أفكر أحيانًا أن مصر تعيش حالة «هزار بايخ»، وأن توفيق الدقن يمسكها من أذنها، ويصفعها بإذلال وهو يسألها: العلبة دى فيها إيه؟ وعندما تفكر فى رد منطقى، يزيد من صفعاته المهينة، وهو يملى عليها: العلبة فيها فساد.. فيها إيه؟! ولا يتركها إلا بعد أن تستكين لذلك، وتمضى فى طريقها مذعورة، وهى تردد: فيها فساد.. فيها فساد! لقد أصبح الفساد من معالم مصر مثل الهرم والنيل، لم يعد شيئا مخجلا، بالعكس أصبحنا نبرره كما بررت دينا أسطواناتها المدمجة، ونجمله كما تحدث أحمد عز فى حواره مع محجوب، ونبحث له عن أسباب تجعله حرا وسعيدا بيننا كما يفعل ترزية القوانين، ونفسح له الأماكن والمواعيد، كما كان يفعل محجوب عبد الدايم مع قاسم بك. لا أعرف هل إحسان شحاتة ضحية أم مجرمة؟ كل ما أعرفه أن على طه كان أسوأ ضلالا واغترابا منها، ومن محجوب عبد الدايم، مجرد وجه آخر للعملة متعددة الوجوه، فهناك الصحفى أحمد بدير المكتفى بمشروعه الفردى، وهناك أنا، وأنت، والراجل اللى قاعد بعيد ده، والبنت اللى ماسكة الموبايل، والبرنس اللى فى القصر، والجدع اللى لابس كرافتة وشبشب وبيقدم برنامج تليفزيونى عن المستقبل! قد تبدو الصورة سيريالية ومبتذلة، لكنها أكثر خفة دم من الواقع السمج صقيل الدم الذى نعيشه! لقد كان على طه يناضل من أجل نشر أفكار سان سيمون بين المعدمين فى الريف ووسط عمال المصانع المطحونين، ويرى أن الحل فى تدريس الاشتراكية لجماهير الفقر والجهل والمرض، يعنى ببساطة يحلم بتدريب نعيمة الصغير على دور البطولة فى باليه بحيرة البجع ! أكاد أسمع صوت المعلق الرياضى الأشهر محمد لطيف (الله يرحمه) وهو يجلجل بعد أن ضيع المهاجم فرصة إحراز الهدف، وسدد الكرة فوق المرمى المفتوح أمامه: كان لازم تحنى صدرك وتنزل مشط رجلك تحت، الفكرة حلوة بس التنفيذ وحش ! كأن العبارة صارت تعويذة ملعونة تحكمت فى مصير الوطن.. الفكرة حلوة، بس التنفيذ وحش ، مع توالى الأجيال تحولنا جميعا إلى مفكرين بلا تنفيذ، ثم بدأنا فى تحريف الأفكار نفسها لكسر الملل، وإيهام أنفسنا أن التشويه تجديد، وإقناع الآخرين أن هذه الأفكار المشوهة المشوشة تستحق التطبيق، صار لكل واحد وجهة نظر، ودكانة يبيع فيها أفكاره الخاصة، وعندما لا يشتريها أحد يدخل فى خلافات ومشاجرات ومساومات مع أصحاب الدكاكين الأخرى: لا تشتروا من دكانة المصريين الأحرار إنها مثل بتاع العصير اللى فى العباسية، البدوى يضع البيض الفاسد فى كعكة الوفد، عماد جاد يحرق الأسعار، يسرى فودة بياع دمه تقيل، رامى رضوان عميل للأجهزة الأمنية وتلقى أوامر تليفونية بالهجوم على الدكتور أبو الغار، انت بتلعب مع الأجهزة، لأ انت اللى بتلعب مع الأجهزة، ماتعرفش حد يلعبنى مع الأجهزة؟! لا بد أن نتعاون من أجل المرحلة، لولا صعوبتها ماكنتش قبلت ما قبلت، ولا قلت ما قلت! ■ ماذا قلت؟ - مثلما تقول أنت، ومثلما يقول هو، ومثلما تقول هى. ■ أنا أقول: العلبة فيها فيل. - كلنا نقول: العلبة فيها فيل.. إنه فيل جميل، فيل من أجلك أنت، فيل يحمل الخير لمصر، فيل هيخليها قد الدنيا. ■ هل تصدق ذلك فعلا؟ - هما اللى قالولى. ■ لكن أين الحقيقة. - الحقيقة؟!.. الحقيقة أنا لسه ودنى بتوجعنى من القرصة الحقيقة، وشى وارم من الصفعات.. الحقيقة زى ما قالولى: العلبة فيها فيل. ■ أيوه، سمعت منير بيغنى إمبارح: العلبة فيها فيل يا سمرا، وقرأت مسرحية أبو الغار الفيل يا ملك الزمان ، وحفظت موعظة السيد البدوى عن سوق النخاسة، أما الجديد فى عالم الإنشاد هذه الأيام فهو النجم نجيب ساويرس، إنه أيضا يعظ، ويقرص مصر من أذنها، ليؤكد للجميع أن الفيل ما زال فى العلبة.