عندما أقدم السادات على تغيير النظام الاقتصادي المصري من اشتراكية عبد الناصر إلى الليبرالية الغربية، بتبني سياسات الانفتاح الاقتصادي، وتحرير السوق، ورفع الدعم، وإقرار حزمة من القوانين الاقتصادية، كان هدفة تزويد مصر بالموارد المالية اللازمة للتنمية وتعافي الحالة المعيشية للمواطنين. لم يكن يتوقع السادات أن تقابل قراراته بوابل من الاعتراضات والتظاهرات، ولم يكن يعلم أيضًا أنه سيخلق وحش رأسمالي عرف وقتها بمراكز القوى الاقتصادية أو "القطط السمان". نصر أكتوبر وتوجية الاقتصاد المصري جعل نصر أكتوبر من السادات العبقري الاستراتيجي الذي حقق النصر، كما جعل منه بطل العبور، ووضعه في وضع سياسي مماثل لما كان عليه عبدالناصر في أعقاب حرب السويس 1956، فقد بدأ بعد الحرب في إعادة توجيه الاقتصاد المصري، وكان يأمل في جذب العملة الأجنبية، وتمكين المساعدات الأجنبية الخاصة بالتنمية من خلق فرص جديدة للعمل، فيما عرف بسياسة الانفتاح. أقر السادات حزمة من القوانين الاقتصادية "القانون 118 لسنة 1975 للاستيراد والتصدير، وقانون النقد الأجنبي رقم 97 لسنة 1976، والقانون رقم 43 لسنة 1974 وتعديلاته الخاص بفتح باب الاقتصاد المصري لرأس المال العربي والأجنبي في شكل استثمار مباشر في كل المجالات تقريبًا" بالإضافة إلى نظام الاستيراد دون تحويل عملة وإنهاء العمل باتفاقات التجارة والدفع، والتي أدت إلى الانتقال لممارسة التجارة الخارجية على أساس المعاملات الحرة وأصبح بذلك تخطيط التجارة الخارجية مستحيلًا، وجعل تجارة مصر الخارجية عرضه لقوى السوق وتقلباتها الحادة. أدت تلك السياسات إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي للمواطن المصري، وزعزعة سيطرة القطاع العام على القطاعات الاستراتجية للاقتصاد القومي وإضعافه، وتجزئة الاقتصاد المصري، وظهور مراكز قوى اقتصادية جديدة، ونموًا هشًا في الاقتصاد المصري؛ لأنه نمو خدمي بالدرجة الأولى لم تكن الأولوية فيه للقطاعات السلعية؛ كالزراعة والصناعة، وإنما للقطاعات غير السلعية؛ كالتجارة والتوزيع والمال والإسكان الفاخر والنقل الخاص وسياحة الأغنياء. غليان الشارع المصري وانتفاضة الخبر كان من مردود تلك السياسات والإجراءات، انتفاضة المواطن المصري معترضًا على عدم الحصول على عائد ذلك النمو وسوء الأحوال المعيشية ورفع الدعم. فقد كان شعب مصر يحلم بالرخاء الاقتصادي الذي وعد به أنور السادات، بعد حرب 73 وتحوله من الاشتراكية للرأسمالية وتقربة من الولاياتالمتحدةالأمريكية، إلّا أنه في يوم 17 يناير 1977، أعلن نائب رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية، الدكتور عبدالمنعم القيسوني، في بيان له أمام مجلس الشعب مجموعة من القرارات الاقتصادية؛ منها رفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية، وبذلك رفع أسعار الخبز والسكر والشاي والأرز والزيت والبنزين و25 سلعة أخرى من السلع الهامة في حياة المواطن البسيط. بدأت الانتفاضة بعدد من التجمعات العمالية الكبيرة في منطقة حلوان بالقاهرة، وتحديدًا داخل شركة مصر حلوان للغزل والنسيج والمصانع الحربية، وفي مصانع الغزل والنسيج بشبرا الخيمة، وعمال شركة الترسانة البحرية في منطقة المكس بالإسكندرية، وبدأ العمّال يتجمعون ويعلنون رفضهم للقرارات الاقتصادية، وخرجوا إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة تهتف ضد الجوع والفقر، وبسقوط الحكومة والنظام. استمرت الانتفاضة يومي 18 و 19 يناير وفي 19 يناير؛ حيث خرجت الصحف الثلاثة الكبرى في مصر تتحدث عن مخطط شيوعي لإحداث بلبلة واضطرابات في مصر وقلب نظام الحكم، وقامت الشرطة وقتذاك بإلقاء القبض على الكثير من النشطاء وزاد العنف في ذلك اليوم، ثم أعلن في نشرة أخبار الثانية والنصف عن إلغاء القرارات الاقتصادية، ونزل الجيش المصري لقمع المظاهرات، وأعلنت حالة الطوارئ وحظر التجول من السادسة مساءّ حتى السادسة صباحًا. تقرير مجلس الشعب عن القطط السمان وقرار السادات بحله ومع استمرار السياسات الاقتصادية المتبعة في تعميق الانقسامات الاجتماعية في مصر، وظهور ما عرف ب"القطط السمان" وهم الأثرياء الجدد الذين حققوا ثرواتهم من خلال مشروعات الاستيراد الخاص، أو من خلال العمل كمقاولين من الباطن لدى الحكومة، أو استبدال العملة، أو من خلال تمثيلهم لمصالح أمريكية، وبحلول نهاية 1975 كشف تقريرًا أعده مجلس الشعب عن وجود 500 مليونير بالفعل في مصر. تبنى نواب المعسكر الاشتراكي- آنذاك- في مجلس 1976 الاعتراض على ما أنتجته تلك السياسات؛ فبدأ نواب التحالف العربي الاشتراكي في شن هجوم علي الحكومة والسادات من خلال الاستجوابات وطلبات الإحاطة والتنديد بمراكز القوى الاقتصادية التي أنتجتها تلك السياسات وتضرر المواطن البسيط، فقد وقف النائب محمود القاضي، والمستشار ممتاز نصار، وأبو العز الحريري مع عدد من نواب المجلس في تلك الدورة ضد الرئيس أنور السادات، وضد سياسات الانفتاح، وضد تصالحه مع إسرائيل، وضد كامب ديفيد، فلم يعجب الأمر الرئيس السادات، وأصدر قرارًا بحل مجلس 76 لإسقاط هؤلاء النواب. لقد كانت النتيجة النهائية لسياسة "الانفتاح الاقتصادي" وقوع الاقتصاد المصري في فخ التبعية؛ فلم يعد محلًا للجدل أن مصر في عهد الانفتاح صارت تابعة تبعية كاملة للمركز الرأسمالي العالمي.