كتب- إيهاب التركي: خطوة الانتقال من نجم فى دور ثانوى إلى البطولة مخيفة بقدر ما هى مغرية، إذا سقط النجم فى أولى بطولاته قد تضيع منه فرصة البطولة للأبد، البعض يلعب فى المضمون ويخطو نحو البطولة ومعه الشخصية التى نجحت مع الجمهور، فكرة تبدو ذكية وحويطة، ولكنها تحمل أيضًا خطورة، الشخصية التى نجحت فى مساحة صغيرة مكثّفة قد لا تنجح فى فيلم طويل عريض، إلا إذا... حسنًا، المشكلة فى «إلا إذا»، يمكن استخلاص شروط النجاح من خلال قراءة تجارب الشخصيات التى انشقّت بشخصيات صغيرة ناجحة فى أفلام ومسلسلات، تقدَّم المنشقون من موقع الدور المساعد إلى القمة حيث البطولة، بنفس الشخصية وتفاصيلها. فى تاريخ السينما شخصيات رائعة قدّمت الأدوار المساعدة، لكنها لم تجرؤ على ترك موقعها والوصول إلى عرش البطولة، ظل عبد الفتاح القصرى يقدّم شخصية المعلم بتفاصيلها وإفيهاتها دون أن يقوم ببطولة مطلقة، تخيله فى فيلم بعنوان «المعلم حنفى»، تخيّل استيفان روستى بطلاً مطلقًا فى فيلم بعنوان «زكى بشكها» يقوم بالنصب والسرقة بأسلوبه المغرور، مطلقًا سيل إفيهاته الساخرة على أعضاء عصابته الأغبياء، أو زينات صدقى فى فيلم بعنوان «كتاكيتو بنى» العانس سليطة اللسان خفيفة الظل التى تسعى للزواج من أى رجل والسلام. تاريخ الانتقال بشخصية من مساحة صغيرة إلى عمل كبير يحمل حكايات بعضها نجح، ومنح الفنان جواز المرور لعالم البطولة، وبعضهم حصل على رفض وتوصية بالعودة من حيث جاء، نجم دور ثانوي. زيزو حلاق السيدات حينما قدّم عبد السلام النابلسى دور حلاق فى فيلم «إسماعيل ياسين فى الجيش»، كانت الشخصية واحدة من الكاراكترات المحيطة بالبطل الرئيسى، صبى شيخ الحارة «ترمس» أو زكى عباس أبو النواس الذى أصابه الدور فى الجهادية، وتم استدعاؤه للخدمة العسكرية، شخصية «زيزو» كما قدمها النابلسى، ابن حلاق فقير فى حارة شعبية، يرى «زيزو» نفسه موهوبًا ومكانه بين المجتمع الراقى، لكنه يجد نفسه وموهبته يُلقى بها فى ثكنة عسكرية بالجيش، حيث تُسند إليه مهمة الحلاقة للمجندين. كعادة النابلسى يقدّم كاراكتر الشخص البسيط اجتماعيًّا المغرور الذى يستخدم لغة ومصطلحات شخصية أرستقراطية، شخصية زيزو ثانوية فى الفيلم الذى كان بداية سلسلة أفلام قدّمها إسماعيل ياسين عن الجيش بعد ثورة يوليو، الفيلم كتبه عام 1955 عبد المنعم السباعى، وهو ضابط جيش وشاعر، وأضاف أبو السعود الإبيارى للشخصيات حوار الفيلم الكوميدى، ومع إضافات النابلسى الشخصية، وإخراج فطين عبد الوهاب، ظهر الفيلم بهذا الشكل الكوميدى الذى أصبح ملهمًا لكثير من الأفلام بعده. لكن ماذا عن الحلاق «زيزو»؟ لقد وقع عبد السلام النابلسى فى غرام الشخصية، ووجد أنها تستحق فيلمًا منفصلاً، إنه بعد عشرات الأفلام، وبعد 30 عامًا قدّم فيها أدوارًا ثانية، يستحق دور البطولة. بعد 5 سنوات من إنتاج «إسماعيل ياسين فى الجيش» كتب عبد السلام النابلسى بنفسه قصة مشتقة منه تحت عنوان «حلاق السيدات»، كما قام بإنتاجه وبطولته، واستعان بنفس فريق عمل الفيلم الأول، أبو السعود الإبيارى لكتابة الحوار، وفطين عبد الوهاب مخرجًا، والمدهش أن نجم الكوميديا الأهم والأشهر وقتها إسماعيل ياسين قبل أن يقوم بالدور المساعد، وهو دور صديق البطل ومساعد «زيزو» حلاق السيدات، ودعمًا لعبد السلام النابلسى فى أول بطولة ظهرت صباح بشخصيتها ضيفة شرف، وقام عمر الشريف بالتعليق الصوتى على الفيلم، ورغم عدم نجاح الفيلم وقتها، قام فى العام التالى ببطولة أخرى فى فيلم خيال علمى كتب فكرته رشدى أباظة، هو فيلم «عاشور قلب الأسد»، لكنه لم يحقّق نجاحًا أيضًا، فعاد إلى مملكته الأولى فى الأدوار الثانية. سول محامى المجرمين لهوليوود نصيب من انتقال شخصيات صغيرة إلى أدوار البطولة، لكن فى النسخ الهوليوودية التزام أكثر بحبكة القصة الرئيسية، وغالبًا تطول أحداث المسلسل أو الفيلم المشتق، إذ إنه يتناول جزءًا خفيًّا عن حياة الشخصية فى الماضى، وهذا ما حدث مع آخر الشخصيات فى الدراما الأمريكية، وهى شخصية سول جودمان. حينما ظهر المحامى سول جودمان كشخصية ثانوية فى مسلسل «Breaking Bad» كان واضحًا المجهود الذى قام به كاتب الحلقات فونس جليجان، والممثل بوب أودينكيرك الذى أدّى الشخصية، سول جودمان محامٍ يستعين به المجرمون، شخصيته مزيج من النصاب ومحامٍ درجة ثانية، الإلحاح والوسائل الملتوية طريقته للحصول على أحكام مخففة لموكليه، أسلوبه وطريقة كلامه وميله إلى التظاهر والمبالغة وستايل ملابسه المبهرج تجعله أقرب لمهرج منه لمحامٍ. خفّة ظل سول جودمان كانت ملائمة تمامًا وسط أجواء العنف والجريمة، الشخصية تلقائية غير مفتعلة تستخدم أساليب غير متوقعة لمساعدة البطل والتر وايت، أستاذ الكيمياء، مريض السرطان، الذى كرس الباقى من حياته لتوفير مال لإعالة زوجته وابنه من ذوى الاحتياجات الخاصة، ودخل مجال تصنيع وتجارة مادة الميث المخدرة بمساعدة تلميذه السابق، مع مرور الوقت وتوسّع وايت فى تجارته أصبحت علاقته بسول جودمان وثيقة. قبل نهاية المسلسل بدأ الإعداد لمسلسل مشتق من العمل الأصلى يحمل اسم «Better Call Saul» (الأفضل لك الاتصال بسول) عن شخصية المحامى سول جودمان، بطولة بوب أودينكيرك، وكانت الفكرة فى البداية أن تكون الحلقات الجديدة سيت كوم كوميدى، مدة الحلقة نصف ساعة، لكن فى أثناء كتابة العمل تطوّرت الفكرة إلى مسلسل درامى، مدة الحلقة ساعة، ويجمع بين دراما الجريمة والكوميديا، الأحداث فى المسلسل تعود إلى عام 2002 قبل 6 سنوات من لقاء سول جودمان ووالتر وايت، وتناول المسلسل بدايات نشأة شخصية المحامى سول جودمان، وهو شخصية جذورها عامضة، لا يوجد شىء حقيقى أو مؤكد فى حياة سول جودمان، بداية من اسمه وعلاقته بالمحاماة. شخصية الدكتور فريز كرين التى ظهرت ثانوية فى سيت كوم «Cheers» فى بداية الثمانينيات حتى أوائل التسعينيات، وجسّدها الممثل كلسى جرامر، تحولت عام 1993 إلى مسلسل كوميدى ناجح استمر 11 موسمًا. فى السينما قدم دوين جونسون «The Rock» شخصية مومياء الملك العقرب فى فيلم «The Mummy Returns»، وعاد لتقديمها فى فيلم «The Scorpion King»، حيث تعود الأحداث 5000 سنة عن أحداث الفيلم الأصلى. اللمبى يُلِهم «H دبور» و«فزاع» تجربة «اللمبى» أصبحت نموذجًا ناجحًا لانتقال شخصية صغيرة فى دور ثانوى فى فيلم إلى دور البطولة، قدَّم محمد سعد شخصية البلطجى المسطول الذى يتمتّع بقدر كبير من الطيبة رغم محاولته الظهور بشكل بلطجى، ليتكيّف مع البيئة المحيطة به، اللمبى جزء من الشخصيات التى يقابلها الابن الساذج صلاح (علاء ولى الدين) الذى يرث مدرسة أبيه فى فيلم «الناظر»، ولأنه يفتقر إلى الخبرة، يحاول التعرُّف على أصدقاء جدد فى الحياة، بعد عامين من عرض الفيلم يكتب أحمد عبد الله مؤلف «الناظر» فيلمًا يتمحور على شخصية الليمبى خفيفة الظل، وفى عام 2000 كان محمد سعد قدم عشرات من الأدوار الثانوية والصغيرة فى المسرح والتليفزيون والسينما، دون أن يصل إلى دور البطولة، وكان السبكى وقتها يصنع فيلمًا منخفض التكاليف للعرض فى العيد، ويحقّق اللمبى المفاجأة والملايين، لكن جزءًا من الرأى العام استنكر تقديم بلطجى بصورة محببة وخفيفة الظل. كانت شخصية «إتش دبور» من سيت كوم تامر وشوقية تحمل كمًّا من التفاصيل الجذابة المضحكة، صنع أحمد مكى تاريخًا للشخصية، بحيث أصبحت من أهم شخصيات المسلسل، «إتش» أو «هيثم دبور»، شاب عاطل أرستقراطى منغمس فى الثقافة الغربية، له تسريحة شعر غريبة وملابس وأسلوب كلام خاص، انتقل مكى بالشخصية إلى دور صغير فى فيلم «مرجان أحمد مرجان»، وفى عام 2008 قدّم نفس الشخصية فى فيلم حمل اسم «H دبور». وبعد عدد من الأدوار الصغيرة لفت هشام إسماعيل النظر إلى موهبته الكوميدية فى مسرحية «قهوة سادة» مع المخرج خالد جلال، وفى فيلم «طير انت» مع أحمد مكى، قدّم عددًا من الشخصيات، منها شيخ الخفر المطيع، وكان انتقاله إلى فريق عمل مسلسل «الكبير أوى» مثمرًا حينما أعاد تقديم الشخصية مع كثير من الإضافات التى حولتها إلى شخصية مهمة هى شخصية «فزاع»، وهو شيخ الخفر الصعيدى المطيع لكل أوامر الكبير، ورغم أنها شخصية سلبية، فإنه يتمرَّد لاحقًا على الكبير، حتى إنه يدخل فى علاقة غرامية ويتزوّج من والدة الكبير الأمريكية «سامانثا»، وتعتمد الكوميديا فى شخصية «فزاع» على تناقص الشخصية الصعيدية بكل ثقافتها مع أدوات العصر والمدنية، ولا يتوقف تمرد «فزاع» على «الكبير» فى المسلسل التليفزيونى، بل إنه ينشق عن المسلسل بفيلم يُعرض حاليًّا، وكما فعل عبد السلام النابلسى قام هشام إسماعيل بنفسه بكتابة قصة فيلمه، وحاول فيه الابتعاد عن تفاصيل المسلسل.