السينما المصرية سارعت فى اللهاث وراءها، فكانت حاضرة دائمًا على الأشرطة السينمائية، وترددت أيضا أنغام على حناجر المطربين، وبقدر ما كان القالب التسجيلى هو الأوفق فى الرصد بقدر ما خذلتنا الأفلام الروائية، أما الأغنية حتى لو تسللت إلى مشاعرنا واحدة أو أكثر فهى لم تستطع أن تقترب من سحر وومضة اللحظات التى عشناها عندما أزاحت مصر كابوسها فى ثورة اللوتس النبيلة. ومرَّت الأيام وما أصاب الثورة من إحباط ووهن أصاب أيضا السينما والأغنية، ولم يعد الأمر يتجاوز لمسة هنا أو هناك تحاول أن تُمسك بظلال وتلابيب الثورة. عشت الثورة فى الشارع منذ 25 يناير، وعشتها أيضا منذ ذلك التاريخ على الشاشة، كانت الثورة فى بواكيرها تحمل كثيرا من الآمال، جاءت الشرارة الأولى من تونس مع ثورة الياسمين التى فتحت الباب لغضب الشعوب، وانتقلنا من مصر إلى سوريا إلى ليبيا إلى اليمن، وكانت السينما حاضرة منذ 2011 فى مهرجان كان فى شهر مايو، أى بعد أشهر قليلة من الثورة، شاهدنا كيف تحتفل السينما بالثورة وتحتفى بالثوار، حتى المهرجانات الكبرى كانت تقبل أفلاما بسبب موقفها السياسى. فى مهرجان كان شاهدنا فيلم 18 يوما والذى شارك فى إخراجه 10 مخرجين، وأيضا صرخة نملة لسامح عبد العزيز، ومن تونس لا خوف بعد اليوم لمراد بن شيخ، والعام التالى شاهدنا بعد الموقعة ليسرى نصر الله الذى مثَّل عودة السينما المصرية إلى مسابقة مهرجان كان بعد غياب 16 عاما، وتكرَّر الأمر فى فينسيا و برلين ، وغيرهما. ويبقى الغناء، ما الذى كان يردده الناس فى الشارع فى أثناء الثورة يا حبيبتى يا مصر لشادية، و يا أغلى اسم فى الوجود نجاح سلام، و يا جمال يا حبيب الملايين عبد الحليم حافظ، وغيرها، كما أن الفضائيات كثيرا ما كانت تردّد قصيدة أنا الشعب لأم كلثوم، وغيرها من الأغنيات التى ارتبطت بمصر، ربما يا بلادى يا بلادى.. أنا بحبك يا بلادى لعزيز الشافعى ورامى جمال، هى التى عبرت إلى المشاعر وعبَّرت بالفعل عن الحالة، وحمزة نمرة له عديد من الأغنيات، مثل أقولك إيه ، لكن لقب مطرب الثورة الذى حظى به عبد الحليم، أو جبرتى الثورة ، كما كان يحلو لرفيق درب عبد الحليم، الموسيقار كمال الطويل، أن يطلقه عليه لا يزال بعيد المنال، وظلّ السؤال عن مَن هو مطرب 25 يناير ؟ وثورة 30 يونيو أنجبت أغنية تسلم الأيادى لمصطفى كامل التى حققت نجاحا شعبيا ضخما، رغم أنها فى النهاية مسروقة فى الكلمة واللحن، كما أن أغنية بُشرة خير لحسين الجسمى، موجَّهة مباشرة لحسّ الناس على النزول إلى الشارع فى الانتخابات الرئاسية، ولا يزال يتنازع عدد من المطربين من أجل الحصول على لقب مطرب الثورة . حمادة هلال حاول أن يحظى بتلك المكانة، خصوصا أنه لم يتورط فى الغناء من قبل لحسنى مبارك، ولم تكن الدولة على المستوى الرسمى تعتبره قريبا منها، وقدَّم بالفعل أكثر من أغنية لشباب التحرير تتغنَّى بالثورة، أولها تحوَّلت أيضا بسبب كلماتها إلى مادة للسخرية، وهى شهداء 25 يناير.. ماتوا فى أحداث يناير ، مثلما تقول سكان السيدة زينب.. يعيشون فى حى السيدة زينب ، الأغنية أكدت أن هناك استسهالا فى التنفيذ، بسبب الرغبة فى أن يسارع المطرب فى التأكيد على أنه حاضر فى المشهد السياسى وعلى نفس موجة الجماهير، لا أتصوَّر أن أى مطرب من الذين عرفناهم وكان لهم بصماتهم الفنية حتى لو لم يتورطوا مع النظام المصرى السابق من الممكن أن تطلق عليه الجماهير لقب مطرب الثورة ، محمد منير -على سبيل المثال- كان هو أكثر مطرب رددوا له فى الميدان أغنية إزاى التى كانت كلماتها أقرب إلى الإنذار، لما حدث بعد ذلك فى 25 يناير، كانت الدولة حتى فى الفضائيات الخاصة ترفض أن يتم عرضها، بالتأكيد فإن الشريط المرئى الذى صاحب الأغنية بعد ساعات قليلة من ثورة يناير لم يكن هو الشريط الذى مُنع عرضه قبل الثورة، كان الشريط المرئى يقدم مؤازرة للشباب الثائر، والقنوات والإذاعات سجَّلت رقما غير مسبوق فى عدد مرات تقديم الأغنية، وتاريخ منير معروف فى علاقته بالنظام السابق، فهو لم يكن قريبا من السلطة، لا أعتبره بالمناسبة معاديا لها، لكنه فى الحدود الدنيا لم يكن صوتا للنظام، ولم يحصل على حماية خاصة، ولا أتذكَّر أنه تورط مثل الآخرين فى التمهيد للتوريث، أو الدعوة لمبارك الأب رئيسا مدى الحياة، وغم ذلك فإن منير لم يعتبر نفسه مطرب الثورة، ولم يرتفع صوته مثل الآخرين الذين قالوا إن عصر مبارك كان هو زمن التعذيب والهوان، وأنهم لاقوا كثيرا من العنت، مثلما مثلا قال المطرب على الحجار فى أكثر من مناسبة، مؤكدا أنه لم يكن يدرى أن النسر المصرى شقّ السما تتغزَّل فى مبارك، وحتى الآن ننتظر أغنية عن الثورة مثلما ننتظر فيلما عن الثورة! وفى كان 2014 شاهدنا ماء الفضة السورى لأسامة محمد ووئام بدرخان، ولم تكن المهرجانات العربية بعيدة عن رصد الثورة سينمائيا، سواء أبو ظبى أو دبى أو الدوحة أو الجزيرة أو قرطاج أو القاهرة أو وهران ، لم تتوقَّف أفلام الثورة عن الوجود، لكن خفت الحضور وتضآلت معدلات المصداقية. هل الشارع العربى فى علاقته الذهنية والشعورية بالثورة لا يزال على موجتها؟ مع الأسف كثيرٌ مما كنا نراه حقيقة بات وهما، بل ومزيد من حقائق تتبدد، وتحلّ مكانها أوهام تتجدّد. لو تابعت الأفلام الروائية والمسلسلات الدرامية التى تناولت 25 يناير لاكتشفت أنها وُلدت مبتسرة، فخرجت مشوهة للناس، ولم تنجح فى سبر أغوار روح الثورة، تعاملت مع السطح ربما رصدت الحدث لكنها لم تتأمله، الواقع لا يزال حتى الآن يكشف عن تفاصيل جديدة، ما تصوَّرنا فى لحظات أنه حقيقة اكتشفنا أن هناك وقائع أخرى تُكذّبه، ولا يمكن أن يُبنى الفيلم السينمائى أو المسلسل الدرامى على وثائق أو أحداث مشكوك فى صحتها، الموقف يتكرَّر بعد ثورة 30 يونيو، والتى عبرت عنها بعدها بساعات الأغنيات وردَّدها الناس، بينما لا تزال الدراما بعيدة عن هضمها، ناهيك بإفرازها فى عمل فنى. وبقدر ما كانت 25 يناير حاضرة بقوة فى دراما التليفزيون فجاءت مبتسرة، بقدر ما انتظر الناس أن يروا 30 يونيو فى مسلسلات رمضان 2014، متجاهلين أن المبدع يحتاج إلى فترة حضانة للفكرة أو الحدث حتى يختمر بداخله ويتشكّل إلى رؤية إبداعية، لم يعثر مشاهدو المائدة الرمضانية إلا على قليل من ثورة 25، شذرات تتناثر هنا وهناك عما حدث بعد ثورة اللوتس ، مثل مسلسلى تفاحة آدم و إمبراطورية مين ، بينما ما احتل الجزء الأكبر من المائدة الدرامية أعمالٌ تتناول كثيرا مما هو مسكوت عنه، مثل مسلسلات: سجن النساء و السبع وصايا و ابن حلال ، لكنك ستلاحظ أن الثلاثة الكبار فى دنيا الدراما التليفزيونية، وأعنى بهم بالطبع عادل إمام ويحيى الفخرانى ومحمود عبد العزيز، ابتعدوا، مع سبق الإصرار، عن الإدلاء برأى قاطع حتى لا يحسبها أحد عليهم، التجربة أثبتت لهم أن الناس حاضرة دائما للحساب، فلجؤوا إلى تقديم دراما محايدة، أو وضعوا صورة حسنى مبارك فى قِسم الشرطة دلالةً على أن الأحداث تجرى فى زمن سابق، حتى لا يطلب منهم تحديد الموقف، النجم فى بلادنا يُحاسَب على الاختيار الدرامى قبل الكاتب والمخرج. ربما كانت السينما الروائية هى الأسرع فى التقاط الحدث، بغرض أن تُصبح ساخنة وعلى موجة الناس، إلا أنها اعتبرتها مجرد سبوبة لجذب الزبون، لدينا نموذج صارخ صرخة نملة الذى تغيَّر توجهه السياسى من الحقنا يا ريس ، وكان هو عنوان الفيلم الأول، كما أجازته فى زمن مبارك الرقابة ليصبح سوف نخلعك يا ريس ، حيث فوجئ الجميع بنجاح الثورة، فأضافوا عددا من المشاهد، وأعادوا المونتاج فأصبح صرخة نملة ، تعاملت السينما مع الثورة باعتبارها نكتة، بل إن البعض كان يضع إيفيه الشعب يريد فى أى موقف درامى لخلق ضحكة، تابِعْ مثلا سامى أكسيد الكربون ، وبينما وقف فيلم حظ سعيد مع الثورة فإن تك تاك بوم اختار الجانب الآخر، و البرص الذى عُرض فى العام الماضى اختار أيضا دون أى سبب أو منطق درامى أن ينتقد 25 يناير ، أما الجزيرة 2 فتستطيع أن تقرأه على المستوى السياسى باعتباره يعبر عن تناقض فى التوجه، وأظنه كان حائرا بين موقف كتَّاب السيناريو الثلاثة الإخوة دياب ، خالد ومحمد وشيرين، المؤيِّد للثورة من اللحظة الأولى، بل لهم موقفهم المباشر ضد حكم مبارك خلال سنواته الأخيرة، وبين قناعة المخرج شريف عرفة المتحفِّظ فى رؤيته للثورة، تستطيع أن ترى أيضا فرش وغطا لأحمد عبد الله وهو يرصد هذه المرة بتعاطف الثورة. ما الذى يصدِّقه الناس؟ هل الحقيقة التى تعلنها أجهزة التحقيقات أم الحقيقة التى تعلنها الشاشات؟ التجربة أثبتت أن الصورة الذهنية تتشكَّل عبر ما تبثّه أجهزة الإعلام، وأن تأثير الدراما فى هذا المجال أعمق. وكما أن الفنانة صابرين من خلال مسلسل أم كلثوم صارت عند الناس هى الأصل، و سولاف فواخرجى فى مسلسل أسمهان هى الأصل، فأنا أتصوَّر أن بعد الموقعة الذى عُرض داخل المسابقة الرسمية لمهرجان كان قبل عامين هو المرجعية الدرامية الأولى ل واقعة الجمل حتى إشعار أخر. نرصد صراع الأصل والصورة بين بعد الموقعة كحدث واقعى وكرؤية درامية، لا شك أن شخصية الخَيال -بفتح الخاء- الذى اقتحم الميدان وأداها باسم سمرة، حيث تلقَّى علقة ساخنة على أيدى الثوار، ستظل هذه هى الحقيقة الشعبية فى علاقة أهالى عشش الترجمان بالثورة، هؤلاء الذين تراجعت مكاسبهم. فرحتنا بعرض الفيلم داخل المسابقة الرسمية شىء، ومستوى الفيلم الفنى شىء آخر تماما، لا تستطيع سوى أن تتأمل هذا الفيلم بصريا وفكريا، إنها الثورة المصرية بعين يسرى نصر الله. أتذكَّر مساء 25 يناير 2011 التقيته -يسرى- فى ميدان التحرير، ولم يكن لدى أحد بالتأكيد إحساس أن هذه هى الثورة التى ستُطيح بالطاغية، لكن من المؤكد أنه كان هناك يقين بأن مصر قد تغيَّرت. اختار المخرج واقعة الجمل التى كانت هى الخط الفاصل للثورة، كان مبارك قبلها بأقل من 24 ساعة قد ألقى الخطبة التى قال فيها سأُدفَن على أرضها ، لاستعطاف مشاعر المصريين، وجاءت موقعة الجمل لتؤكِّد كم كان مراوغا. يسرى من خلال بطل الفيلم الذى تحوَّل إلى بلطجى (باسم سمرة) ذهب إلى ميدان التحرير، هل ذهب بعد أن استبدّ به الغضب مدافعا عن أكل عيشه أم إنه كان عميلا لأعداء الثورة؟ الفيلم يتعاطف معه، لكنه فى نفس الوقت لا يتعاطف مع موقفه، يصل فى لحظات إلى حدود تبرئته من الإدانة، فهو كان يدافع عن مصدر رزقه، لكنه سرعان ما يكتشف كم هو يُروِّج لما كان يردده أعداء الثورة، فيُسارع بتأكيد الإدانة. لا أحد من الممكن أن يصدِّق أن هؤلاء تحركوا من نزلة السِّمان حتى ميدان التحرير دون أن يُخطَّط ويُدفَع لهم أيضا مقابل مجزٍ لإجهاض الثورة. السيناريو يقدِّم لنا منة شلبى الناشطة السياسية التى كانت واحدة من الثوار، وتذهب إلى نزلة السمان وتشعر بانجذاب إلى باسم ، ولا أدرى لماذا أثقل المخرج فيلمه بتلك العلاقة العاطفية التى ظلَّت طوال السيناريو مثل حمل ثقيل؟! المخرج غير قادر على التعامل معه، لا دراميا أو فكريا، علاقة تذكّرنا ببعض الحكايات المشابهة التى كان يحلو ليوسف شاهين أن يزرعها فى أفلامه، عندما يصبح الانجذاب الجنسى هو الدافع الوحيد، وتسقط فى سبيله كل الحواجز والحدود. الأحداث تنتقل إلى نزلة السمّان لتصبح هى المسرح الحقيقى للفكر الذى يتبنّاه المخرج، حيث تمتد لعنة الغضب من باسم سمرة إلى ابنه الذى يتحوَّل إلى أداة للسخرية من التلاميذ فى المدرسة، لأنه ابن الخيَّال الذى تلقَّى علقة ساخنة فى الميدان. باسم سمرة فى المشهد الأخير ينحاز إلى الثورة، ويذهب إلى الميدان، ويتلقَّى رصاصة قاتلة، ثم نشاهده فى لقطة أقرب إلى الخيال يصعد إلى الهرم، مؤكدا أن الثورة فى النهاية ستنتصر. بالفيلم مزجٌ بين الرؤية التسجيلية والدرامية، حيث نجح نصر الله فى الحفاظ على أن يظل النجوم المحترفون، أمثال منة شلبى وباسم سمرة وناهد السباعى، فى حالة من الانسيابية والطبيعية، ولهذا كان يبدو صلاح عبد الله بأدائه الاحترافى خارج تلك المنظومة، فأداؤه يخدش روح الفيلم! الفيلم لا يقدِّم تأريخا للثورة، لكنه يلتقط حالة باسم سمرة ، وفى النهاية ينضم إلى الثوار، والحقيقة هى أنه لم يتغيَّر فكريا، فهو يتوجه إلى ميدان التحرير، حمايةً لمنة شلبى وليس للثورة، إنها حالة حب، وتلك هى المشكلة التى أثقلته دراميا وعوّقته فكريا! ويبقى السؤال: ماذا بعد أن تعلن الحقائق النهائية المتعلقة ب واقعة الجمل هل سيصدّق الناس الفيلم، أم إنهم سوف يُصدِّقون حكم المحكمة الذى طبقا إلى القانون هو عنوان الحقيقة؟ مَن يكسب الأصل أم الصورة؟ أقول لكم إن الناس ستحيل الصورة إلى أصل، ويصبح فيلم بعد الموقعة هو بالضبط الأصل وعنوان الحقيقة، لكن ما يعيق ذلك هو أن بعد الموقعة لم يحقق رواجا شعبيا، وأظنّ أنه لن يحققها! وإذا كانت السينما الروائية عجزت عن التعبير فإن السينما التسجيلية كانت فى الحقيقة فرصتها أكبر، بل ولأول مرة طوال تاريخنا السينمائى وتاريخ الأوسكار وفى العام الماضى فى الدورة رقم 86 لتلك المسابقة الأشهر عالميا وصلنا إلى تلك المكانة، وهى القائمة القصيرة لأفضل فيلم تسجيلى طويل، إلا أن بعضا مِن سارقى الفرحة يريدون أن يحيلوا زهو الانتصار إلى مؤامرة عالمية، لمجرد أن فيلم الميدان للمخرجة المصرية والتى تقيم فى أمريكا، جيهان نجيم، يتناول أحداث الثورة وفترة المجلس العسكرى التى رفع فيها الثوار شعار يسقط يسقط.. حكم العسكر . إنه فيلم توثيقى، ولا يمكن أن نطلب من فيلم يرصد الوقائع أن يراعى فروق التوقيت، لقد وصلنا إلى الترشيحات الخمسة، وهو بالنسبة إلينا إنجاز غير مسبوق، لم نحصل على الأوسكار ولا أى دولة عربية، لكننا اقتربنا فى العام الماضى. لا أتصوَّر أنها السياسة، لكنه الفن، هل من الممكن أن يتم توجيه إرادة أكثر من 6 آلاف عضو من أكاديمية الفنون والعلوم الأمريكية لمناصرة هذا الفيلم، لأنه يتوافق مع توجه الإدارة الأمريكية؟ ثم: هل الفنان الأمريكى صدى لما تراه الرئاسة أو الرئيس، أم إنهم حتى على المستوى السياسى يُعبِّرون فقط عن قناعاتهم؟ أخيرا صار لدينا فيلم عن الثورة، تتساءلون أليس رصيدنا ليس فقط عشرات بل مئات من الأفلام التسجيلية التى تناولت الثورة المصرية، والتى تشابهت فى كثير من الملامح، حتى إننا أُصبنا بقدر لا ينكر من التّخمة، الأهم من كل ذلك أننا لم نعد نسعد عندما نقرأ عن فيلم اسمه التحرير أو عيش حرية أو الجمل أو 25 يناير ، وغيرها، فلا يوجد ما يستحق أن نترقبه، حتى جاء فيلم الميدان لنرى فيه مصر والثورة، الرؤية العميقة التى صنعتها المخرجة جيهان نجيم تأخذ من الحياة ما يمنح نظرتها هذا القدر من الخصوصية، الفيلم التسجيلى يسمح بحرية مطلقة فى الاختيار، كما أنه لا يعترف بتلك القيود الصارمة، فأنت عندما تختار لا توجّه أحدا إلى الأسلوب أو لا تطلب منهم أن يسايروك أو يتبنوا وجهة نظرك ليصبحوا صوتك وصورتك، لكن فقط أن يكونوا أنفسهم، لا تقول مثلا هدفى أن أُقدِّم فيلما مؤيدا للثورة، لكنك ترصد الحقيقة بإنصاف، هكذا وجدت تلك المشاركات، مثل الممثل المصرى المقيم فى لندن خالد عبد الله، ومجدى عاشور المنتمى إلى التيار الإسلامى، ورغم إيمانه بتنظيم الإخوان فإن حُب مصر فى أعماقه، فهو نزل إلى الميدان يوم 25 يناير، بينما الإخوان كتنظيم رفضوا المشاركة إلا يوم 28 يناير، عندما اقتربت الثورة من قطف ثمرة الانتصار وشاهدوا بداية سقوط النظام، شاركت أيضا بالفيلم المخرجة الممثلة عايدة الكاشف والمطرب رامى عصام والناشطة راجية عمران، والبطل الحقيقى فى هذا الفيلم هو أحمد حسن، لم نعرف عنه كثيرا سوى أنه يملك رؤية عميقة للحياة فى مصر، إنه واحد من ملايين الشباب الذى نزل إلى الميدان لإسقاط مبارك. قال أحمد حسن بوجهه المصرى وتلقائيته وخفة ظله إن الثورة مستمرة، ربما انتهى دور أحمد وصرنا ننتظر أصواتا أخرى، الرقابة لا تعلن صراحةً أنها ترفض عرض الفيلم، وهى لن تعلن أبدا، ستظلّ تتحدَّث عن عوائق إدارية، لكنها أبدا لن تذكر أنها لا تستطيع أن تعرض فيلما يتضمَّن نداء يسقط حكم العسكر ، حتى ولو كان يقصد حكم المجلس العسكرى السابق، تلك هى القضية، وهذا هو المانع المباشر للعرض.