تساؤل يشير إلى وجود طرف ثالث يسهر على تحقيق الوقيعة بين الشعب وبين الجهاز المنوط به حمايته، نعم هناك طرف ثالث مكوَّن من مجموعات عدة، هدف بعضها الوقيعة الصريحة، وأخرى هدفها التدليل على أن هناك مشكلة يجب أن تُنظر وتحل. ما هو حجم المجهود المتطلّب لإحداث الوقيعة أو التدليل على وجود أزمة فى العلاقة بين الشعب والشرطة؟! لا شىء، فالثقة منعدمة، والمشاعر السلبية تتفاقم. أُعيد شعار الشرطة فى خدمة الشعب بعد عقود من عدم انطباقه، فهل تغيّر شىء فى الأداء ومن ثمَّ العلاقة؟ الملاحَظ بعد ثورة يناير وعودة الداخلية تحرك أجهزة الشرطة بمزيد من التوتر والريبة، انعكس ذلك على تعامل أفرادها مع كثير من الأحداث، وجاءت أحداث رابعة لكى تعمق الأزمة. ولا نعلم لماذا لا تسأل الداخلية متخذ القرار والسياسى المسؤول عن ما يؤول له الوضع فى كل أزمة، لماذا يُساءل المواطن ويَلقى اللوم والشك وسوء المعاملة؟ الثأر أصبح شعورا متبادلا بين كثيرين فى الداخلية ومن انخرطوا فى يناير (وقبلها وبعدها)، بالإضافة إلى الثأر بين الشعب والمتآمرين! ما هو المجهود المتطلّب لحل الأزمة والوصول إلى علاقة قانونية؟ على مَن تقع مسؤولية تحقيق ذلك؟ هناك أمور يجب الفصل فيها بداية، أولا المتآمر، على الداخلية التفريق بين المتآمر والمعارض والنشط والغاضب والثائر، الأول خطر وضد الدولة والشعب، لكن المعارض أو الثائر، بكل أشكال تعبيره، رافض لسياسات أو أفراد، لكنه فى النهاية ليس إلا راجيا لوطن بشكل مختلف، لا يحرّض على العنف ولا يمارسه، وإن خرج عن ذلك حُوكم بالقانون وتلقّى جزاءه وفق محاكمة عادلة، لكن أن نعتبر كل مخالف متآمرا، عضوا فاسدا يجب بتره! تلك هى الأزمة. الداخلية تعلم أكثر مما نعلم، تلمّ ببواطن الأمور، لكن عليكم إدراك أن الأمر نسبى جدا، عليكم تطبيق قاعدة أن ليس كل معارض خائنا، وليس كل مخالف للنظام أو مندد ببعض الممارسات الأمنية متآمرا ضد البلد، بل يتمنى تحقيق الأمن والحريات والحقوق للجميع، ربما يكون غافلا، جاهلا، غير واقعى، لا يدرك الخطر المحيق بالبلد، سمِّه ما شئت، لكنه ليس بخائن، ويجب التعامل معه دون تخوين وعنف، بل بالقانون. ثانيا الغضب والثورة حق، اختلافنا واتفاقنا مع الأساليب لا ينفى الحق، ودور القانون هو وضع آليات لممارسته، لكن دون التضييق والخنق. ثالثا دور الداخلية والجيش حماية الشعب والوطن، فى كل مناسبة وكل وقت، والمتظاهرون ليسوا إلا أفرادا تحت القانون وفى حمايته، وعلى الداخلية حمايتهم وتطبيق القانون، ويتطلّب ذلك كثيرا من ضبط النفس. ندرك حجم الضغط الذى يقع على الداخلية ، فلعقود كان عليها (ربما وحدها) حلّ مشكلات النظام المستعصية، وملء فجوات تحدثها أخطاء أجهزته، الداخلية وحدها تواجه إخفاق الكل فى القيام بواجبه، وتراكم السنين والعقود أحدث شرخا على الدولة المبادرة بإصلاحه. أخيرا، التظاهرة حق، حرية تعبير، يترك المتظاهرون رسالتهم لمن يعى ويدرك، لشعب يرجون تحريره من الخوف والفقر، لنظام يرجون استجابته. وهكذا كانت التظاهرة التى سقطت فيها شيماء، لكن أى رسالة يريد من يقتل ويهين المتظاهرين إيصالها؟ متى تدركون أن التوتر والعنف لن يؤديا إلا إلى مزيد من الحنق والرفض؟ متى تدركون أن دوركم هو حمايتنا حتى وإن عارضناكم؟ متى تدركون أن ما حدث فى يناير من غضب انفجر فى وجه الداخلية ، هو غضب سنوات، ليس ضد الداخلية فقط، لكن ضد نظام ممتد؟ متى تدركون أن تطبيق القانون وحده هو الفيصل، وأن اللوم لا يقع على الشعب ونشطائه، بل على أجهزة الدولة المختلفة وقصورها فى الإيفاء بالتزاماتها، جيلا وراء جيل، فهل تقف الدولة وتعترف أم تمضى تندد بالمتآمرين وتُصدر الداخلية للمشهد؟ مَن يُوقع بين الشعب و الداخلية ؟