تقع منطقة العين السخنة على مسافة 120 كم إلى الشرق من القاهرة على امتداد الشريط الساحلى الغربى لخليج السويس وجنوب مدينة السويس بنحو 40 كم، ولقد حملت المنطقة اسمها من وجود عين للمياه الكبريتية الساخنة التى تنبع من سفح جبل الجلالة البحرية لتتدفق إلى البحر المجاور، ورغم أهمية العين السخنة فى السياحة الشاطئية بمصر نظرا لقربها من القاهرة الكبرى وروعة شواطئها واعتدال مناخها أغلب فترات العام، فإن المنطقة تحمل أيضا تاريخا عريقا لا تزال آثاره بادية إلى الآن. فلقد لعبت العين السخنة دورا مميزا فى الحضارة المصرية القديمة منذ عصور ما قبل التاريخ حتى أوائل العصر الحديث، حيث تزخر أحجار جبل الجلالة البحرية ودروبه فى مدخل السخنة بعديد من النقوش التى سجّلها الإنسان البدائى فى تجواله فى هذه الدروب منذ أكثر من 20 ألف سنة ق.م، ومع العصر الفرعونى فقد أشارت الدلائل الأثرية إلى أن موقع العين السخنة كان يمثّل مركزا رئيسيا فى تجميع وتنظيم بعثات التعدين إلى تلال وادى المغارة وسرابيط الخادم بجنوب سيناء، حيث كانت المصدر الرئيسى لمعدن النحاس وكذلك أحجار الفيروز التى قدّسوها كرمز للإلهة «حتحور» التى اعتبروها «نبت مفكات» أو سيدة الفيروز وربة السماء والحب والموسيقى، وأطلقوا اسم «ختيو مفكات» بمعنى «تلال الفيروز» على تلك التلال، ويتميز موقع جبل الجلالة البحرية بمدخل السخنة بوجود عديد من النقوش الفرعونية التى قد يعود أقدمها إلى عصر الملك منتوحتب الرابع، آخر ملوك الأسرة الحادية عشرة من الدولة الوسطى، حيث يظهر منظر للملك منتوحتب مع نص يسجل «العام الأول قدوم رجال الملك بقوة عاملة قوامها 3000 فرد كى يجلبوا الفيروز والنحاس والبرونز ومنتجات الصحراء الأخرى القيمة»، وتشير الأدلة الأثرية إلى وجود ميناء بحرى كبير كان يستخدم فى العبور إلى الجانب الآخر من الخليج، خصوصا إلى منطقتَى رأس سدر وأبى زنيمة بسيناء، فقد عثر بالعين السخنة على مرسيين كبيرين من الحجر الجيرى، ووجد بهما بقايا لمركبين من خشب الأرز من عصر الدولة الوسطى، ويبلغ طولهما نحو 15 مترا، وتم تفكيكهما وتخزينهما بعناية، كما عثر على عديد من الفجوات والغرف المنحوتة فى الجبل، والتى كانت تستخدم كمخازن وغرف لإعاشة العمال هناك، ويبدو أن الموقع قد ظل يستخدم كميناء بحرى لفترة طويلة من الزمن، إذ عثر على عديد من النقوش اليونانية والقبطية والعربية الكوفية التى تدلل على رواج الحركة الملاحية هناك. وتحتاج منطقة العين السخنة الآن إلى مزيد من الاهتمام بالرؤية السياحية فيها، فلا تقتصر الرحلات السياحية سواء للمصريين أو الأجانب على سياحة الشواطئ فقط، بل لا بد أن يحظى الموقع الأثرى فى مدخل العين السخنة بمزيد من الاهتمام من الوزارات المعنية ومن محافظة السويس، بحيث يتم إعداد مركز للزوار يتناول التاريخ العريق للمنطقة، وكذلك لا بد من استغلال عين المياه الكبريتية الساخنة فيها فى السياحة العلاجية، وضرورة إعداد برامج ومسارات ملائمة لسياحة السفارى بالمنطقة لزيارة النقوش الصخرية التى تركها الإنسان الأول هناك حتى تحظى منطقة العين السخنة بالمكانة اللائقة بها على الخريطة السياحية لمصر.