فى حوار له مع «الأهرام» قبل أشهر، قال الرئيس السيسى إنه من هواة القراءة، إلا أنه بعد وصوله إلى منصب الرئيس لم يعد يجد وقتا كافيا لذلك. يتفهم المرء هذا قطعا، إذا كان الواحد وهو عابر سبيل فى الدنيا مش رئيس جمهورية ولا حاجة، يجد الوقت فى أحيان كثيرة يهرب من بين يديه كنشال محترف، يفلت من كبسة الداخلية فى أوتويس نقل عام، لكن من قال إن القراءة لرئيس الجمهورية فعل عارض يمكن أن يحدث لما الوقت يسمح؟ رئيس وزراء غاوى شحططة فى الشوارع مثل المهندس إبراهيم محلب لن يجد بدوره وقتا للقراءة، هو رجل أغلب وقته يضيع فى المواصلات واجتماعات تصل الليل بالنهار، وكلمات فى مؤتمرات محلية وإقليمية ودولية، يستلهم فيها عباراته من رائعة تامر حسنى ولسه اللى جاى أحلى ، وإذا كان رئيس الوزراء هكذا فما بالك بوزرائه، لكن كتاب مذكرات تونى بلير ، الصادر باللغة العربية قبل ثلاث سنوات، هو كتاب قراءته فرض علينا، وعلى كل من قرر أن يلعب السياسة فى مصر بمزاجه مثل محلب أو رغما عنه مثل الرئيس السيسى. الكتاب الضخم الذى تقترب صفحاته من رقم ألف يتحدث فيه رئيس وزراء بريطانيا الأسبق عن تجربة وصوله وبقائه فى 10 داوننج إستريت، مقر الحكم فى بريطانيا فى عشر سنوات خطيرة 1997- 2007 مر بها العالم بانقلابات عدة، ومرت بها بريطانيا نفسها بتقلبات سياسية حادة، دفعت بحزب المحافظين، الذى كان يسيطر على الحكم ل18 سنة متصلة إلى أن يخرج من السلطة غير مأسوف عليه، ليدخل بعد ذلك بلير ومن خلفه حزب العمل إلى الحكم، وسط تطلعات وطموحات وآمال شعبية جارفة تصل فى كثير من الأحيان إلى حد الهوس الشعبى هل يذكرك هذا بما حدث عن وصول الرئيس السيسى إلى الحكم عقب إزاحة حكم الإخوان؟ . ماذا فعل بلير، وكيف غيّر من البنية السياسية التحتية لنظام الحكم العتيق فى بريطانيا، ثم كيف واجه كل الأعاصير العالمية التى ضربت الدنيا فى هذه السنوات العصيبة، بدءا من 11 سبتمبر مرورا بغزو العراق والحرب مع القاعدة ، هذه تجربة حياة حقيقية تصلح، لأن تكون ملهمة لمن لا يريد الاستسلام للحركة التقليدية فى بناء الأنظمة السياسية، ولمن يتطلع إلى نماذج حية للنجاح، فعلها بلير وحزبه بعد ثلاث مرات من الفشل الموجع فى انتخابات متتالية أعوام 1983 و1987 و1992. يقول بلير فى صفحات كتابه الأولى أول قاعدة فى السياسة هى عدم وجود قواعد مطلقا. ليس هناك خاسرون دائمون ورابحون حتميون. إذا امتلك المرء السياسة المناسبة والاستراتيجية المناسبة فسيحوز دوما فرصة للفوز ، ثم يحذر نفسه من الشلة المغرضة يقول: اقترب منى أحد الأشخاص مترنحا بفعل شرب نخب الانتصار، قائلا: ستكون رئيس وزراء عظيم يا تونى ، خشيت أن يكون جوابى له ابتعد عنى ، كيف أمكنه أن يعلم أننى سوف أكون عظيما؟ ثم يروى كيف كان يختار رجاله فى الوزارة قائلا: إن المديرين ليسوا قادة أبدا. إنهم يحركون أحجار الرقعة، لكنهم لا يعيدون تصميمها ، أما القادة فهم يقومون بأشياء مختلفة بطبيعتها ويخاطرون فى بعض الأحيان.. يتحركون بطرائق مفاجئة ومغامرة.. وهم معرضون للمعاناة من إخفاقات كبيرة، ومرشحون لتحقيق نجاحات كبيرة.. صدقت والله يا عم بلير، رزقنا الله بقادة لا مديرين، والأهم أن يكونوا قادة يقرؤون ولا يكتفون بالفرجة.