المجزرة البشعة التي وقعت في محافظة أسوان تؤكد ان فكرة الوطن لاتزال بعيدة عن مخيلة الكثيرين.. لايزال هناك من يعلي شأن القبيلة والعصبية على فكرة الوطن والدولة رغم أن مصر هي أقدم دولة في التاريخ.. ما حدث يذكرنا بالمجازر البشرية التي تقع في أدغال وأحراش افريقيا.. أن يرفع مواطن سلاحه ضد مواطن آخر استجابة لشائعات أطلقت هنا وهناك دون تثبت ودون عمل حساب للدولة.. فهذا يعني اننا نتقهقر ونعود الى الوراء الى عصور الجهالة والبداوة والهمجية.. سقط 25 قتيلاً و50 مصاباً في المجزرة جراء استخدام الاسلحة الآلية والحادة والشوم.. لمجرد أن هناك من استغل موقف معاكسة شاب لفتاة من قبيلتي الهلايل والدابودية.. كان يمكن أن توأد الفتنة في مهدها لو احتكم العقلاء من الطرفين الى الحكمة.. ولو قدموا فكرة الوطن على قبيلتهم وجاهليتهم.. نسوا انهم أبناء وطن نسوا أن بينهم أنساباً وسيطر عليهم شيطانهم فكانت المأساة سقوط ضحايا من النساء والرجال. هذه المأساة التي تعرضت لها مدينة أسوان العريقة التي يحج اليها السياح من كافة دول العالم.. جاءت لتقول للجميع انسوا السياحة وانسوا الاقتصاد.. فلماذا يأتي السياح ولماذا يأتي العالم لزيارتكم.. هل من أجل سواد عيونكم؟.. أم لمشاهدة هذا الصراع العبثي اللاعقلاني والذي يودي بمقدرات وطن بأكمله.. لماذا يأتي السياح وقد تخلى نفر من أهل اسوان الشرفاء الطيبين الأنقياء عن طبيعتهم.. بعد أن أعماهم الغل والحقد والكراهية عن الرؤية تحت أقدامهم.. في هذه اللحظة الكارثية نسى الجميع حالهم وأوضاعهم الاقتصادية المتردية ورفعوا السلاح في وجه بعضهم نسوا أن هناك اطفالاً ونساء في البيوت يحتاجون لقمة العيش وقد خرج ذوويهم من أجل الاتيان بها.. ولكنهم لم يأتوا بلقمة عيش تسد رمق الأطفال والنساء.. عادوا جثثاً ومصابين وخلفوا بيوتاً ومتاجر محروقة.. ومأساة قد تأكل الأخضر واليابس ما لم يعد الجميع الى رشدهم وما لم تتدخل الدولة بالقانون لفرض هيبتها على الكل.. هل نترك الثأر يأكل وطن ويبدد مقدراته؟ قد يلقي البعض بمسئولية ما حدث على أجهزة الأمن التي يرون انها تأخرت عن التدخل لمنع هذه المجزرة البشعة.. ولكن الحقيقة ان الأمن لا يجب أن يكون الشماعة الجاهزة لتعليق فشل الآخرين عن التعامل مع مثل هذه المؤشرات.. أين دور المحافظة والأجهزة التنفيذية والجمعيات الأهلية؟.. ولماذا نلقي اللوم على الأمن وحده؟.. هل كان من المطلوب أن يتدخل الأمن بين الطرفين ليكون هدفاً لرصاص الطرفين؟.. هل كان تدخل الأمن لردع الطرفين بالقوة وساعتها سيخرج من يقول إن الأمن يقتل المواطنين في أسوان؟.. في كل الأحوال الأمن مدان من وجهات نظر عديدة.. ولكن حقيقة الأمر أن الأمن متخم بملفات عديدة وهو ليس في أحسن أحواله وقد يكون هناك بعض التقصير في هذه القضية فقد كان بامكانه جمع رؤوس القبيلتين.. وتوجيههم لتحمل مسئوليتهم تجاه الوطن الذي يموج بأمور عديدة تريد أن تنال منه؟.. لا أحد ينكر أن الاهتمام الأول للأمن في الوقت الحالي هو توجهه لمواجهة الارهاب.. ولا أحد ينكر أن هناك مئات الشهداء من قوات الشرطة سقطوا أثناء اداء واجبهم.. ولكن الى متى يستمر الاهتمام بالأمن السياسي على حساب الأمن الجنائى؟ الأمن السياسي والجنائى لابد أن يلقى نفس الاهتمام من قبل وزارة الداخلية حفاظاً على مقدرات الشعب.. الارهابيون يريدون قتلنا.. والبلطجية والخارجون على القانون كلاهما ضد فكرة النظام والدولة.. ولابد من مواجهتهما بكل شدة وحسم.. بعد يوم أو أيام ستهدأ فتنة أسوان التي يمكن أن تعصف بالوطن كله وتتحول الى شرارة حرب أهلية لو انضم لكل فصيل من المتشاجرين الى اقاربه وعصبيته ساعتها لن يكون هناك وطن لذلك ليس كافياً القبض على ال 11 متهماً ولابد من ضبط واحضار رؤوس الفتنة والمحرضين وتقديمهم الى العدالة.. ساعتها سيفكر كل حرض وكل متآمر على الوطن قبل أن يفعل صنيعه.. هناك من يريد الاصطياد في الماء العكر ويزعم أن ما يحدث هو تطهير عرقي يهدف الى القضاء على النوبيين.. ولكنه خيال مريض لأن النوبيين جذورهم ممتدة في عمق الوطن عبر التاريخ فكلنا أبناء وطن وأصحاب هذه الأرض الطيبة.. هؤلاء يريدون تدويل قضية النوبة في اطار المؤامرة الكبرى على مصر والتي تهدف الى تقسيمها الى 4 دويلات في سيناء وفي أسوان وبلاد النوبة القديمة وفي قبلي وفي بحري.. ولكنهم لن ينالوا من مصر الأبية الموحدة التي ستقضي على كل الفتن كما فعلت من قبل حين أرادوا النيل من وحدتنا الوطنية. مأساة اسوان جريمة في حق الوطن.. والجريمة الأكبر أن يستمر السلاح في كل يد.. متاحاً ومباحاً بهذا الشكل المخيف.. السلاح يأتي وبشكل شبه يومي من السودان وليبيا وبكميات ضخمة.. ولكن حان الوقت لأن ينزع هذا السلاح عنوة من الجميع وتطبيق القانون بكل حزم.. نزع السلاح المنتشر في أنحاء المحروسة يجب أن يكون المهمة الأولى لوزارة الداخلية في الوقت الحالي حفاظاً على الوطن وارواح المواطنين فالسلاح يشهر حالياً لأتفه الأسباب.. اضافة الى استخدامه في العمليات الارهابية ضد أفراد الجيش والشرطة.. مقدرات الوطن لا يجب أن تترك للعابثين.. لذلك لن يكون هناك اقتصاد أو سياسة بدون الأمن.. لقد ضرب الأبطال المتنازعون في أسوان السياحة في محافظتهم في مقتل.. فهل نترك لمثل هؤلاء ضرب اقتصاد الوطن.. جمع السلاح مسألة حياة أو موت للوطن والمواطنين وحان الوقت أن تضرب الدولة بيد من حديد على من يحمل سلاحاً دون ترخيص انقذوا مصر قبل فوات الأوان.