بدأت رحى الحرب تدور فى الركن الجنوبى الغربى من قارة آسيا، فالمملكة العربية السعودية التى تقع فى أقصى الغرب من آسيا، واليمن الذى يحتل هذا الركن، أصبحا فى حالة حرب غير معروفة الملامح عسكريا، وذات أهداف ملتبسة، ولا يوجد لها عنوان واضح، والذين ينفخون النار المشتعلة هناك ليس من بينهم من يفعل ذلك خوفا على اليمن، والسعوديون أساسا لا خطر داهما يهددهم فى المدى القريب، لكن إشعال الحرائق يحقق مكاسب لقوى دولية وإقليمية. وعند قراءة المشهد اليمنى لا يجب إغفال أن الحركة الحوثية كانت تحقق الانتصارات، لأنها تكسب تعاطفا شعبيا بغض النظر عن المذهب، وربما يفسر هذا تقاعس السلطة اليمنية عن الدخول فى مواجهة قوية منذ بداية صعود الحوثيين، أما على المستوى الرسمى فيمكن القول بيقين إن هناك قوى سياسية داخلية نافذة مثل على عبد الله صالح وغيره، يمكن القول بيقين أيضا إنهم يتحركون فى إطار تحالف غير معلن تقوده الجماعة الحوثية، وهناك تلميحات سابقة بأنه يوجد خمسة من الساسة فى مراتب عليا نافذة داخل السلطة اليمنية كانوا يناصرونهم، مع الأخذ فى الاعتبار أن النظام الذى كان يحكم كان توافقيا بين السلطة والمعارضة بالمناصفة، ويضاف إلى هذا أنه كان نظاما هشا، لا يملك قاعدة شعبية أو تأييدا من القبائل، لذلك كان من الصعب عليه الدخول فى مواجهة مع الحوثيين منذ بداية الأزمة، ولهذه الأسباب استمر الحوثيون ينتصرون فى ظل أحوال معيشية متدهورة، تزداد سوءًا باضطراد، مما خلق مناخا عاما بين قاعدة عريضة من الجماهير يتصف بعدم الاكتراث أو الانحياز للحوثيين، وأدى كل هذا فى النهاية إلى قيام تحالفات بين قبائل يمنية عدة معهم. واقعيا بعد الضربات الأخيرة أصبح المستقبل السياسى لليمن غامضا، ومن غير المعروف ما الذى سينتهى إليه المشهد الحالى فى هذه الدولة المنقسمة والمهددة بانفصال الجنوب، بينما هناك دعوات للفيدرالية. وليس من المعروف ما الذى سيطرأ على خريطة التحالفات الحالية فى الداخل اليمنى بعد التحالف الذى أنشأته المملكة العربية السعودية لضرب الحوثيين باعتبارهم شيعة موالين لإيران، لا باعتبارهم يمنيين تعرضوا لظلم تاريخى حتى قبل أن يحكم الملالى إيران، وهم يشكلون نسبة تصل إلى قرابة 30% من إجمالى عدد السكان، 28% يزيديون وهم أقرب إلى السنة منهم إلى الشيعة، وأما ال2% الباقون فهم من الشيعة الجارودية الأقرب إلى الاثنى عشرية فى إيران، وسبق أن أعلن المتحدث باسم الحوثيين على البخيتى، أكثر من مرة أن الحوثيين لهم مطالب اجتماعية وأخرى سياسية، لخصها فى «تطبيق خلاصات حوار المؤتمر الوطنى»، مبينا أن هذه الخلاصات حملت مشاريع أفكار لإنهاء نفى المكون الحوثى المستبعد دائما خارج أجهزة الدولة، ولقد ساعد الفساد المتغلغل فى أجهزة الدولة فى أن يبرز الدور الحوثى فى بداية الأزمة، لأنهم تبنوا فى خطابهم الإعلامى للداخل اليمنى رفع المظالم وتأكيد البعد الاجتماعى. الحرب الدائرة الآن بين المملكة العربية السعودية والحوثيين سوف تمتد لمدى زمنى طويل، إذا اقتصر الأمر على الضربات الجوية التى استهدفت بداية وقف أى إمدادات تصل إلى الحوثيين من إيران، القوة الإقليمية الأولى فى هذه المنطقة عسكريا على الأقل، التى تريد بسط قدر من النفوذ، مما يهدد المملكة العربية السعودية ودول الخليح من جوانب سياسية أو عسكرية، لقد كانت إيران فى عهد الشاه هى شرطى المنطقة الذى ينوب عن الولاياتالمتحدةالأمريكية فى ضبط إيقاعها، أما إيران اليوم فهى تريد أن تنهى عزلتها، وتخلق مكانة نافذة جديدة لها داخل الإقليم، بينما هى بصدد إنهاء قطيعة الغرب. لكن إذا قررت السعودية القيام بهجوم برى، فالمؤكد أنها سوف تلقى بالقوات المشاركة فى هذه العملية فى مستنقع يصعب الخروج منه بسهولة، فكل التجارب التاريخية لاحتلال اليمن كانت تبوء بالفشل، نظرا للطبيعة الجبلية الوعرة صعبة التضاريس والتفاصيل، التى لا تشكل أى صعوبة على أهل البلد، وكلهم مسلحون وذوو شراسة فى محاربة من يحاول اقتحام بلادهم، وبالطبع فإن الهجوم البرى لن يكون احتلالا لليمن، والجنود المصريون الذين ذهبوا إلى هناك سنة 1962 لتأييد الثورة اليمنية لم يكونوا قوة احتلال، لكنهم مع هذا عانوا معاناة مريرة فى قتال المناوئين للثورة اليمنية، وتكبدوا خسائر مؤلمة. لقد أعلنت الحكومة السعودية أنها لا تفكر فى الوقت الحالى فى عملية برية، لكن هذا الاحتمال يعتبر واردا فى المستقبل. لقد أضفت فكرة التحالف الذى كونته السعودية قدرا من الشرعية للعمليات الجوية التى تتم، لا سيما أن المملكة لم تتعرض لهجوم مباشر ضد أراضيها أو ضد مواطنيها، مثلما فعلت «داعش» ليبيا عندما ذبحت 21 مصريا، فقامت مصر بتوجيه ضربة جوية منفردة للرد على إيذاء مواطنيها، وهنا يتبادر تساؤل هام: ألم يكن من الممكن تأجيل الضربات الجوية حتى انعقاد القمة العربية والفارق فى التوقيت يومين فقط، علما بأن الأزمة مشتعلة فى اليمن منذ فترة طويلة؟ وبصفة عامة يشكل الزج بباكستان فى ملف الأزمة خطرا يرفع عن التحالف القائم غطاء الشرعية العربية.