب ومجموعة من الوزراء المختصين على تنفيذه على أرض الواقع فى عام 2001، ولم يتحقق لعدم وجود إرادة سياسية. وبعد ثورة 30 يونيو تم إحياء الفكرة مرة أخرى ورُفِعَ مشروع قانون لإنشاء الوكالة الذى أعدته الهيئة القومية للاستشعار عن بُعد وعلوم الفضاء التابعة لوزارة البحث العلمى للرئيس السابق عدلى منصور. هدف هذا القانون هو تحقيق عاملين رئيسيين هما توفير تشريع مناسب يقضى على الروتين الذى يعوق العمل بالمشروع الفضائى إلى جانب توفير الدعم الملائم للبرنامج، خصوصًا أنه سيتبع مؤسسة الرئاسة، مما يضمن له عوامل الاستدامة. بقى التساؤل قائمًا حول الجهة التى أطلقت القمر الصناعى المصرى الجديد. فى ظل غياب الشفافية حول القمر الصناعى الجديد، بقى الموضوع مبهمًا، غير أنه بعد الأنباء التى ترددت عن فقد الاتصال به، ذكرت مصادر أن القمر الصناعى المذكور تابع لوزارة الطيران بمشاركة إحدى الشركات الخاصة.