لا شك أن إيران أصبحت من القوى المؤثرة على مسارات الصراع المختلفة فى المنطقة. يعتبر الجيش الإيرانى من أقوى جيوش المنطقة، ولا يمكن تجاهل ما وصلت إليه إيران من تطوُّر علمى بسبب سعيها لامتلاك طاقة نووية يعطيها أفضلية وقوة عن سائر الدول المحيطة. وامتدت كروت إيران فى المنطقة لتشمل توغلًا حقيقيًّا فى قلب الوطن العربى. فالامتداد الإيرانى يشمل العراق، ويصل إلى حزب الله الذى جسَّد وجودًا قويًّا لإيران فى الشام، بالإضافة إلى كونها الحليف الأبرز لنظام الأسد المستمسك بالسلطة حتى آخر نفس. وتمتد جذور إيران فى جنوب الجزيرة العربية فى الأشهر الأخيرة لتنبت فى اليمن بعد الانتصارات المتتالية للحوثيين. تكمن قوة إيران فى تنوُّع أدواتها ما بين الفاعلين من غير الدول مثل حزب الله، وكونها دولة متماسكة تمتلك جيشًا نظاميًّا قويًّا، ربما يمتلك القدرة على إنتاج نووى غير سلمى. كما أنها تمتلك حلفاء تجمعها بهم روابط وجودية فى العراق وسوريا واليمن. ولكن يقابل ذلك على الناحية الأخرى عدة نقاط ضعف تتمثل فى كونها دولة غير عربية فى منطقة ذات أغلبية عربية، بالإضافة إلى فقدانها ثقة المجتمع الدولى وضعف قدراتها الاقتصادية مقارنة بمنافسيها فى الخليج. وعليه، فإنه فى ظل الحرب الإقليمية الحالية لا يمكن أن تتجاهل مصر الدور الذى تلعبه إيران فى محاولة تشكيل مستقبل المنطقة. فالعمق الاستراتيجى المصرى ممتد إلى بلاد الفرس برضانا أو بغير رضانا. وتبقى السياسية الخارجية المصرية فى أزمة، حيث إن أى تقارب بيننا وبين إيران سيضعنا فى أزمة مع حلفائنا الأصليين فى الخليج وبالأخص السعودية. وإن كانت الأولوية الأولى فى الحرب الحالية هى تقوية العلاقات الاستراتيجية مع حلفائنا، فإن ذلك لا يعنى تصادمًا تامًّا مع دولة مثل إيران لمصلحة مصر ودول الخليج. هناك تباين واضح بين المواقف المصرية والإيرانية وغياب ثقة لأسباب تاريخية منذ السبعينيات. وسيبقى هذا الخلاف مستمرًّا بسبب الرؤى المختلفة لمستقبل المنطقة، وكون مصر تتحرَّك فى إطار حلف عربى قومى، ولكن هناك فرصة لمد جسور التعاون من أجل حل شامل فى المنطقة. فالكل يعلم أنه دون تسوية سعودية-إيرانية وإيجاد حل لأزمة إيران النووية يرضى جميع الأطراف لن تشهد المنطقة استقرارًا حقيقيًّا، ولذلك يجب أن تتحرك مصر بنشاط على المستوى الدولى والإقليمى، من أجل تحويل المفاوضات بين إيران ومجموعة ال 5+1 من اتفاق حول مستقبل التكنولوجيا النووية فى إيران إلى اتفاق حول حل شامل لأمن الطاقة وتسوية النزاعات المسلحة فى المنطقة. ولن يحدث ذلك إلا بوجود طرف عربى فى المفاوضات مثل مصر، لأن الخليج لديه نزاع مباشر مع إيران. تلك هى فرصة مصر المتاحة حاليًّا فى هذا الملف إذا أرادت أن تدافع عن مصالح حلفائها من دول الخليج، وتبرز دورها القيادى فى المنطقة. فدون تعريب قضية الطاقة والأمن النووى من خلال المشاركة سيستمر الصراع فى المنطقة إلى ما لا نهاية، وربما يتبلور فى أشكال أخرى، مثل سباق للتسليح النووى.