بعد 40 عاما على رحيلها، عادت أغاني كوكب الشرق أم كلثوم، لتصدح في أرجاء قصر الأونيسكو، ببيروت في احتفال ضخم أحيته، ليل أمس الثلاثاء، 4 مطربات من المغرب، وتونس، ولبنان، ومصر. وعلى مدى أكثر من ساعتين، استرجع الحضور أغاني لم تغب عن بالهم أصلا في حفل من تنظيم لجنة تكريم رواد الشرق، تحت عنوان: "مهرجان ذكرى أم كلثوم"، بالتنسيق بين وزارتي الثقافة في الجمهورية اللبنانية، وجمهورية مصر العربية، وبالتعاون مع بلدية بيروت، والسفارة المصرية. وأحيت الذكرى نزهة الشعباوي، من المغرب، ويسرى محنوش، من تونس، ونادين صعب، من لبنان، وكارمن سليمان، من مصر، بمشاركة الأوركسترا اللبنانية، بقيادة المايسترو أندريه الحاج، وموسيقى قوى الأمن الداخلي اللبناني، وقدمت الاحتفال الإعلامية اللبنانية، ريما نجم بجاني. وحرص المسؤولون على إقامة الحدث في يوم ذكرى رحيل الخالدة الكبيرة مع العلم أنها كانت قد غنت في قصر الأونيسكو مرتين، عامي 1955 و1959. وفي الشريط الوثائقي القصير، الذي عرض في بداية الحفل، كانت لحظات جميلة، ومؤثرة مع أبرز المحطات الفنية في حياة كوكب الشرق. وتساءل نقيب الصحافة اللبناني السابق، محمد البعلبكي: "هل بلغت مطربة عربية، منذ فجر التاريخ حتى اليوم، ما بلغته المطربة العظيمة السيدة أم كلثوم رحمها الله من المجد الفني، الذي بقي، وسيبقى خالدا، ما دام على الأرض ابن آدم؟". وقال رئيس بلدية بيروت، بلال حمد: "في زمن العمالقة كانت السيدة أم كلثوم، سيدة الغناء العربي قد ملأت الدنيا وشغلت الناس، وأيقظت الجمال، والفن الكامنين في هذا العالم، أشعلت نار الفرح والطرب بصوتها الفريد، الآتي من عالم الأفلاك والنجوم، ومن بحار الحس، والشعر، ومن كواكب الفن". نزهة الشعباوي قدمت "أنا في انتظارك" من ألحان زكريا أحمد، وكلمات محمود بيرم التونسي، أما يسرى محنوش فاختارت "الأطلال"، وهي قصيدة للشاعر إبراهيم ناجي، وألحان الموسيقار رياض السنباطي، ونادين صعب، غنت "للصبر حدود" من كلمات عبدالوهاب محمد، وألحان محمد الموجي، والمصرية كارمن سليمان، تميزت بأغنية "هذه ليلتي"، التي أدتها أم كلثوم في العام 1968 من كلمات جورج جرداق، وألحان محمد عبدالوهاب من مقام الكرد. وكانت أول أغنية عاطفية تقدمها أم كلثوم بعد حرب 1967. وتجسد حب الجمهور الغفير "للست" أم كلثوم بالتصفيق الحار، الذي رافق الوصلات الغنائية والموسيقية، كما اختار البعض أن يرافق الموسيقى والغناء وقوفا، وكأن المقاعد كانت تأسرهم، وتكبح انفعالاتهم العفوية. وغصت قاعة قصر الأونيسكو بالحضور، متسببا بزحام سير، أجبر العشرات على وضع سياراتهم بعيدا، والسير على الأقدام لمسافات طويلة. وعلت الزمامير والهتافات، وأحاديث الناس الجانبية، خارج قصر الأونيسكو، فهذا الرجل الخمسيني المصري هتف قائلا وهو يسير باتجاه القصر: "لبنان كله جاء إلى الأونيسكو"، أما زوجته فعلقت: "آه يا سوما لو تيجي تشوفي المظاهرة دي كلها علشانك". ومن تمكن من دخول القصر أخيرا بعد طول انتظار في الباحة الخارجية، التابعة له، اعتبر نفسه أكثر من محظوظ. وتساءل الولد جاد يتيم، 10 سنوات، الذي رافق عائلته: "ماذا يفعل كل الناس هنا؟". البعض تابع الحفل في الباحة الخارجية، من خلال الاستماع إلى الموسيقى فقط، في حين اختار البعض الآخر أن يدخل القاعة الصغرى في القصر، حيث أقيم معرض لأجمل اللوحات، التي تصور كوكب الشرق بفرشاة رسمها هواة، وبعض المحترفين. فيصل سنو، 70 سنة، وقف مطولا أمام لوحة تظهر أم كلثوم، بريشة أمل الأشقر، في حالة انخطاف وهي تغني وقد زين المنديل يدها، يقول لرويترز: "أم كلثوم لن تتكرر وهذا الجنون الرائع، الذي ترجمه الناس حبا لها، مساء أمس، هو أكبر دليل على ذلك". وقبل بدء الحفل، وقف الحضور دقيقة صمت، حدادا على أرواح الذين قضوا نحبهم، جراء التفجيرات في سيناء. وفي كلمته قال محمد بدر الدين زايد، السفير المصري في لبنان: "إن لدينا ثقة أن مصر، التي ذكرها القرآن الكريم 6 مرات، وقال عنها السيد المسيح مبارك شعب مصر، سوف تنتصر على الإرهاب، مثلما انتصرت على كل التحديات".