لم تكن مجلة صباح الخير حلما خاصا بفاطمة اليوسف، أو احتكارا لطموحات إحسان عبد القدوس، أو مساحة نفوذ فنى وصحفى وفكرى وسياسى لأحمد بهاء الدين، أول رئيس تحرير لها، بل كانت أملا كبيرا لجيل كامل من الفنانين والكتّاب والمبدعين والشعراء، وكان مقررا لها أن تصدر فى 5 يناير 1956، ولكن العدد الأول صدر فى 12 يناير 1956، كان مفاجأة غير متوقعة ومدوّية، وعبّرت بقوة عن صحافة شبابية فتية وعفية وناضجة، وشارك فى العدد الأول كتّاب راسخون من الشباب، مثل محمد عودة وأحمد عباس صالح. ولم تقتصر المشاركة على الأسماء التى وردت فى العدد الأول، بل ظلّت تظهر أسماء شابة بعد ذلك فى كل عدد، ولم تكن تقتصر المجلة على الاستعانة بشباب الرجال، بل إنها استقطبت كاتبات أثبتن جدارتهن جنبا إلى جنب مع الرجال، وفى مقدمتهن، كانت الكاتبة فوزية مهران، الأديبة والصحفية، والتى تجيد اللغة الفرنسية، ومنذ العدد الثانى الذى صدر فى 17 يناير فى عام صباح الخير الأول، كتبت فوزية قصة قصيرة عنوانها أحلام السهرة ، وكانت قصة قصيرة جدا، وجاءت تنفيذا لفكرة بديعة، وهى قصة فى دقيقتين ، وكان هذا الباب يمثّل حلًا للقصة القصيرة التى بدأت تترهل، وتعانى من استطرادات ركيكة، فكان هذا الفن من القصص القصيرة جدا، يعتبر فنا رياديا، لتخليص القصة القصيرة من زوائدها، وتعتبر فوزية مهران من رائدات هذا النوع من القصص. كانت القصة تتحدث عن ولد صغير، ذهب إلى حفلة غنائية ساهرة، وكان المطرب العاطفى الشهير سوف يحيى السهرة، وكان الولد الصغير قد ذهب مع والده الذى يعمل جرسونا، يوزع الطلبات على الضيوف، وعندما بدأت السهرة، كان الولد سعيدا للغاية، وبدأت مع هذه السهرة خيالات الولد تشتعل الذى سوف يحكى عن وقائع هذه السهرة لزملائه فى المدرسة، ولكن والده لم يمهله لتشعب خيالاته، ودفعه إلى معاونته فى توزيع الطلبات، وعندما كان يمر لتنفيذ هذه المهمة الثقيلة، لمح أحد زملائه فى المدرسة، يجلس مع أسرته السعيدة فى قاعة المتفرجين، وهكذا أفسد عليه هذا الزميل، متعته فى الفرجة، وعطّل خيالاته التى انطفأت فجأة، وبالتالى لن يستطيع أن يحكى لزملائه (مزهوا) وقائع هذا الحفل. القصة رشيقة بالفعل، وتؤدى غرضا ربما يشبه رسائل الحكمة التى كان يكتبها الاجتماعيون أو الفلاسفة لإيصال رسالة اجتماعية ما، وكانت القصة تطرح أجواء الصراع الطبقى الذى يدور فى المجتمع. ولم تكن ريادة فوزية مهران فى هذا الباب فقط، بل إنها كانت أول من كتب فى باب عصير الكتب ، الذى تم تصديره كعنوان ثابت فى المجلة، ليتداوله الجميع، قبل أن يتولاه الكاتب الكبير علاء الديب فى الستينيات من القرن الماضى، وكانت بداية هذا الباب فى العدد الخامس الذى صدر فى 9 فبراير 1956، وكتبت فوزية مقالا عنوانه المرأة بين يوسف السباعى وبرنارد شو! ، وفى هذا المقال تستعرض الكاتبة مسألة المرأة عند الباب، وتعتبرها بأنها هى الشغل الشاغل عند الكتّاب، ولا تخلو كتابة كاتب أيًّا كان من انشغاله بالمرأة، وتستعرض فوزية سلسلة آراء من طراز الكاتب الروسى تورجنيف، الذى صرّح بأنه من الممكن أن يتخلى عن كل ما لحقه من مجد لامرأة -أى امرأة- يساورها القلق عليه إذا تأخر فى عودته عن المنزل، ثم تستطرد مهران فى رصد سريع للآراء التى جاءت فى أدب يوسف السباعى، ثم فى أدب برنارد شو، وتعقد مقارنة بين الرأيين. ومن الممتع أن نلاحظ الكاتبة، وهى تقتصد فى الكلام، وتكثّف المعانى، حتى تصل إلى أقل الكلمات، لتعطى أكثر فائدة، وهذه هى فلسفة عصير الكتب فى الصحافة المصرية، والتى راحت تتطور فى ما بعد، وبشكل مذهل على يد الكاتب والصحفى والناقد الكبير علاء الديب، وإن كانت البدايات لهذا الباب لم تخل من ذلك التجويد والتطوير. وراحت فوزية مهران تتألق وتزداد توهجا، وتنشر قصصها ومقالاتها الثرية والغنية والطازجة والجميلة كذلك، وفوزية مهران لم تقتصر على كتابة المقالات والقصص فقط، بل راحت لتترجم للمجلة مواد أدبية عديدة، وجديدة فى بلادها، وبالتالى فى بلادنا. وفى 14 مارس عام 1957، نقلت الكاتبة رواية ابتسامة ما للكاتبة الشابة الفرنسية فرانسوا ساجان، والتى أصبحت هاجسا كبيرا فى العالم، ونموذجا للصعود الأدبى السريع فى العالم كله، وقدمت فوزية الرواية والروائية فى الكلمات التالية: إن فرانسوا ساجان، الكاتبة القصصية الشابة التى بلغت أوج شهرتها وهى لم تتعد العشرين من عمرها بعد، ثم تبعتها بهذه الرواية، فكانت أغرب من سابقتها . ومنذ تلك السنوات راحت الكاتبة والصحفية والأديبة فوزية مهران تثرى الحياة الأدبية بكتاباتها عن كتّاب عالميين مثل تولستوى وتورجنيف وسيمون دى بوفار وغيرهم، وكذلك مجموعاتها القصصية، ورواياتها البديعة، ومن أكثر رواياتها ذيوعا، رواية بيت الطالبات ، وكذلك نشرت لها الهيئة العامة لقصور الثقافة كتابا نقديا عن لطيفة الزيات، وليتنا نستطيع أن نحصل على كتابات فوزية مهران مجموعة فى كتب ومجلدات، حتى تستقيم رؤيتنا لكتاباتها، ثم تتضح الأدوار الرائدة التى لعبتها هذه الكاتبة فى تاريخ كتابة المرأة فى مصر والعالم العربى، ومن اللافت للنظر أن غالبية كتابات فوزية مهران جاءت فى مجلة صباح الخير .