مخصصات التعليم ما قبل الجامعي في الموازنة الجديدة لعامي 2011-2012 3.1 مليار جنيه بالمقارنة بمخصصات التعليم في موازنة عامي 2010-2011، وهو ما يوحي بكارثة حقيقية ستلحق بالتعليم الأساسي والثانوي، فضلاً عن الإجحاف الذي سيصل المعلمين. وبالتالي نحن بصدد تسيير خطط تقشف كبيرة وغير معلنة من الحكومة المصرية، ربما ستتجاوز خطط التقشف التي تمر بها الآن اليونان، وهو ما سيؤدي إلى حالة احتقان كبير، ربما ستعيد الأوضاع لنقطة الصفر". جاء ذلك في الحلقة التي عقدها "تيار الاستقلال الوطني" أول أمس الإثنين 13 مارس 2012، والتي أقيمت بمؤسسة أحرار، تحت عنوان" معالم السياسات الاقتصادية فيما قبل ثورة 25 يناير". حيث حاضر فيها الباحث أشرف عمر، الناشط والباحث بمركز الدراسات الاشتراكية، والذي تحدث عن أن المحور الاقتصادي، هام للغاية في تفسير التحولات الجذرية التي شهدتها مصر والحراك الذي حدث في العالم العربي، وامتد ليشمل أجزاء كثيرة من العالم، بالخصوص أوروبا وأمريكا. وأن هناك علاقة وطيدة تربط على سبيل المثال بين جنرالات المؤسسة العسكرية، والوضع الاقتصادي المصري، والأزمة الاقتصادية العالمية. اشتراكية أم رأسمالية الدولة رغم خلفية المحاضر الإشتراكية، إلا أنه انتقد معالم الاقتصاد الاشتراكي في عصر عبدالناصر، واعتبر أن ما قام به عبدالناصر كانت" اشتراكية غير مكتملة" لم يتم تجذيرها فعليا في التربة المصرية، ولم يتحقق لها أثر ملموس فيما بعد، وهو ما عجل بسقوطها بشكل سريع، على أيدي نفس المجموعة التي شاركت عبدالناصر في بناءها. أشرف عمر تحدث عن أن مجانية عبدالناصر في التعليم كانت موجهة بشكل رئيسي لخلق مجموعات جديدة يمكنها إدارة المصانع الجديدة التي سيتم إنشاءها لخلق رأسمالية دولة، كما إن التأميم الذي حدث للأراضي الزراعية كان لتوفير أموال لبناء نفس المصانع، وأن التأميم كان بتعويضات ضخمة للإقطاعيين حينها، وشمل 16% فقط من الأراضي المملوكة لكبار ملاك الأراضي في مراحل التأميم الثلاث، وزعت هذه النسبة الصغيرة على 10% فقط من فلاحين استلموها مقابل أقساط استمرت ل40 و44 سنة، يضحك عمر قائلاً:" هناك قرى مثل سراندوا وكمشيش وبهوت وغيرها كانت إلى وقت قريب تسدد هذه الأقساط!". يتحدث أشرف أن السياسة التي انتهجها عبدالناصر مسألة التعليم وغيرها كانت طبيعية في الخمسينات والستينات، وكانت دول كثيرة من العالم تطبق نفس السياسية حتى من دول أوروبية غربية مثل أسبانيا وألمانيا. يستكمل أشرف رؤيته النقدية قائلاً أن ما حدث في الخمسينات والستينات لم يكن تحول اشتراكي حقيقي، فالمطالب والمصالح الاقتصادية تم إعطاءها كمنحة للجماهير، وبالتالي حينما حدث التحول في فترة السادات-على يد نفس مجموعة عبدالناصر-لم تستطع الجماهير أن تفعل شيئاً حيال هذا الأمر، يكمل أشرف قائلاً:" أن المطالب والحقوق الاقتصادية تنتزعها الجماهير نفسها بأيديها، ولو تم انتزاع تلك الحقوق منها مرة أخرى لوقفت كي لا تسرق". عصر السداح مداح ثم يتحول أشرف عمر ليرصد التحولات التي حدثت في عصر السادات، مشيراً إلى أن ما حدث في عصر السادات هو أمر طبيعي، حيث "استرد السادات ما منحه إياه عبدالناصر"! يفسر الباحث ذلك بقوله أن الرأسمالية أمامها مسارين، إما أن تفتح السوق بشكل كامل، وهو ما يطلق عليه السوق الحر، وفي حال فشلها تلجأ لدفع الدولة بحيث تصبح" منافساً" عن طريق التحكم في السوق، وهو ما يطلق عليه "رأسمالية الدولة"، وهو الأمر الذي حدث في الأزمة العالمية الأولى التي ضربت أمريكا وأوروبا أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات، وحينها يمكن تفسير ما فعله السادات، فالتوجه العالمي للاقتصاد حينها كان الرجوع مرة أخرى للسوق الحر، فتم فتح السوق المصري لآخر مدى للانخراط في السوق العالمي، واتفاقية السلام لم تنفصل عن هذا السياق الاقتصادي، حيث تم التحول من رأسمالية الدولة (تجربة ناصر) إلى السوق الحر(تجربة السادات). يتحدث أشرف عمر عن أن هذه السياسة، هي السياسة العالمية التي كانت تشكل العالم الغربي حينها، وكان يمثلها (ريجان) في أمريكا، و(تاتشر) في بريطانيا. السادات، كما يقول أشرف عمر، كان يريد أن يخرج من العثرة الاقتصادية التي وقعت فيها مصر بعد النكسة من جهة، وكسب أمريكا من جهة أخرى، فعقد اتفاقية كامب ديفيد والتي كانت في سياق "التحول الاقتصادي العظيم. يضيف أشرف قائلاً:" كان السادات يريد توصيل رسالة لأمريكا أنه يريد أن يصبح " كلب حراسة" لأمريكا في المنطقة محافظا على مصالحها، ومحافظا على الحدود الغربية لإسرائيل، ومنع أي حرب تمثل تهديد للنظام الاقتصادي الأمريكي والغربي في المنطقة الأغنى بالبترول في العالم على الإطلاق". فدخلت مصر بعدها في عصر"الانفتاح الاقتصادي" و"القطط السمان". الليبراليون الجدد يتنقل أشرف عمر إلى عصر الرئيس المخلوع، فيقول إن مبارك استكمل مسيرة السادات بحرفية، بل زاد عليها فقام بتجريف القطاع العام بشكل كامل، ثم يعقب أشرف منوها على أن الصراع الذي حدث في السنوات العشر قبل الثورة بين "الحرس الجديد" بقيادة جمال مبارك وأحمد عز ومن اسموا أنفسهم ب"النيوليبراليين"، و"الحرس القديم" بقيادة كمال الشاذلي وصفوت الشريف وأحمد فتحي سرور، كان صراعاً حول تنفيذ السياسات الاقتصادية بنفس سماتها، لكن بشكل مختلف، حيث كان يرى "الحرس القديم" تنفيذ هذه السياسات بشكل مرحلي ومزمن حتى لا تحدث هبات شعبية تضيع ما تم انجازه من "نهب ممنهج"، فيما كان يرى الحرس الجديد تطبيق هذه السياسات بشكل حاسم وعاجل لتحقيق نهضة اقتصادية كبيرة حتى ولو كانت مؤلمة للطبقات الفقيرة. بتهكم يتحدث أشرف عن أن الليبراليين الجدد في رأيه حققوا معدل تنمية مرتفع وصل ل7 و8% لكن هذه النسبة كانت تعم فقط على المستثمرين الأجانب والمستثمرين المصريين الذين تكفل لهم الدولة تيسيرات اقتصادية ضخمة للغاية من أجل تشريعات وقوانين،وفي شكل أرباح رأسمالية ريعية في الأغلب، في الوقت الذي كانت فيه طاحونة الرأسمالية تئد المواطنين الفقراء، وتحطم نهائيا "الطبقة المتوسطة". مصطلحات جديدة يضيف أشرف أن هذه النخبة الجديدة سوقت مفاهيم ومصطلحات مثل الحكم الرشيد، وتحرير التجارة، وحقوق المستهلك، والتنمية بفتح أسواق ريعية ورأسمالية جديدة، وكلها مفاهيم تم بلورتها وتسويقها واستغلالها من قبل الخبراء الاقتصاديين والنخبة الاقتصادية / الحاكمة الجديدة لتغليف إستراتيجيتهم في النهب الاقتصادي، والتي تستخدم كي لا تصبح السياسات الاقتصادية جيدة إلا من خلال منظور الشركات الأمريكيةوالغربية الكبرى. وعندما تقتنع الدولة بهذه المفاهيم فهي مطالبة بخصخصة الصحة، والتعليم، وخدمات المياه والكهرباء، وبيعها للشركات الكبرى، وهي مضطرة بعد ذلك إلى إلغاء الدعم، وجميع القيود التجارية التي تحمي الأعمال الوطنية بينما عليها القبول باستمرار أمريكا وشركائها من الدول الصناعية الكبرى في تقديم الدعم لقطاعات أعمالها، وفرض القيود لحماية صناعاتها.! يستطرد أشرف قائلاً أن هذه السياسات أدت لخلق"احتقان" تراكم حتى وصل لانفجار ثورة 25 يناير، لكن الحقيقة—من وجهة نظره—أن السياسات نفسها بعد الثورة لم تتغير على الإطلاق، ويعتبر ما حدث وما يحدث حراك رائع لكنه أتى حتى الآن على المستوى السياسي بتغيير شكلي يحافظ على نفس المنظومة القديمة. ويضرب أشرف عمر مثالاً حدث بعد الثورة، حينما أراد سمير رضوان أن يضغط قليلاً على رجال الأعمال –لكي يتم تسكين الزخم الثوري الحادث في الشارع- بفرض ضرائب تصاعدية وضرائب على الأرباح الرأسمالية، حينها ووجه بعاصفة شديدة وممانعة قوية، أدت لتراجعه وتراجع حكومة عصام شرف عن تنفيذ هذا الأمر! إزاحة جزئية الحقيقة، كانت وجهة النظر التي خرج بها حضور الندوة، هي أن الثورة أسقطت مجموعة صغيرة من رموز النظام السابق، ولم يسقط النظام بل أعاد إنتاج نفسه مرة أخرى من خلال عملية إزاحة " جزئية"، أخرت جزءاً من النظام لصالح مجموعة أخرى من داخل النظام تدير المشهد الرئيسي والمفصلي فيه، تحافظ على المحددات الرئيسية للنظام، والتي تتمثل بشكل رئيسي في الحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة، وعدم القيام بأية بتغييرات جذرية في مسار العدل الاجتماعي (سياسات اقتصادية تحجم من نفوذ رأس المال الدولي في مصر، ومن أريحية الفساد التي تعيشها طبقات اقتصادية أو سلطوية بعينها)، أو في مسار تمرد مصر على الترتيب الاستراتيجي الأمريكي –صهيوني في المنطقة..