مع منتصف مارس الحالي، وافق مجلس الوزراء على مشروع قرار رئيس الجمهورية بقانون بإنشاء وتنظيم اللجنة القومية لاسترداد الأموال والأصول والموجودات في الخارج. ويعد هذا القانون أحد الخطوات التي تتخذها الدولة منذ 25 يناير، لاسترداد الأموال المهربة من جانب رموز النظام الأسبق المتهمين في قضايا فساد وكسب غير مشروع، بالإضافة إلى العمل على مواجهة التحديات والصعوبات التي واجهت جهات التحري والتحقيق، لحصر وتتبع وتجميد والتحفظ على هذه الأموال، تمهيدًا لاستردادها لصالح الدولة المصرية. واعتمد مشروع القانون بشكل أساسي في عمل اللجنة، على قرار رئيس الجمهورية رقم 294 لسنة 2003 بشأن الموافقة على انضمام جمهورية مصر العربية لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، وكذلك قرار رئيس الجمهورية رقم 307 لسنة 2004 بشأن الموافقة على انضمام جمهورية مصر العربية لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، وهى الاتفاقية التي تم تفعيلها في عام 2014. ويهدف مشروع القانون إلى التنسيق بين الجهات المختلفة لتوحيد الجهود تحت مظلة لها شكل مؤسسي وتضم ممثلين عن الجهات المعنية بملف استرداد الأصول والأموال المهربة تحت مسمى اللجنة الوطنية لاسترداد أموال الدولة ، برئاسة المستشار النائب العام، ومن أهم اختصاصاتها تمثيل الدولة أمام الجهات المعنية والمنظمات الدولية في نطاق استرداد الأموال والأصول والموجودات في الخارج وتمثيلها أمام المحاكم الأجنبية وهيئات التحكيم الدولية، وكذا تلقي طلبات الصلح المقدمة من المتهمين وطلبات رفع الأسماء من قوائم التجميد بالخارج وإنهاء المساعدات القضائية على نحو يحقق الغاية المرجوة من عمل اللجنة. وألغى مشروع القانون، قرار رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة رقم 52 لسنة 2011 بإنشاء اللجنة القضائية لاسترداد الأموال، وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1963 لسنة 2014 بشأن تشكيل اللجنة الوطنية التنسيقية لاسترداد الأموال والأصول المصرية المهربة في الخارج، كما يلغى كل حكم يخالف أحكام هذا القرار. البرلمان القادم وتأثيره على عمل اللجنة طبقًا للمادة الثامنة من مشروع القانون، تلتزم اللجنة القومية لاسترداد الأموال والأصول بتقديم تقارير دورية كل ثلاثة أشهر إلى مجلس النواب تتضمن ما قامت بها اللجنة، والتوصيات التي تراها مناسبة لتحقيق أهدافها، ويجوز للجنة أن ترفع تقارير أخرى إذا ارتأت ضرورة لذلك. وسيكون البرلمان القادم وفقًا لمهامه التشريعية، لديه مجموعة من الأولويات في هذا الشأن أولها مراجعة ومناقشة وإقرار أو رفض القانون الذي أقره الرئيس عبد الفتاح السيسي، الخاص باسترداد الأموال المهربة. وفي حالة إقرار القانون والعمل به سيكون نموذج تشكيل لجنة فرعية داخل المجلس لتسهيل عمل اللجنة الأساسية هو الأقرب للواقع، خاصة في ضوء الحاجة لسن المجلس القادم لحزمة تشريعات تسهل عمل اللجنة، ومراجعة بعض الاتفاقيات الدولية التي تم التوقيع عليها مؤخرًا في غياب البرلمان. وبحسب الدراسات والتقارير المختلفة، يتعذر إيجاد إجابة دقيقة لحجم الأموال المنهوبة بالخارج، إلا أن هناك أموال بالفعل تم الاعلان عن تجميدها رسميًا، منها 750 مليون دولار مجمدة في سويسرا وحدها، ونحو 85 مليون جنيه استرليني مجمدة في بريطانيا، إضافة إلى مبالغ غير معلنة في إسبانيا وقبرص وهونج كونج وكندا وفرنسا. وانتهى تجميد سويسرا لمبلغ 750 مليون دولار في شهر فبراير الماضى، بعد مرور 3 سنوات من تجميد الأموال دون تقديم مصر ما يثبت أحقيتها في استرداد الأموال، وهو ما جعل الحكومة المصرية تتقدم بطلبات تفيد بارتباط أموال الرئيس الأسبق حسني مبارك بالقضايا المتهم فيها، مما جعل سويسرا تمد فترة التجميد 3 سنوات أخرى حتى فبراير 2017، فى حين أن دول الاتحاد الأوروبى جددت تجميد تلك الأموال لمدة عام واحد. تجربة ما بعد ثورة 25 يناير عاشت تجربة استرداد أموال مصر المهربة للخارج حالة من التخبط الشديدة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير بدءًا من إنشاء لجنة استرداد الأموال المنهوبة مارس 2011، ثم لجنة لتقصي الحقائق بشأن استرداد أموال مصر المهربة للخارج فبراير 2012، وذلك بناء علي اقتراح النائب مصطفي الجندي وأكثر من 20 نائبًا، والتي التقت بفاروق العقدة، محافظ البنك المركزي، في ذلك الوقت، وقررت إصدار مشروع قانون خاص لاسترداد الأموال المهربة إلى الخارج، وحتى حين حل المجلس عام 2012 لم يسفر عمل اللجنة عن شئ. أما اللجنة القانونية برئاسة الدكتور حسام عيسي فقد سعت بجدية لإيجاد تواصل بين العديد من الدول، من أجل تجميد أموال النظام السابق، إلا أن التنسيق لم يكن على قدر من الأهمية خاصة بعد واقعة رفض السفارة الإسبانية مقابلة وفد اللجنة لعدم وجود تنسيق مسبق، بالإضافة للعديد من اللجان الشعبية التي انطلقت عقب الثورة، ونظمت لقاءات مع ممثلى الدول في الخارج من أجل تجميد واستعادة أموال مصر المنهوبة في الخارج، إلا أن كل اللجان السابقة كانت محصلتها في النهاية صفر. التجربة النيجيرية هى الأقرب يُعد النموذج النيجيري لاستعادة الأموال من أهم النماذج فى مجال استعادة الأموال المنهوبة فى الخارج، بعد وفاة الديكتاتور النيجيرى السابق سانى أباتشا، قامت الحكومات المتعاقبة بعمل تحقيقات موسعة، وحملات دولية من أجل استعادة أموال باتشا ومعاونيه فى الخارج ضمن شبكة معقدة من الحسابات البنكية والشركات فى بريطانياوسويسرا ولوكسمبرج وجزر الباهاما. وبدأت عملية استرداد الأموال عن طريق تحقيق داخلى موسع فى عام 1998، وفى سبتمبر 1999 استعانت الحكومة النيجيرية بخدمات مكتب محاماة سويسرى يدعى مونفرينى وشركاه من أجل تعقب الأموال النيجيرية فى الخارج، وبحلول ديسمبر 1999 قبلت السلطات السويسرية أول طلب للمساعدة القانونية المتبادلة مما أتاح إصدار قرار عام بالتجميد، إلا أن الحكومة السويسرية اشترطت الحصول على حكم نهائى بالمصادرة من المحاكم النيجيرية، وهو ما كان يعد أمرًا صعبًا على المستويين القانونى والسياسى فى تلك الفترة فى نيجيريا، إلى أن استطاع مكتب مونفرينى من الحصول على حكم تاريخى بعدم الحاجة إلى حكم المصادرة النهائى لوجود ما يكفى من أدلة تثبت فساد أباتشا ومعاونيه. واستغرق الأمر ما يقرب من سبع سنوات حتى استردت نيجيريا شيئًا من الأموال، حيث استردت ما يفوق نصف المليار دولار في عام 2005، وفي عام 2013 تم استرداد 1.9 مليار دولار أخرى بعد 7 أعوام جديدة.