هذا مشروع فتن به خمسة من رؤساء مصر، والرئيس السيسى سادسهم. الفكرة لامعة، خصوصا فى سنوات التحولات وانقلاب الموازين، بدأ الأمر مع الرئيس عبد الناصر عام 1965. جاءت نكسة 1967 لتفرم فى طريقها أى طموح لبناء محطة نووية فى مصر، ولم يكن منطقيا بعدها بأىّ حاول من الأحوال والبلد يلملم شتاته من أجل أن يستعد لمعركة التحرير، أن يشطح بالرئيس السادات الخيال إلى حد أن يسعى لبناء محطة نووية، لكن فى عام 1981 بدا أن هذا هو الوقت المناسب. سنة الأفعال الخارقة والمواجهات الصادمة. قبل اغتياله بأشهر قليلة أصدر قراره بتخصيص تلك البقعة النائية على شاطئ المتوسط بالقرب من مطروح، تلك التى تسمى الضبعة. غاب السادات، لكن الحلم النووى راود خَلَفَه مبارك. فى 1983 طُرحت مناقصة عالمية لتنفيذ المشروع، لكن ستر الله كان كامنًا فى البيروقراطية المصرية الأصيلة. ظلت المناقصة عالقة فى الهواء لسنوات، حتى وقعت كارثة مفاعل تشرنوبل النووى المروعة عام 1986، وضربت سمعة المفاعلات النووية فى مقتل، وعادت الفتنة عام 2007، غياب الرؤية والتخبط بين مشاريع ترسيخ مبارك الابن، وصناعة صورة جديدة لمبارك الأب، وفوضى السنوات الأخيرة فى حكم آل مبارك قهرت الفتنة، حتى جاءت ثورة 25 يناير، لنكتشف أن فتنة النووى عابرة للأزمنة والعصور والرؤساء. كان مرسى رئيسًا مغرمًا بصناعة الدراما. يفتح القميص فى ميدان التحرير ويقول لا قميص واقيًا ، يذهب إلى أهله فى استاد القاهرة فى سيارة مكشوفة محتفيًا بذكرى نصر لم يصنعه، وعلى هذا قرر الذهاب إلى مرسى مطروح، ليُحيى فى أكتوبر 2012 من جديد فتنة النووى. غابت فتنة مرسى ولم تغب فتنة النووى حتى فى عهد رئيس انتقالى هو عدلى منصور، هو الآخر استغل أجواء ذكرى نصر أكتوبر فى 2013، ليعلن إحياء حلم الضبعة النووى فى زمن انتقالى متوتر ومنفلت لا يسمح بجلوس الأحبة متجاورين لا ببناء محطة نووية، لكنها النداهة التى استحوذت على العقول، والفتنة التى استولت على الأفعال، والجملة الخالدة التى يحلم كل منهم برؤيتها أنا الرئيس الذى أُدخل مصرَ العصر النووى . علاقتنا مع أمريكا متوترة. وروسيا ثعلب يقظ. يمكن أن نفعل الكثير معًا لنغيظ أوباما وشركاءه، صفقات سلاح، تبادل تجارى، ماذا عن المشروع النووى؟ هل تتحقق الفتنة أخيرًا عبر السيسى وبوتين؟ لا أحد الآن يتحدث عن بناء محطات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية غير مصر وأهلها. العالم كله يهرب من هذه المحطات الشريرة كما يهرب العقلاء من وباء إيبولا ، ونحن نذهب إليها مهرولين كالمجاذيب. خذ عندك بلدا متقدما مثل تايوان، قرر فى أبريل 2014 وقف بناء محطة نووية فى البلاد بعد احتجاجات حاشدة من المواطنين خوفًا من الآثار الصحية والبيئية المروعة. هذه الاحتجاجات سبقتها احتجاجات مماثلة بين عامى 2008 و2009 فى إنجلترا وألمانيا وفرنسا! أن تبدأ مصر فى بناء محطة نووية فهذا كابوس حقيقى. كل الأمل أن يراجع الرئيس السيسى هذه الاندفاعة نحو المجهول، فى بلد يتحرك فيه مترو الأنفاق وأبوابه مفتوحة بسبب عطل كهربى عابر.