ما إن تدخل محطة مترو الأنفاق، حتى تجد نفسك أمام عالم آخر. باعة جائلون يفترشون سلالم المحطات ومداخلها ويعطلون حركة الصاعدين والهابطين، وأجواء معتمة تجعلك تكاد تتلمس خطواتك محاذرًا التعثر أو السقوط. فى الداخل، لا بدَّ أن يسترعى انتباهه عالم المترو، بزحامه الفوضوى والمساحات المقتطعة من أرضه بطريقة بدائية لإقامة مسجد، وضياع كثيرين لا يدرون إلى أى اتجاه ينطلقون فى غياب العلامات الإرشادية. عن ماكينات التذاكر حدِّث ولا حرج. ماكينات معطلة وعاملون بعضهم متكاسل وبعضهم الآخر متذمر من وقفته لساعات ومتابعته تذاكر توضع فى يده أو على سطح الماكينة المعطلة. الشاشات فى المحطات تبث دعاية صريحة ومباشرة عن اللمبة الليد و تعليمات فخامة السيد رئيس الجمهورية وطوابير الصباح فى المدارس وهى تردد تحيا مصر . دعاية تليق ببلد مثل كوريا الشمالية وليس مصر. فى الفترة الأخيرة، فوجئ رواد مترو الأنفاق، باستبدال الأغانى وطنية -كان أبرزها يا حبيبتى يا مصر و حلوة بلادى السمرة - بإذاعة النشرات الإرشادية داخل المترو. هذا الحدث تكرر أكثر من مرة فى وقت سابق، حيث قررت شركة مترو الأنفاق مشاركة المواطنين الاحتفال باليوبيل الفضى لإنشائه فى عام 2012. وتكرر أيضًا ذات الفعل، فى 30 يونيو 2013 تزامنًا مع انطلاق المظاهرات التى خرجت ضد حكم الإخوان المسلمين. فى بلاد كثيرة، بينها دول عربية كالإمارات، يُمنع منعًا باتًّا النزول بالمأكولات والمشروبات إلى محطات المترو أو دخول العربات. فى مصر، كل شىء مباح ومتاح، وبالتالى يمكن أن تجد عبوات المشروبات الغازية وبعضها نصف ممتلئ، مركونة أو متروكة هنا أو هناك، وقد تنسكب على المقاعد أو أرضيات عربات قطارات المترو لتزيدها اتساخًا. وقد تمتلئ أرضيات العربات بقشور اللب، التى ينهمك فيها ركاب من باب التسلية وتزجية الوقت، فى أسلوب غير حضارى يثير استياء كثيرين. إدارة المترو حاولت فى الأسابيع الأخيرة تنبيه الركاب إلى ضرورة عدم إلقاء المخلفات على القضبان أو تركها داخل عربات القطارات، لكن لا أحد يسمع ولا أحد ينفذ ذلك، لأنه ببساطة لا أحد يحاسب ويعاقب ويوقع غرامات مالية متعارفًا عليها للمخالفين، حسب درجة المخالفة ومستواها. وبالتالى قد تجد عبوات المشروبات الغازية وقطع الكرتون والأكياس والمناديل الورقية المستعملة ملقاة على القضبان بطريقة غريبة لا تجدها فى بلدٍ آخر. هل يظن هؤلاء الذين يلقون ما فى أيديهم على القضبان أنها سلة مهملات؟ وماذا عن وجود سلة مهملات فى كل ركن من محطات المترو؟ كى يستخدمها رواده بشكل لائق وبسيط؟ يردد البعض أن إدارة المترو أزالت الصناديق خوفًا من احتمال لجوء إرهابيين أو تيار العنف إلى زرع عبوات ناسفة فيها، ولذا يتم الاكتفاء بمرور عمال النظافة فى المحطات، حاملين معهم أكياسًا بلاستيكية كبيرة أو أجولة. وقد تجد على جانب المحطة شِوالا ، كى يضع الركاب فيه أو بجواره القمامة بدلاً من إلقائها على رصيف المحطة أو بين القضبان. ورغم ذلك يترك ركاب القمامة على مقاعد الانتظار، كما لو أن هذا تذكارهم المفضل! قد ينصحك البعض بأن تلقى بما تحمل من مخلفات فى البرميل الكبير ، وحين تقترب من البرميل المذكور، ربما يتصدى لك عمال المحطة أو عساكر الأمن، موضحين أن البرميل للتذاكر فقط ! السلالم الكهربائية معطلة فى أوقات كثيرة، حتى إن مستخدمى المترو باتوا يألفون صوت المذيع الداخلى وهو يخاطب مندوب شركة تيسن ويطلب منه التوجه إلى سلم كذا لإصلاح العطل فى المصعد، فى حين ينتظر كبار السن والحوامل الفرج بإعادة تشغيل السلم الكهربائى حتى لا يتحملوا مشقة الصعود على درجات السلم. كلما تحدثت عن الوضع السيئ للمحطات وعربات القطارات وصيانة السلالم الكهربائية المعطلة طوال الوقت، رد عليك مسؤولو شركة مترو الأنفاق، قائلين إن العين بصيرة واليد قصيرة ، وحدثوك عن ضرورة رفع سعر تذكرة المترو إلى أضعاف أضعافها لمواجهة المتطلبات والنفقات الضاغطة على الميزانية المحملة بخسائر مادية طائلة. قلنا ونعيد مرة أخرى: إن مترو الأنفاق، الذى لا تكاد تجد فيه إعلانات تجارية فى محطاته ولا عربات قطاراته، وتخلو مساحاته الواسعة من المحلات التجارية والإعلانات، بل وفروع البنوك التجارية، هو شاهدٌ حى على الإخفاق فى التفكير بعقلية تجارية ناجحة، واستثمار تلك المساحات الممتازة، واجتذاب معلنين عبر شاشات متلفزة فى المحطات والواجهات وغيرهما، لجنى أموال يمكن أن تُبدّل الحال، لتتدفق أموال ضخمة على خزائن الدولة، بدلا من الحديث المتكرر والمزعج عن مديونيات لا حصر لها. بل إن تذاكر المترو -والسكة الحديد- نفسها تستخدم لوضع إعلانات تجارية عليها، الأمر الذى يصبّ فى حصيلة عائدات جهة النقل العام، ويزيد من مواردها، فهل فكّر أحدٌ من القائمين على الوزارة فى خطط ناجحة للتسويق والترويج والإعلان، بشكل علمى مدروس ونزيه، لنحقق بعض الأرباح. لم يستثمر أحد موارد السكة الحديد ومترو الأنفاق وحصيلة بيع التذاكر والخدمات لتحويلها إلى مشروعات للاستثمار تعظم الربح وتضمن استمرار عمليات التطوير والصيانة. لم يهتمّ أحد بخطط ومشروعات كهرباء السكة الحديد واستخدام الكهرباء بدلا من الديزل، الأمر الذى يمكن أن يخفّض كلفة الوقود إلى النصف تقريبًا. علينا أن نتحرك ونفكر ونطور وسائل النقل العام، وفى مقدمتها مترو الأنفاق، حتى لا تستمر الشكاوى والخسائر إلى ما لا نهاية.