«مافيش مترو بيمشى 64 كيلو بتذكرة جنيه إلا فى مصر»، هكذا تحدث رئيس الوزراء، إبراهيم محلب، فى لقاء مفتوح عُقد فى جامعة القاهرة قبل أيام عن أسعار تذاكر المترو، داعيا إلى تفهم المأزق الاقتصادى الذى تعانيه مصر، ومدى تكلفة الدعم المقدَّم إلى المترو والسكك الحديدية. قبل أن يتحدَّث محلب عن سعر تذكرة مترو الأنفاق، وهو جنيه واحد بسعر موحد فى الوقت الراهن، كانت وزارة النقل قد تحركت بالفعل لتنفيذ خطة تحريك أسعار التذكرة! فقد أفادت تقارير صحفية بأن وزارة النقل انتهت من إعداد دراسة للأسعار الجديدة التى سيتم تطبيقها على أسعار تذاكر مترو الأنفاق أول يناير من العام الجديد، للحدّ من خسائر شركة إدارة وتشغيل المترو، التى وصلت نهاية العام الجارى إلى 200 مليون جنيه، نتيجة الفارق الكبير بين التكلفة الفعلية للتذكرة والقيمة التى تباع بها إلى الجمهور. الدراسة، التى أعدّها متخصصون فى قطاع النقل والمواصلات، قسَّمت المحطات بالخطوط الثلاثة إلى 3 فئات: الفئة الأولى تبدأ من تحديد سعر التذكرة بناءً على عدد المحطات التى يستقلها الراكب، فعند ركوبه قطار المترو من محطة إلى 15 محطة، يكون سعر التذكرة جنيها واحدا فقط، والفئة الثانية من 15 محطة إلى 25 محطة يكون سعر التذكرة جنيها ونصف الجنيه، أما عن الفئة الثالثة فتكون أكثر من 25 محطة وسعرها جنيهان. يأتى هذا بينما من المنتظر أن تطبّق الأسعار الجديدة على محطات الخطوط الثلاثة، ال59 محطة، حيث يضم الخط الأول 35 محطة، والثانى 5 محطات، والثالث 9 محطات. بل إن الوزارة تفكّر، حسب التقارير الصحفية، فى تغيير ألوان التذاكر لتمييز كل فئة عن الأخرى. بعيدا عن الأسعار والألوان، هناك مشكلة حقيقية لم ينتبه إليها القائمون على وزارة النقل، ولا حتى حكومة محلب هى التفكير خارج الصندوق. إن صندوق الخيال والاستعانة بخبرات وتجارب دول أخرى فى هذا العالم الرحب، يمكن ببساطة أن يقلّص من خسائر مترو الأنفاق أو هيئة السكة الحديد، والمليارات المهدَرة فى وسائل النقل العام فى المحروسة. لم يفكر وزير النقل، هانى ضاحى، ولا مَن جاؤوا إلى الوزارة قبله فى أن خطوط مترو الأنفاق -وبالمثل السكة الحديد- تصنّف على مستوى البيزنس بأنها من مشروعات Cash Center ، مثل البنوك والطيران والاتصالات، ومثل هذه المشروعات يتم استثمار مواقعها ومساحاتها فى الخارج لتضم كافتيريات ومقاهى ومعارض للفن وحتى الأزياء، ومطاعم وفروعا للبنوك وشركات تأمين ودور سينما ومسارح ومكاتب للسفر والرحلات. اذهبوا إلى محطات مترو دبى لتشاهدوا بأعينكم كيف يتم استثمار محطات مترو الأنفاق كى تكون واجهة حضارية، وفى الوقت نفسه فهى استثمار مُربح يقصده السائحون ويهتمّ به المستثمرون على حدّ سواء. وفى الولاياتالمتحدة تحسب وزارة الاقتصاد أن كل دولار يتم استثماره فى السكة الحديد (فى القضبان أو العربات أو المزلقانات... إلخ) يعيد 3 دولارات إلى الاقتصاد الأمريكى، بعائد على الاستثمار قدره 200%، ناهيك باستحداث الوظائف وتوسيع فرص الاستثمار المحلى الصغير بتوفير النقل منخفض التكلفة. هكذا يتم استثمار المكان، بعكس محطات السكة الحديد -وإلى حد ما محطات مترو الأنفاق- فى مصر التى استولت عليها عصابات منظمة وجماعات بلطجة، وسيطر على ما تبقى منها باعة جائلون. دعونا لا ننسى أن محطات القطارات، وبالذات محطة مصر فى ميدان رمسيس، كانت مسرحا يرتع فيه مجرمون من عيّنة عصابة التوربينى، ليصعق الجميع بمعرفة جرائم قتل عشرات الأطفال واغتصابهم، التى ارتكبها رمضان عبد الرحيم منصور وشهرته التوربينى ، ومؤمن وشهرته بَزازة ، ومحمد السويسى وشهرته حَناطة ، وأحمد سمير عبد المنعم وشهرته بُقه ! إننا نغفل مثلا ثروة هى شبكة السكة الحديد فى مصر، التى تمتد مسافة 9570 كيلومترا، ويبلغ إجمالى عدد محطاتها 705 محطات رئيسية وفرعية ومتوسطة، منها 22 محطة رئيسية، و59 محطة مركزية، و60 محطة متوسطة، و564 محطة صغيرة. ثروة يستخدمها نحو 500 مليون راكب سنويا، بمعدّل يومى يصل إلى 1.4 مليون راكب يوميا، بالإضافة إلى 6 ملايين طن بضائع سنويا. أما مترو الأنفاق، الذى لا تكاد تجد فيه إعلانات تجارية فى محطاته ولا عربات قطاراته، وتخلو مساحاته الواسعة من المحلات التجارية والإعلانات، بل وفروع البنوك التجارية، فهو شاهدٌ حى على الإخفاق فى التفكير بعقلية تجارية ناجحة، واستثمار تلك المساحات الممتازة، واجتذاب معلنين عبر شاشات متلفزة فى المحطات والواجهات وغيرهما، لجنى أموال يمكن أن تُبدّل الحال، لتتدفق أموال ضخمة على خزائن الدولة، بدلا من الحديث المتكرر والمزعج عن مديونيات لا حصر لها. بل إن تذاكر المترو -والسكة الحديد- نفسها تستخدم لوضع إعلانات تجارية عليها، الأمر الذى يصبّ فى حصيلة عائدات جهة النقل العام، ويزيد من مواردها، فهل فكّر أحدٌ من القائمين على الوزارة فى خطط ناجحة للتسويق والترويج والإعلان، بشكل علمى مدروس ونزيه، لنحقق بعض الأرباح. لم يستثمر أحد موارد السكة الحديد ومترو الأنفاق وحصيلة بيع التذاكر والخدمات لتحويلها إلى مشروعات للاستثمار تعظم الربح وتضمن استمرار عمليات التطوير والصيانة. لم يهتمّ أحد بخطط ومشروعات كهربة السكة الحديد واستخدام الكهرباء بدلا من الديزل، الأمر الذى يمكن أن يخفّض كلفة الوقود إلى النصف تقريبا. ببساطة، لم يهتم أحد، لأن لا أحد يهتم!