كتب - محمد شعبان: على غرار الأغنية الشهيرة للرائعين أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، تعددت المدارس والموت واحد، تحولت المدارس في مصر إلى ما يشبه "مصائد موت"، حادثة تلو الأخرى، نفقد من خلالها طلاب في عمر الزهور هم في الحقيقة أمل هذا البلد نحو التقدم والتطور المنشود. مصيرًا غير معلوم يخفيه لك القدر حال توجهك لمدارس وزارة التربية والتعليم، فلم يعد الطلاب يذهبوا لتلقي العلم الذي ينتفع به فقط، بل قد تفقد حياتك في أي لحظة؛ بسبب الإهمال الذي أصاب المنظمة التعليمية، قد يسقط عليك ركام سور المدرسة، أو تدهسك سيارة التغذية المدرسية، أو يسقط عليك بعض الأحجار والأسياخ الخاصة بأعمال إنشائية بالمدرسة... أنتم في مدارس المحروسة. "أنا قفلت الامتحان يا ماما كله، وهجيب الدرجة النهائية، علشان تنفذي وعدك ليا وتخرجيني".. كانت هذه آخر مكالمة بين الطفلة "مريم"، ووالدتها، لتكون بالنسبة للأم المغلوبة لأمرها "مكالمة الوداع الأخير"، وذلك قبل أن يحدث ما لم يكن في الحسبان. الطفلة "مريم سالم "، لم تتعد 11عامًا من عمرها، اسم لا يعرفه المسئولون في مصر، لكنه كان يمثل كل شيء لوالديها، فهو الحُلم الذي تمنى والديها أن تكبر ليراها في أعلى المناصب ومن بعدها توصيلها لبيت الزوجية حيث الفرحة الكبرى التي طالما ينتظرها الأباء والأمهات، لكن يد الإهمال كانت أقرب لتحويل هذا الحُلم إلى كابوس، بعد أن تعرضت الطفلة لحادثة مؤسفة بمدرسة الأورمان بمنطقة كرداسة، بعدما لقيت "مريم" مصرعها عقب وقوع سور المدرسة الذي يزيد طوله عن 4 أمتار عليها، لتسقط مغشية عليها في بركة من الدماء التي سالت من رأسها، دون أن يتقدم أحد لنجدتها وإنقاذ حياتها. وبحسب والدة الطفلة، فانها ظلت مُلقاة أسفل أحجار السور الذي وقع عليها، ما يقرب من ساعة، ولم تجد الطفلة من ينقذها من أسفل سور الممر المجاور لمدرسة الأورمان بمنطقة كرداسة. دقات الساعة تُشير إلى الواحدة ظهرًا، يرن جرس الهاتف المحمول لوالدة "مريم"، رقم غير معلوم، تتردد في الرد أو تجاهل تلك المكالمة، لكنها شعرت فجأة بانقباض في قلبها، وإذا بها ترد على المكالمة وبصوت ملئ بالحزن يقول المتحدث: "البقاء لله يا مدام.. مريم راحت عن اللي خلقها"... لتنهار الأم في نوبة من البكاء الهستيري، متمنية أن يكون ما سمعته بمثابة الكابوس، لكنها أيقنت بعدها انه المصير المجهول الذي كان في انتظاهرا في ذلك اليوم المشؤوم، الذي تفقد فيه فلذة كبدها. جموع غفيرة من الطلاب وأولياء الأمور، بكاء وصراخ وعويل، أكوام من الأحجار ملقاة فوق جسم ضئيل.. كان هو المشهد الأول لوالدة الضحية فور وصولها المدرسة، وبعد انتشال جثة طفتلها، احتضنت الأم طفلتها في مشهد دفع الحاضرين للدخول في نوبة من البكاء، قبل نقلها للمستشفى، ومن بعدها الحصول على تصريح بالدفن. لكن هذا اليوم أصر بشدة على ألا ينقضي بسلام على والدة مريم المنهارة تمامًا، دقات الساعة تُعلن عن 11 مساءً، تجلس الأم على الأرض وتدير ظهرها لمن هو بالمستشفى، ليمر أمام أعينها شريط حياة طفلتها، ما بين فرح وحزن، وأمل ورجاء، لتستفيق من تلك المشاهد على خبر مؤسف، بعد علمها بأنها لن تستطع دفن جثة طفلتها الليلة، وعليها الانتظار لصباح اليوم التالي بسبب عدم حضور ممثلي النيابة لمعاينة الجثة والتصريح بالدفن. ويبقى الحال كما هو عليه، وعلى المتضرر منع أبنائه من التعليم!.. إهمال التربية والتعليم وحالات العنف ممتدة لسنوات طويلة مضت، وإن اختلفت الحالات فالجاني لا يتكرر، بل هو نفس الشخص، إنه "الإهمال"، الذى يشبه المغناطيس يختطف أبناءنا وفلذات أكبادنا، وشهد الماضي أكثر من 10 حالات وفيات أعُلن عنهم رسميًا، ولم يتغير موقف وزارة التربية والتعليم بعد كل حالة وفاة.